Al Araby Al Jadeed

في ترهل فرنسا في الساحل األفريقي؟

- محمد سي بشير

تتواصل عملية خـــروج النفوذ الفرنسي من منطقة الساحل، حيث قـررت بوركينا فــــاســـ­ـو، بـــعـــد مــــالـــ­ـي، مـــنـــذ أشــــهـــ­ـر، إمـــهـــا­ل الـعـسـكـر­يـن الـفـرنـسـ­يـن شــهــرا لرحيلهم عــنــهــا، فـــي حـــن أن الـــرئـــ­اســـة الـفـرنـسـ­يـة كشفت النقاب عن ميزانية للدفاع تجاوزت 400 مليار يـــورو، وطـمـوحـات لـلـدفـاع عن قالع تعدها فرنسا من مناطق نفوذها في العالم والبقاء في مصاف القوى العظمى،

ُّّ وهـــو مـــا يــطــرح إشــكــالـ­ـيــة الــتــحــ­ديــات في منطقة الــســاحـ­ـل، وإرادة الـــــدول الحليفة لباريس، في املاضي، في املنطقة، بتغيير خـريـطـة تـحـالـفـا­تـهـا، والــبــدء فــي مراجعة العالقات التقليدية مع مستعمر األمس. تــــهــــ­دف املــــقــ­ــالــــة لـــلـــكـ­ــشـــف عـــــن الـــفـــا­عـــلـــن، الـتـحـالـ­فـات والـتـفـاع­ـالت فــي الــســاحـ­ـل، ثم تـشـخـيـص حـــالـــة الـــتـــر­هـــل الــفــرنـ­ـســيــة في منطقة كانت، إلـى األمـس القريب، منطقة الـنـفـوذ التقليدية واآلمـــرة الناهية فيها، على األصــعــد­ة كــافــة، وصـــوال إلــى نتيجة ال مـــراء فيها، وهــي حقيقة تـراجـع مكانة فرنسا الدولية، حتى مع برمجة ميزانية ضخمة في حدود نصف ترليون يورو. فــي الـحـقـيـق­ـة، يـتـضـمـن الــســاحـ­ـل، بـأبـعـاده شماال نحو املغرب الكبير أو غرب املتوسط، جيوسياسيا وجغرافيا، من املـؤشـرات ما يمكن اعــتــبــ­اره جـامـعـا بــن الـهـشـاشـ­ة، من نــاحــيــ­ة، والــتــره­ــل املـــــؤد­ي إلـــى الــفــشــ­ل، من ناحية أخرى، ما جعله مطمعا للكل، حيث يتم إدراكـه مالذا لإلرهاب، منطقة لتجربة األسـلـحـة وفــضــاء شـاسـعـا لـجـدلـيـة النمو االقــتــص­ــادي أو الـخـيـار األمــنــي/ الـدفـاعـي الذي يتم الجدال بشأنه بن الدول، محليا، والفاعلن من خارج الساحل. تـــلـــك هـــــي املـــــــ­ؤشـــــــر­ات الــــتـــ­ـي يـــتـــفـ­ــاعـــل مـن خـاللـهـا الــفــاعـ­ـلــون، ســــواء كــانــت دول من الساحل، قـوى إقليمية أو كبرى/ عظمى مـــن خـــارجـــ­ه أو فـــاعـــل­ـــون مـــن غــيــر الـــــدول على غرار الجماعات اإلرهابية (داعش أو قـاعـدة املـغـرب الـعـربـي، إضـافـة إلــى بوكو حـــرام، وغيرها مـن الجماعات التي تتبع لـــهـــذا الــتــنــ­ظــيــم أو ذاك، وتــنــشــ­ط إمـــــا في رقعة جغرافية ضيقة أو شاسعة وتغطي، جيوسياسيا، املنطقة برمتها)، جماعات تـــهـــري­ـــب الـــبـــش­ـــر أو املـــتـــ­اجـــرة بــاألســل­ــحــة واملــــخـ­ـــدرات واملــنــظ­ــمــات غـيـر الـحـكـومـ­يـة، اإلقليمية والدولية من مختلف الخلفيات، سـواء كانت تابعة لـدول بعينها أو تعمل تحت مظلة بعض الجهات االستخبارا­تية (مـــنـــظـ­ــمـــات حــــقــــ­وق اإلنـــــس­ـــــان، جــمــعــي­ــات مشبوهة في تعامالتها وفي والء اتها). بـــــرز فـــاعـــل­ـــون جـــــــدد، فــــي الــــســـ­ـاحــــل، مـثـل مليشيات فاغنر الروسية التي تعمل على حفظ األمن في مالي، وقد تتوسع الى دول املنطقة، كما أن املنطقة تـعـج بالشركات التي تعمل في حقل بعض املعادن الثمينة عــلــى غـــــرار الـــيـــو­رانـــيـــ­وم، الـــذهـــ­ب وبـعـض املعادن الثمينة، تلك التي تدخل في صنع األجــهــز­ة املعلوماتي­ة أو الـهـواتـف الذكية والرقائق، وهي فواعل تتبع لقوى عظمى، يالحظ أنها تتنافس، اآلن، بالوكالة، في حرب أوكرانيا، سواء من خالل الدعم املالي أو الوجود في مسرح العمليات باألسلحة وبالعسكرين، ما يضفي على ما يجري

فــي الــســاحـ­ـل أهـمـيـة حـيـويـة بـالـنـظـر إلـى االرتـــــ­بـــــاط بــــن وجــــــود كــــل تـــلـــك الـــفـــو­اعـــل والتراجع الفرنسي أو مغادرة عساكرها مـــن دولـــتـــ­ن كـــانـــت­ـــا، إلــــى زمــــن قـــريـــب، من حلفائها في العمليات العسكرية (جيوش الدول الخمس في الساحل) في الساحل. تــــطــــ­رح إشـــكـــا­لـــيـــة تـــلـــك الــــفـــ­ـواعــــل مــســائــ­ل متعلقة باملكاسب والخسائر، وملاذا كانت فــرنــســ­ا، وال تــــزال، الـــدولــ­ـة الــوحــيـ­ـدة التي يطالبها األفــارقـ­ـة، فـي الساحل، بالرحيل (مـــالـــي ثـــم بـوركـيـنـ­ا فـــاســـو) أو بـمـراجـعـ­ة مـــنـــظـ­ــومـــة الــــعـــ­ـالقــــات عـــلـــى كــــل األصـــعــ­ـدة (مـجـمـوعـة الــــدول الفرانكفون­ية مــن غـرب الــقــارة األفــريــ­قــيــة)؟ ربـمـا تـحـتـاج اإلجـابـة عــــن هـــــذه اإلشـــكــ­ـالـــيـــ­ة إلـــــى الـــتـــر­كـــيـــز عـلـى التداعيات التي يفرضها استمرار فرنسا فـــي إدراك أن الـــقـــا­رة (الـــســـا­حـــل وغــربــهـ­ـا) مــجــرد مـرتـع ملصالحها، وكــأنــهـ­ـا ال تــزال مــســتــع­ــمــرات، حــيــث ال يــمــكــن إيـــجـــا­د بلد أفـــريـــ­قـــي فــرانــكـ­ـفــونــي ال يـــعـــرف إمـــــا أزمـــة اقتصادية أو لم يعرف االنقالب، االنفالت

ُّّ األمــــنـ­ـــي، تــــدخـــ­ـالت الــجــيــ­ش الــفــرنـ­ـســي أو املليشيات التي يقودها مرتزقة فرنسيون يــعــمــل­ــون لــصــالــ­ح أجـــهـــز­ة االســتــخ­ــبــارات الفرنسية وربما، هنا، يمكن تذكر نماذج ســاحــل الـــعـــا­ج، أفــريــقـ­ـيــا الـــوســـ­طـــى، مـالـي والنيجر بل وغيرهما، أيضا، ما يؤكد أن الوجود الفرنسي، وعـدم تعديل بوصلته بــمــا يــكــفــل احــــتـــ­ـرام االســـتــ­ـقـــالل األفــريــ­قــي الحقيقي، على األصعدة كافة، هو السبب الـــذي يـشـكـل مـحـور مـطـالـب مـراجـعـة تلك الـــعـــا­لقـــات مـــع بـــاريـــ­س مـــن دول الــــقـــ­ـارة و بناء خريطة تحالفات مصلحية، من دون

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar