الدول االسكندنافية صديقة للعرب
يـوم الثاني والعشرين من شهر يوليو/ تموز عـام ،2011 ارتكب اإلرهــابــي أنـــدرس بيرنغ بريفيك النرويجي وعضو حــزب التقدم )PROGRESS PARTY( جريمتني متتاليتني بتفجير قنبلة في سـيـارة (فـــان) أدت إلــى مقتل ثمانية أشـخـاص فـي مدينة أوسلو العاصمة النرويجية. وبعدها قتل 69 شخصًا كانواً يقيمون في معسكر عمل شبابي عن طريق إطالق النار مباشرة عليهم أثناء إقامتهم في جزيرة يوتويا. وملا سئل عن سبب قيامه بهذه الجرائم النكراء، قال إن دافعه هو استعادة نقاوة النرويج من املسلمني، وتأكيد رفضه لعملية التأنيث التي طغت على البالد، بحيث فقدت النرويج رجولتها وحيويتها. وفــي شهر أكـتـوبـر/ تشرين األول مــن الــعــام ،2006 قـامـت مجلة شــارلــي إيــبــدو الـفـرنـسـيـة بـــإعـــادة نـشـر صـــور كــاريــكــاتــوريــة عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، اعتبرها كثير من املسلمني تـحـديـًا ســافــرًا ملـشـاعـرهـم، وكــانــت تـلـك الــصــور قــد نـشـرت أصــال في مجلة دنماركية « يالندز بوسنت» JYLLANDS POSTEN في شهر سبتمبر/ أيلول من عـام .2005 وقامت كثير من الـدول اإلسالمية بمقاطعة السلع الدنماركية، ما أدى إلى خسائر سريعة بـعـشـرات املـاليـني مـن الـــــدوالرات، إذ تـراجـعـت صــــادرات الـدنـمـارك إلــى الـشـرق األوســـط بنسبة %50 خــالل الفترة مـن شهر فبراير (شباط) عام 2006 وحتى شهر يونيو (حزيران) من نفس العام. وقد استمر تأثير املقاطعة االقتصادية خاصة على شركة األلبان الدنماركية (آرال) والتي نشرت صفحات من االعتذار في الصحف الرئيسية في البلدان العربية واإلسالمية. لــكــن تــلــك الـنـتـيـجـة لـــم تــــرض الــفــرنــســيــني. فــقــامــت مـجـلـة شــارلــي إيبدو بإعادة نشرها للرسوم املسيئة. وفي مطلع عام ،2015 قام شخصان بمهاجمة مكاتب املجلة الفرنسية شارلي إيبدو، وقتل عدد من صحافييها. وقبل عدة أيام، تحديدًا يوم الحادي والعشرين من هذا الشهر قام راسموس بالودان RASMUS PALUDAN رئيس الحزب اليميني املتطرف في الدنمارك وحامل الجنسية السويدية، بحرق نسخة من القرآن الكريم في ساحة بمدينة استوكهوم عاصمة السويد. وقد قوبل هذا الفعل الشنيع بكثير من االستنكار من كل الدول العربية وإيران وتركيا وباكستان. واعتبر وزير خارجية السويد توبياس بيلستروم هذه الفعلة بأنها نكراء. ولكنه لم يغفل عن تذكيرنا بأن حرية التعبير مكفولة في السويد. إذًا، ثالثة أحداث قتل وحرق لنسخ من القرآن الكريم حصلت خالل السنوات اإلحدى عشرة املاضية داخل ثالث من الدول االسكندنافية، وهي الدنمارك والنرويج وأخيرًا السويد. ومن املعروف أن عالقاتنا العربية واإلسالمية بهذه الدول، وحتى تاريخيًا، كانت دائمًا جيدة وراقية. وقد تعودنا في حياتنا قبل عصر الكهرباء وبعدها، وقبل الــســيــارات الكهربائية وبـعـدهـا، على كثير مــن السلع والـخـدمـات التي نستوردها من تلك الدول ومن أهمها األجبان والزبدة والبقر، ومضخات غروندفوس، وطواحني الهواء، وبابور الكاز بريموس، وملـبـات شيشه (لــوكــس)، وســيــارات الفولفو وســـات وأثـــاث إيكيا، وأحذية كالرك وخدمات الشحن .CONTAINERS وكــذلــك فـــإن مــواقــف بـعـض حكوماتها مــن القضية الفلسطينية مـــتـــمـــيـــزة، بـــخـــاصـــة الــــســــويــــد. واملـــــهـــــاجـــــرون الــــعــــرب إلـــــى الـــــدول االسكندنافية يلقون الرعاية والعناية. وهي دول ليست متعصبة دينيًا على اإلطــالق. ويعود تاريخ العالقات بها حسب معلوماتي إلى عهد الخليفة العباسي املقتدر بالله الذي أوفد أحمد بن فضالن وآخرين إلـى بـالد الصقالبة (تتارستان وعاصمتها قــازان داخل روسيا). وقد كتب ابن فضالن «رسالة ابن فضالن» التي فصل فيها عن حياة الفايكنغز ،)VIKINGS( والـذيـن يبدو أنـه اتصل بـهـم. ويـقـر كثير مـن املــؤرخــني فـي تلك الـبـلـدان فضل رسـالـة ابن فضالن فـي التوثيق لحياتهم فـي الـقـرن العاشر املــيــالدي، والتي يعتبرونها نسخة صادقة عن حياتهم مقابل الكتابات باإلنكليزية والسلتية )CELTIC( التي صورتهم بأبشع الطرق نظرًا للحروب بني اإلنكليز واالسكتلنديني على بحر الشمال ضد قبائل الفايكنغز في تلك الفترة. وفي مجال التجارة بني منطقة الفايكنغز واملسلمني، نشرت سيبر وسـكـرول SABER AND SCROLL عـام 2015 بحثًا للمؤلفة ســوزان واتـس بعنوان «مـن غـزاة إلـى تجار: التبادل التجاري العربي مع الفايكنغز». وقد التقى املسلمون بالفايكنغر إبان سعي كليهما لغزو أوروبـا، بخاصة في شبه جزيرة إيبيريا (إسبانيا والبرتغال) وتحول ذلك - كما تقول الكاتبة - إلى فرصة للتبادل التجاري بني الجانبني. وعليه، لم يسجل أن قام الفايكنغز أو املسلمون بغزو بعضهما البعض، بل اتسمت العالقات بينهما بالود والتقدير والتبادل بدل التنازع. ويـــتـــذكـــر الــــعــــرب كـــثـــيـــرًا مــــن الـــشـــخـــصـــيـــات الـــهـــامـــة مــــن الـــبـــلـــدان االسكندنافية مثل تريغف لـي، أول أمـني عـام لألمم املتحدة، وداغ همرشولد األمني العام الالحق، وكثيرًا من رؤساء وزراء تلك الدول باملودة واالحترام. والتبادل التجاري الحالي بني العرب خصوصًا واملسلمني عمومًا قوي مع الدول االسكندنافية. والسؤال هو: من هي الجهات املحرضة التي تسعى إلى تخريب تلك العالقة بني الجانبني، املسلم واالسكندنافي، بخاصة أن دولة مثل النرويج لها مكتب في الضفة الغربية املحتلة، وللسلطة الفلسطينية بعثة دبلوماسية في أوسلو. وال ننسى هنا دور النرويج في تسهيل الــلــقــاءات الـسـريـة الـتـي سبقت توقيع مـعـاهـدة أوســلــو بــني منظمة التحرير وإسرائيل عام .1994 أمـا السويد فقد قامت في شهر أكتوبر/ تشرين األول من العام 2014 باالعتراف بفلسطني دولة ذات سيادة، ولفلسطني سفارة في مدينة استوكهولم عاصمة السويد. أما الدنمارك فهي تؤيد حاليًا إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية مساملة وذات سيادة. وتشجع في الوقت نفسه املنظمات الساعية إلى تحقيق ذلك الهدف. أما فنلندا فلها بعثة دبلوماسية دائمة في رام الله منذ عام ،1990 ولفلسطني بعثة دبلوماسية في هلسنكي أنشئت منذ الثمانينيات، وتتمتع بكامل املزايا والحصانات الدبلوماسية التي تتمتع بها سفارات الدول األخرى. والــــدول االسـكـنـدنـافـيـة هــي داعـــم أســاســي ومــواظــب لـوكـالـة غـوث الالجئني الفلسطينيني «أونروا» كما أنها ذات تاريخ مسالم، وداعم للقضية الفلسطينية تستحق منا نظرة محايدة رغم احتجاجنا وكرهنا ألفعال املتطرفني القليلني منهم. ويجب على تركيا أن تدرك أن خالفاتها مع السويد وفنلندا حول عضوية الناتو، يجب أال يسمح لها أن تتحول على أيدي املتطرفني القلة إلى معول إلفساد عالقاتنا معها.