Al Araby Al Jadeed

مرور الكرام

مصر الناعمة في موالد الترفيه

- وائل قنديل

انطلق معرض القاهرة الدولي للكتاب أمس الخميس، مستقبال ناشرين وكتابًا من العالم كله، إذ تشارك فيه 53 دولة من بينها السعودية. تخيل معي لو أن األمن املصري اعتقل ناشرًا سعوديًا ووضعه في السجن، ورفض اإلفصاح عن أسباب وظروف اعتقاله، وامتنع عن الرد على استفسارات ومطالبات عديدة بالكشف عن مصيره. ماذا سيكون رد السلطات السعودية، وكيف ستكون مواقف الكتاب والناشرين السعوديني املشاركني في املعرض؟ أغلب الظن أنه لو لم تظهر السلطات املصرية اهتمامًا واحترامًا للمطالبات الرسمية بتوضيح األسباب التي دفعت العتقال الناشر القادم من السعودية، واالتهامات املوجهة له فإنه ربما يقرر الكتاب والناشرون السعوديون االنسحاب من املعرض، والضغط عبر كل األدوات والوسائل إلنقاذ زميلهم املعتقل من املصير املجهول. هذا هو التصرف الطبيعي من أي دولة تواجه املوقف ذاته. ملاذا أسوق هذه االفتراضات وأستخدم السعودية مثاال؟ بإيجاز شديد ألن هذا املوقف حدث بالفعل، وال يزال مستمرًا مع عكس أطراف املعادلة، إذ ال يزال ناشر مصري شاب معتقال في السعودية، منذ سافر إليها في نهاية سبتمبر/أيلول من العام املاضي ممثال إلحدى دور النشر املصرية. قصة اعتقال الناشر املصري أحمد ضيوف خالل تواجده ضيفًا رسميًا على معرض الكتاب في الرياض كما تكشف عنها شهادات أصدقائه على مواقع التواصل االجتماعي، تتحدث عن شاب مجتهد، مؤسس لواحدة من أنجح دور النشر في مصر، ال يحب السياسة وال ينتمي لحزب. نهاية سبتمبر ،2022 سافر للمشاركة في معرض الرياض الدولي للكتاب، ممثال عن دار نشر مصرية وعن دولة مصر. وفي 8 أكتوبر/تشرين األول، آخر أيام املعرض، دخل أحد أفراد األمن السعودي جناح كتوبيا وطلب من أحمد ضيوف الذهاب معه خمس دقائق فقط ألمر ما، ومنذ ذلك الوقت لم يظهر الناشر. ملاذا جرى اعتقاله؟ يروي أصدقاؤه وزمالؤه أنه بعد تعب وبحث، وبشكل غير رسمي، اتضح أن وراء القبض عليه وإخفائه تغريدة قديمة على حسابه في «تويتر» منذ عام 2018 ال تحمل رأيًا أو تعليقًا بل هي إعادة نشر تغريدة من موقع صحيفة «واشنطن بوست» عن جريمة اغتيال جمال خاشقجي. ماذا فعلت الجهات املصرية املسؤولة؟ بعد عشرات الخطابات لوسائل اإلعالم والقنصلية والسفارة املصرية والوزارات املعنية، تأكد خبر اعتقاله، لكن هذه الجهات طلبت من أهله وأصدقائه عدم الكالم حتى تسير األمور بشكل قانوني. ومر أسبوع وأسابيع وشهر وشهور، من دون معلومة واحدة عنه، وبمرور الوقت تراجع االهتمام باملوضوع، من قبل الجهات التي من املفترض أنها مسؤولة عن متابعة هكذا حاالت. هذا متوقع من هذه الجهات في مرحلة شديدة البؤس والضحالة للدولة املصرية، غير أن ما يثير األسى أكثر هو موقف تلك التي تسمى «القوى الناعمة» التي تضم أطيافًا من الفنانني واملثقفني يحجون إلى الرياض كل شهر في مواسم الترفيه. في أزمنة ليست بعيدة كانت ما تسمى «القوة الناعمة» تحاول قدر طاقتها أن تنتصر لكرامة املبدع وحريته إن مسهما أحد بسوء، وتشكل قوة ضغط معنوية وأخالقية على السلطة حني تتهاون وتتخاذل وتتواطأ ضد أدبائها وفنانيها. في مصر اتحاد للكتاب واتحاد للناشرين ووزارة ثقافة ووزارة خارجية، وهناك كذلك ناشر مصري مخطوف ومعتقل في دولة شقيقة، وهناك قبل كل ذلك صمت عاجز وعجز صامت وضمير أخرس ال يقوى على إصدار بيان أو تنظيم وقفة للمطالبة بحرية وكرامة مثقف شاب.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar