المسلسالت الصينية تغزو أفريقيا: الدراما قوة ناعمة
تماشيًا مع توسيع استثماراتها االقتصادية في أفريقيا، وتوطيد عالقاتها السياسية مع حكومات عدة في القارة، تعمل الصني حاليًا على تصدير قوتها الناعمة إلى دول أفريقية مختلفة، وذلك من خالل اإلعالم والدراما. مــنــذ قـــرابـــة عــشــر ســــنــــوات، دخـــلـــت شــركــات اإلعــالم الصينية إلـى القارة األفريقية، تلت ذلــــك تــرجــمــة مــســلــســالت عــــدة إلــــى الــلــغــات األفريقية املختلفة، وانطلقت الختبار السوق في مواضيع مختلفة، مثل فنون الدفاع عن النفس، والحياة األسرية الصينية، واملالحم التاريخية. ومــن بـني هــذه اإلنــتــاجــات، تـعـد أفـــالم ومـسـلـسـالت الـكـونـغ فــو ومسلسالت الحياة األسرية الصينية األكثر شعبية لدى مجموعة واسـعـة مـن الجماهير األفريقية. فـــي عــــام ،2011 أصـــبـــح املــســلــســل الـصـيـنـي «العصر الجميل لزوجة االبـن» املترجم إلى اللغة السواحيلية، ذائع الصيت في تنزانيا. وغـــــزت اإلشــــــــارات إلــــى املــســلــســل الــشــبــكــات االجتماعية، وباتت شخصية «ماو دودو»، (بطلة العمل هـاي تشينغ) واحــدة من أكثر الشخصيات شهرة عند الجمهور التنزاني. ووجـــــــــدت الــــعــــالقــــات بـــــني الــــحــــمــــاة وزوجــــــة االبن، وموضوع الحياة واملوت، صدى قويًا بــني الجماهير املحلية، إذ يعتبر املسلسل نموذجًا للعالقات املعقدة والتناقضات بني أفـــــراد األســـــرة مـــن اإلنــــــاث. وحـــقـــق املسلسل مـــشـــاهـــدات عــالــيــة عــلــى شـــاشـــة الــتــلــفــزيــون الــوطــنــي الــتــنــزانــي، وأعــيــد بـثـه أربــــع مـــرات. بـعـد ذلــــك، تـــرجـــم إلـــى لــغــات أفـريـقـيـة أخـــرى لـيـحـظـى بــنــجــاح كـبـيـر فـــي بـــلـــدان عـــدة مثل
أوغندا وروانـدا والسنغال. وأحدثت شعبية املـسـلـسـل فـــي أفــريــقــيــا ردود فــعــل مــتــعــددة، فـــي وســـائـــل اإلعـــــالم األوروبــــيــــة واألمــيــركــيـة واألفــريــقــيــة. واعــتــبــره بـعـض الـنـقـاد وسيلة رئيسية للصني لتصدير القيم االجتماعية الصينية، وبالتالي زيــادة نفوذها الثقافي بـعـد نـجـاح تنميتها االقــتــصــاديــة. ترجمت أعــمــال صينية إلـــى اإلنـكـلـيـزيـة أو الـهـوسـا، بينها «قصة حب في بكني»، و«هيا الال هيا»، و«نشيد الفرح»، و«ال شيء سوى ثالثني». وأثــــــــار «ال شـــــيء ســـــوى ثــــالثــــني» نـــقـــاشـــات ســاخــنــة فـــي الــصــني عــــام 2020 حــــول وضــع املـــــرأة فـــي املـجـتـمـع املــعــاصــر. إذ تـجـسـد كل بطلة من بطالت العمل الثالث أسلوب حياة مختلفًا، فيواجهن صعوبات فـي رحالتهن الخاصة، مثل الخيانة الزوجية والعالقات الرومانسية املعقدة والصراعات بني األسرة والــــعــــمــــل. وســـجـــلـــت الـــســـلـــســـلـــة 2.7 مــلــيــار مـشـاهـدة فــي الــصــني، وطــرحــت عـلـى منصة نتفليكس، ونـالـت إقـبـاال مـن املشاهدين في كوريا الجنوبية، حيث أصبح أسلوب أزياء املمثالت شائعًا بـني النساء الـكـوريـات. لكن في أفريقيا لم يحظ «ال شيء سوى ثالثني» بذات شعبية «العصر الجميل لزوجة االبن». وبـــحـــســـب الـــخـــبـــيـــر فــــي الــــتــــرويــــج ملــنــتــجــات
مسلسالت الكونغ فو من األكثر شعبية لدى الجمهور األفريقي التلفزيون واألفالم في أفريقيا، تشانغ تشنغ، فإن الحياة املمثلة في املسلسل ال عالقة لها بالحياة اليومية للمرأة األفريقية والعائالت، لـــذلـــك فــشــل فـــي خــلــق قـــواســـم مــشــتــركــة بني الــهــويــات الثقافية املختلفة، بحسب مجلة «جون أفريك» التي نشرت موضوعًا موسعًا عــن الـــدرامـــا الصينية فــي أفـريـقـيـا. صحيح أن اإلنـتـاجـات األفريقية الـتـي تضم ممثلني محليني تـلـقـى صــــدى أكــبــر عـنـد الجماهير األفـــريـــقـــيـــة، لـــكـــن هـــــذه اإلنــــتــــاجــــات تـعـوقـهـا عــوامــل عـــدة. ويـعـانـي اإلنــتــاج األفــريــقــي في هذه الدول من انخفاض عدد األعمال، وغياب أطقم التصوير املحترفة، والتكلفة املرتفعة، وعملية اإلنتاج الطويلة. وفـي روانــدا مثال، يـــوجـــد طـــاقـــم تــصــويــر واحـــــد فـــقـــط، بــإنــتــاج ســـنـــوي مـــن 4 إلــــى 5 مــســلــســالت فـــقـــط، وكــل منها يتكون مـن 11 حلقة مدتها 45 دقيقة فقط، ويبلغ سعر املسلسل التلفزيوني في روانـــــدا ألــفــي دوالر للحلقة، وهـــو مــا يثبط عزيمة العاملني في التلفزيون. وعندما ال يتمكن العرض املحلي من تلبية احـتـيـاجـات الـسـكـان، يصبح تقديم األعـمـال الدولية بديال واضحًا في البلدان األفريقية. هكذا دخلت املسلسالت األوروبية واألميركية والــفــيــلــيــبــيــنــيــة والـــهـــنـــديـــة والــبــاكــســتــانــيــة والــيــابــانــيــة والــبــرازيــلــيــة الــســوق األفـريـقـيـة، لــتــشــكــل مـــشـــهـــدًا ثـــقـــافـــيـــًا مـــتـــنـــوعـــًا لــلــغــايــة، وهـــو مــا شـكـل فـرصـة لـإنـتـاج الـصـيـنـي. في الــبــلــدان األفــريــقــيــة. هــكــذا دخــلــت املسلسالت األوروبية واألميركية والفيليبينية والهندية والباكستانية واليابانية والبرازيلية السوق األفـــريـــقـــيـــة، لـتـشـكـل مــشــهــدًا ثــقــافــيــًا مـتـنـوعـًا للغاية، وهو ما شكل فرصة لإنتاج الصيني.