Al Araby Al Jadeed

عمالقة غالبًا... عمالقة دائمًا

- أحمد عمر

نـشـر أحـــد األصـــدقـ­ــاء صــــورة لـعـمـال مــهــرة يــتــدلــ­ون بـالـحـبـا­ل مــن نـاطـحـة سـحـاب، ويسلخون صورة من جسم الناطحة، بعد انتهاء مناسك املونديال وزينته. الصورة لالعب كرة قدم، العمال يظهرون مثل دبابير تلسع الالعب العمالق الراكض بالكرة. بدا املشهد وكأنه من أفالم الفانتازيا مثل فيلم «كينغ كونغ»، أو من رواية «رحالت جيلفر» للروائي جوناثان سويفت، وهو قس أيرلندي كتب في أدب الرحالت ساخرًا على ما تقول املوسوعات، والسخرية اإلنكليزية ليست مثل السخرية العربية والتركية التي تسخر باألقوال وباألعمال، ولعل الكاتب قصد السخرية برحالت ألف ليلة وليلة. وفي إحدى مغامرات السندباد التاجر يقع على جزيرة، فإذا هي حوت نائم، وقد عمد صناع مسلسل سندباد الياباني الشهير إلى مزج قصص خيالية كثيرة شرقية وغربية في نص واحد، فقبسوا من جملة ما قبسوا قصة السيكلوب اإلغريقية، وهي مشابهة لقصة الجساسة واألعور الدجال في رواية تميم الداري، ونجد في املرويات العربية قصة العمالق عوج بن عناق، وكان يشوي الحيتان على جمر الشمس. وثق أهل جزيرة «ليليبوت» األقزام، العمالق غوليفر، الذي سقط من السفينة بعد عاصفة، باألغالل، وجرى تجنيده في معركة ضد مدينة أقزام مجاورة، اسمها بليفوسكو، وسبب الخالف بني القريتني عجيب، وهو النعال، فأهل ليليبوت ينتعلون نعاال واطئة الكعب. أما أهل بليوفسكو، فينتعلون نعاال عالية الكعاب، وبينهم خالف عقائدي وأيديولوجي مثل الخالف هو النعال، وهو طريقة كسر البيض لصناعة العجة (هذه من تخيالتي)، فاملدينة األولى تكسر البيض من قبتها الغليظة، والثانية من قبتها الرقيقة. وكان الصديق في السطر األول من هذا املقال قد نزل على صفحته صورة لعربي من دبي بزيه الفاخر، يمشي تياها، وخلفه عمالق آلي مثل عمالقة «األفاتار» و«جاكس» يجتهد في اللحاق به بتعويذة برنامج إلكتروني. رؤســـاؤنـ­ــا عمالقة بـقـوة السلطة العمومية واملـــلــ­ـك، وإن كــانــوا أمـثـالـنـ­ا فــي الهيئة والحجم، لكنهم يكبروننا باألفعال واألثر. وفي مفارقات التضخيم والتصغير، أن أعضاء الفرقة الكورية املطربة التي وصلت إلى الرياض صغار الحجوم، نحيلون، لكنهم عمالقة في العفاف والعشق والطرب، ومثلهم الرؤساء الذين تعلق صورهم العمالقة في امليادين العربية، ويخدمهم ماليني املوظفني بالسهر والحمى، وهم يركبون طائرات عمالقة ال تحمل سوى راكب وحيد، لكنهم ال يلبثون أن يخسوا في الحجم واملنزلة ويصبحوا أقزامًا عندما يحطون في ديار الفرنجة، أو عندما يفقدون خاتم امللك. وهناك حـروب ظاهرة وخفية بني معظم الـدول العربية، ليس آخـرهـا الـشـرر اإلعـالمـي املتطاير بـني الجزائر واملــغــر­ب، بخالفات تشبه نزاعات ليليبوت وبليفوسكو حول البيضة والنعل. ينزح غوليفر بجلده من معارك األقزام السخيفة، ويقع على جـزيـرة العمالقة، ويـجـري استخدامه بسبب صغر حجمه في مشاهد السيرك املضحك. ويمكن أن نتذكر أن املصريني لم يجدوا ما يفثأ مراجل الغضب في صدورهم سوى لقاء وحيد في برنامج «ستون دقيقة»، وكان الرئيس املصري العمالق قد أبدى غيرة، ليس على الجزيرتني الثمينتني اللتني تنازل عنهما، والنيل الذي فرط فيه، وإنما على الرغيف، الذي انقبض وصغر كثيًرا مع أن املعادن واألطعمة تتمدد بالحرارة. فهناك أمران يجعالن املرء عمالقًا أو قزمًا: الكلمة والرغيف، وقد حرمت منهما شعوب عربية عدة. خرج الرئيس السوري، شكري القوتلي، من فندق بارون بحلب، بعد فشل اجتماعه بالكتلة الوطنية لتشكيل الحكومة، فوجد متظاهرين يحتجون على قمع الحريات، وقد تقدم أحدهم وأمسك بتالبيب الرئيس صارخًا: «شكري بك بدنا حرية». فقال الرئيس: «يا ابني رح تخنق رئيس الجمهورية... شو بدك حرية أكتر من هيك». ولــم يجِر تغريم املـواطـن الحلبي كغرامة قــاذف امللك تشارلز بالبيض، أو يحبس كحبسة صافع الرئيس الفرنسي! للذكرى، الطغاة يخافون الذكريات.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar