في ترهل فرنسا في الساحل األفريقي؟
تتواصل عملية خـــروج النفوذ الفرنسي من منطقة الساحل، حيث قـررت بوركينا فــــاســــو، بـــعـــد مــــالــــي، مـــنـــذ أشــــهــــر، إمـــهـــال الـعـسـكـريـن الـفـرنـسـيـن شــهــرا لرحيلهم عــنــهــا، فـــي حـــن أن الـــرئـــاســـة الـفـرنـسـيـة كشفت النقاب عن ميزانية للدفاع تجاوزت 400 مليار يـــورو، وطـمـوحـات لـلـدفـاع عن قالع تعدها فرنسا من مناطق نفوذها في العالم والبقاء في مصاف القوى العظمى،
ُّّ وهـــو مـــا يــطــرح إشــكــالــيــة الــتــحــديــات في منطقة الــســاحــل، وإرادة الـــــدول الحليفة لباريس، في املاضي، في املنطقة، بتغيير خـريـطـة تـحـالـفـاتـهـا، والــبــدء فــي مراجعة العالقات التقليدية مع مستعمر األمس. تــــهــــدف املــــقــــالــــة لـــلـــكـــشـــف عـــــن الـــفـــاعـــلـــن، الـتـحـالـفـات والـتـفـاعـالت فــي الــســاحــل، ثم تـشـخـيـص حـــالـــة الـــتـــرهـــل الــفــرنــســيــة في منطقة كانت، إلـى األمـس القريب، منطقة الـنـفـوذ التقليدية واآلمـــرة الناهية فيها، على األصــعــدة كــافــة، وصـــوال إلــى نتيجة ال مـــراء فيها، وهــي حقيقة تـراجـع مكانة فرنسا الدولية، حتى مع برمجة ميزانية ضخمة في حدود نصف ترليون يورو. فــي الـحـقـيـقـة، يـتـضـمـن الــســاحــل، بـأبـعـاده شماال نحو املغرب الكبير أو غرب املتوسط، جيوسياسيا وجغرافيا، من املـؤشـرات ما يمكن اعــتــبــاره جـامـعـا بــن الـهـشـاشـة، من نــاحــيــة، والــتــرهــل املـــــؤدي إلـــى الــفــشــل، من ناحية أخرى، ما جعله مطمعا للكل، حيث يتم إدراكـه مالذا لإلرهاب، منطقة لتجربة األسـلـحـة وفــضــاء شـاسـعـا لـجـدلـيـة النمو االقــتــصــادي أو الـخـيـار األمــنــي/ الـدفـاعـي الذي يتم الجدال بشأنه بن الدول، محليا، والفاعلن من خارج الساحل. تـــلـــك هـــــي املـــــــؤشـــــــرات الــــتــــي يـــتـــفـــاعـــل مـن خـاللـهـا الــفــاعــلــون، ســــواء كــانــت دول من الساحل، قـوى إقليمية أو كبرى/ عظمى مـــن خـــارجـــه أو فـــاعـــلـــون مـــن غــيــر الـــــدول على غرار الجماعات اإلرهابية (داعش أو قـاعـدة املـغـرب الـعـربـي، إضـافـة إلــى بوكو حـــرام، وغيرها مـن الجماعات التي تتبع لـــهـــذا الــتــنــظــيــم أو ذاك، وتــنــشــط إمـــــا في رقعة جغرافية ضيقة أو شاسعة وتغطي، جيوسياسيا، املنطقة برمتها)، جماعات تـــهـــريـــب الـــبـــشـــر أو املـــتـــاجـــرة بــاألســلــحــة واملــــخــــدرات واملــنــظــمــات غـيـر الـحـكـومـيـة، اإلقليمية والدولية من مختلف الخلفيات، سـواء كانت تابعة لـدول بعينها أو تعمل تحت مظلة بعض الجهات االستخباراتية (مـــنـــظـــمـــات حــــقــــوق اإلنـــــســـــان، جــمــعــيــات مشبوهة في تعامالتها وفي والء اتها). بـــــرز فـــاعـــلـــون جـــــــدد، فــــي الــــســــاحــــل، مـثـل مليشيات فاغنر الروسية التي تعمل على حفظ األمن في مالي، وقد تتوسع الى دول املنطقة، كما أن املنطقة تـعـج بالشركات التي تعمل في حقل بعض املعادن الثمينة عــلــى غـــــرار الـــيـــورانـــيـــوم، الـــذهـــب وبـعـض املعادن الثمينة، تلك التي تدخل في صنع األجــهــزة املعلوماتية أو الـهـواتـف الذكية والرقائق، وهي فواعل تتبع لقوى عظمى، يالحظ أنها تتنافس، اآلن، بالوكالة، في حرب أوكرانيا، سواء من خالل الدعم املالي أو الوجود في مسرح العمليات باألسلحة وبالعسكرين، ما يضفي على ما يجري
فــي الــســاحــل أهـمـيـة حـيـويـة بـالـنـظـر إلـى االرتـــــبـــــاط بــــن وجــــــود كــــل تـــلـــك الـــفـــواعـــل والتراجع الفرنسي أو مغادرة عساكرها مـــن دولـــتـــن كـــانـــتـــا، إلــــى زمــــن قـــريـــب، من حلفائها في العمليات العسكرية (جيوش الدول الخمس في الساحل) في الساحل. تــــطــــرح إشـــكـــالـــيـــة تـــلـــك الــــفــــواعــــل مــســائــل متعلقة باملكاسب والخسائر، وملاذا كانت فــرنــســا، وال تــــزال، الـــدولـــة الــوحــيــدة التي يطالبها األفــارقــة، فـي الساحل، بالرحيل (مـــالـــي ثـــم بـوركـيـنـا فـــاســـو) أو بـمـراجـعـة مـــنـــظـــومـــة الــــعــــالقــــات عـــلـــى كــــل األصـــعـــدة (مـجـمـوعـة الــــدول الفرانكفونية مــن غـرب الــقــارة األفــريــقــيــة)؟ ربـمـا تـحـتـاج اإلجـابـة عــــن هـــــذه اإلشـــكـــالـــيـــة إلـــــى الـــتـــركـــيـــز عـلـى التداعيات التي يفرضها استمرار فرنسا فـــي إدراك أن الـــقـــارة (الـــســـاحـــل وغــربــهــا) مــجــرد مـرتـع ملصالحها، وكــأنــهــا ال تــزال مــســتــعــمــرات، حــيــث ال يــمــكــن إيـــجـــاد بلد أفـــريـــقـــي فــرانــكــفــونــي ال يـــعـــرف إمـــــا أزمـــة اقتصادية أو لم يعرف االنقالب، االنفالت
ُّّ األمــــنــــي، تــــدخــــالت الــجــيــش الــفــرنــســي أو املليشيات التي يقودها مرتزقة فرنسيون يــعــمــلــون لــصــالــح أجـــهـــزة االســتــخــبــارات الفرنسية وربما، هنا، يمكن تذكر نماذج ســاحــل الـــعـــاج، أفــريــقــيــا الـــوســـطـــى، مـالـي والنيجر بل وغيرهما، أيضا، ما يؤكد أن الوجود الفرنسي، وعـدم تعديل بوصلته بــمــا يــكــفــل احــــتــــرام االســـتـــقـــالل األفــريــقــي الحقيقي، على األصعدة كافة، هو السبب الـــذي يـشـكـل مـحـور مـطـالـب مـراجـعـة تلك الـــعـــالقـــات مـــع بـــاريـــس مـــن دول الــــقــــارة و بناء خريطة تحالفات مصلحية، من دون