Al Araby Al Jadeed

السويد... «حرية تعبير» بسقف

- ناصر السهلي

ال جدال حول أن سقف الحريات، وفي مقدمتها «حرية الرأي والتعبير»، في السويد والدنمارك، وبقية دول الشمال األوروبي، مرتفع للغاية، بحسب تصنيفات أوروبية ودولية. مع ذلك، وحني يتسبب شخص مأزوم، مثل مؤسس حزب «تشديد االتجاه»، راسموس بالودان، مزدوج الجنسية، السويدية الدنماركية، بإثارة ضجة بتصرفاته التي تستهدف حرق نسخ من القرآن، يهرع ساسة وصحافيون ونخب مثقفة إلى موقف يعارض «املمارسات املشينة واملخجلة»، كما وصفها وزير الخارجية الدنماركي، ورئيس حكومتها السابق، الرس لوكا راسموسن. األزمة األخيرة التي أشعلها بالودان أمام سفارة أنقرة في العاصمة السويدية استوكهولم، هي أيضًا أكبر من مجرد «حرية تعبير عن الرأي». فالرجل (محام، ومحكوم سابق بالعنصرية) يعشق اإلثارة (الشو) اإلعالمية، بطريقة تثير بالفعل اشمئزازًا اسكندنافيًا، وترجم ذلك أخيرًا بالعديد من املواقف الداعية إلى عدم منح أمثاله في اليمني القومي املتطرف فرصة «تعزيز النرجسية». بنفسه، قال بالودان حرفيًا لصحيفة «بوليتيكن» الدنماركية: «هذا ما أريده (الضجيج اإلعالمي)، إلظهار استحالة التعايش بني املسلمني ومجتمعاتنا». إذ برر حرق نسخة من القرآن كـ«احتجاج» على موقف تركيا املعارض لتعليق دمية مشنوقة لرئيسها، رجب طيب أردوغان، باعتباره «حرية تعبير». وهو ما يصب في مصلحة األخير االنتخابية. لعل الساسة في أقصى الشمال األوروبي يدركون مع الوقت أن ازدواجية معايير حرية التعبير تؤسس ألحد أهم محركات االنقسام في مجتمعاتهم. فمقابل «قداسة» حرية الرأي والتعبير إذا تعلق األمر باألصول املهاجرة، ترتكب حماقات كثيرة، في سياق أوروبي غربي، حني يحتج مواطنون على دولة االحتالل اإلسرائيلي. ليس فقط تحت طائلة تهمة «معاداة السامية»، بل الويل ملن يقترب من سفارات االحتالل ويحرق علمه. فالتدفقات األمنية، املدججة بالسالح، تقيم دائرة على بعد مئات األمتار منها، مطاردة من يرفع راية «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطني»، على سبيل املثال، وتعتقل بشكل عنيف من يحاول حرق علم االحتالل. في نهاية املطاف، بالودان ال يتصرف من منطلق نقد تصرفات بعض املسلمني، بل يظهر تطرفًا يستهدف ديانة بأكملها، وأتباعها ممن يفترض أنهم تحت ذات سقف املواطنة والحريات، األوسع من مجرد شراء نسخة من القرآن وحرقها. وفي ذلك يكمن خطره.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar