Al Araby Al Jadeed

هل نعلّم ما يناقض النجاح؟

- ذوقان عبيدات

كانت املشكلة األساسية التي تواجه التعليم هــي كيف نــقــدم تعليما يـقـود إلـــى النجاح في الحياة؟ وكانت استراتيجيا­ت التعليم والثقافة املدرسية تركز على خـالف ذلـك. .. صحيح أن بعض الجهود اهتمت باملناهج، وصــارت تقدم مهارات أو معلومات ومـواد أكــــثـــ­ـر ارتــــبــ­ــاطــــا بـــالـــح­ـــيـــاة مــــثــــ­ل: األخــــــ­ـالق، والــتــعـ­ـلــيــم املـــهـــ­نـــي، ومــــهـــ­ـارات الــتــعــ­لــيــم، أو العلوم املنزلية، لكن ثقافة املدرسة والتعليم وقيمها بقيت بعكس ذلـــك تـمـامـا، وبقيت املدرسة في واد جاف بعيد عن أنهار الحياة الدافقة. ففي املدرسة نتعلم الطاعة والهدوء والــتــنـ­ـفــيــذ، بـيـنـمـا تـتـطـلـب الـــحـــي­ـــاة عـــنـــاد­ا وصخبا ورفضا! ما زال املعلمون يشيدون بالطالب املطيع الهادئ، ويهنئون أهله بذلك. وفــي املــدرســ­ة، يتعلم الطلبة التركيز على الذات، وعدم العمل مع اآلخرين، فالواجبات فردية، والتعاون مع اآلخرين ممنوع، وعدا ذلك يعد غشا، ومن غشنا فليس منا. وفي املـدرسـة، نتعلم أن نبعد عن الخطأ، بل كل خطأ يرتكبه طـالـب يعاقب عليه، ويحسم مــن رصــيــده! بــل مــن تــــزداد أخــطــاؤه يرسب في صفه. وفـي املـدرسـة، نتعلم الدقة بعدم الخروج عن النص، فالكتاب مقدس، وكذلك كالم املعلم، فليس مطلوبا من أحد غير ذلك أو خالف ذلك. وفي املدرسة، نتعلم أن نبحث عن الصحيح الــــواحـ­ـــد، وهـــــذا الـصـحـيـح واحـــــد فـــقـــط، فال ازدواجية وال تعددية: ال تروا إال ما أريكم أنا. وفي املدرسة نعلم املمنوعات أكثر مما نعلم املــســمـ­ـوحــات، فــالــصــ­وت مــمــنــو­ع، والـحـركـة ممنوعة، واالعتراض ممنوع، وحتى ترتيب الشعر ممنوع. وفي املدرسة نعلم ثقافة: إما أو، فـأنـت أمـــام خـيـار واحـــد مــحــدد، وغالبا مـا يكون الخيار بـن صحيح نمطي وآخـر مــغــامــ­ر، فيميل الـطـلـبـة إلـــى عـــدم املــغــام­ــرة. وفي املدرسة نعلم التنافس واألنانية، وهي

نــتــاج عـــدم الــتــواص­ــل واالنـــفـ­ــتـــاح، والـتـنـوع والتعددية! هذه هي قيم املدرسة بشكل عام، واملدرسة العربية بشكل خاص. صحيح أن بعض املـدارس املتقدمة في كل دولة عربية قد اتجهت نحو رفض هذه القيم، وصارت تؤمن بمجتمعات التعلم، والحوار والنقاش، وعدم قبول املعلومات والحقائق واآلراء من دون فحصها، لكن هذا كما قلت ليس شائعا في املــدارس العربية املنتشرة في أي مكان. وطبعا، انتقلت هذه القيم االجتماعية إلى املدرسة بحكم الضغط املجتمعي، تعلمها الطلبة، وأعــادوا نقلها إلى املجتمع سليمة كما هي، إذن: كيف يتطور املجتمع إذا كانت املدرسة تعيد إليه البضاعة نفسها؟ وعـــودة إلــى الـسـؤال الرئيسي: هـل نعلم ما يـنـاقـض الــنــجــ­اح فـــي الــحــيــ­اة؟ قــديــمــ­ا جـــدا قال شوقي: وكم منجب في تلقي الدروس/

ٍِ تلقى الـحـيـاة فلم يــنــجــب. فما بـالـنـا اليوم بعد كل التغيرات ما بعد شوقي، ووصولنا إلـى حياة جديدة بالكامل تعتمد املغامرة والـــجـــ­رأة والــتــجـ­ـريــب، واإلفـــــ­ادة مــن الخطأ، واملــشــا­ركــة والـعـمـل مــع اآلخــــر، والـثـقـة فيه، وهـــــذه قـــيـــم تــنــاقــ­ض مــعــظــم قــيــم املـــدرسـ­ــة. واملـــدرس­ـــة مـطـالـبـة بـالـتـجـد­د إذا مــا أرادت املحافظة على دورها. هناك أهال يرفضون املدرسة، وال يرسلون أبناءهم إليها، وهناك تــهــديــ­دات رقـمـيـة ملـنـاهـج املـــدرسـ­ــة، وهـنـاك تـــهـــدي­ـــدات ديــمــقــ­راطــيــة وحــقــوقـ­ـيــة لـثـقـافـة املـــدرسـ­ــة، وهــنــاك تــهــديــ­دات قيمية حياتية لـــلـــمـ­ــدرســـة: فــلــلــح­ــيــاة اآلن وفـــــي املـسـتـقـ­بـل معايير نجاح مختلفة عما في املدرسة، فما معايير النجاح في الحياة؟ تتطلب الحياة القدرة على االبتكار، والقدرة على تصميم العمل الخاص، وعدم االعتماد عـــلـــى وظــــائــ­ــف جــــاهـــ­ـزة ومـــعـــل­ـــبـــة. تـتـطـلـب الــحــيــ­اة الـــقـــد­رة عـلـى الـتـجـريـ­ب واملــحــا­ولــة والبحث، وارتــكــا­ب األخـطـاء وعــدم الخوف منها. تتطلب الـقـدرة على رؤيــة األمــور من زوايــــا جــديــدة، فـلـم تـعـد الحقيقة الــواحــد­ة

تتطلب إدارة المعرفة كل مهارات اإلبداع والتجديد والخروج عن مألوفاٍت كثيرة

أو اإلجابة الواحدة هي الصحيحة، فهناك إجــــابــ­ــات تــســتــح­ــق أن نــفــكــر فــيــهــا أيـــضـــا. تتطلب أن نميز بــن اسـتـهـالك املعلومات وإنــتــاج­ــهــا، أو بـــن اجـــتـــر­ار املــعــلـ­ـومــات أو تجديدها. تتطلب إدارة املعرفة كل مهارات اإلبـــداع والتجديد والــخــرو­ج عـن مألوفات كثيرة، فهذا التباين بن متطلبات املدرسة الـحـالـيـ­ة ومـتـطـلـب­ـات الـحـيـاة لــن يــكــون في صــــالـــ­ـح بــــقــــ­اء املــــــد­رســــــة، ولــــــن يـــســـاع­ـــد فـي جعلها ميدانا الختبار الحياة والتخطيط للمستقبل. قد تكون هذه املتباينات مألوفة، أو في ذهن بعض التربوين، لكن التحدي هـو فـي الــقــدرة على إحـداثـهـا. نجاحنا في إحــــداث هـــذه الـتـغـيـر­ات مــرهــون بـمـا يـأتـي: وضــع ثقافة جـديـدة للمدرسة تستند إلى قيم الحياة الجديدة، وتنحاز إلى الحاضر واملستقبل. إنـتـاج معلم جـديـد، بعيدا عن مكاسبه التاريخية، املتمثلة بمن علمني حـــرفـــا كــنــت لـــه عــــبــــ­دا، وثـــقـــا­فـــة االســتــع­ــالء املـعـرفـي، واإلحــســ­اس بالظلم االجتماعي. .. وهــــذا يـتـطـلـب عــمــال جــــــادا، فـمـتـى نـبـدأ؟ تطورت كل القطاعات اإلنسانية، من صحة، وهندسة، وقانون، ورياضة، وغيرها، فمتى نشهد تطورا تربويا؟

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar