Al Araby Al Jadeed

مؤسسة الجابري... المغرب إلى أين؟

- عائشة بلحاج

كـأنـك تـقـف على جـبـل ال تــرى مــن تـحـتـه، وال مـن هـو على قـمـتـه. أنـــت سـحـابـة بني السحاب، حقيقة ال مجازًا، حني تشعر بخفة بعد تحقق حلم عزيز. بل ألنك صعدت

‪ُّ ّّ‬ هذا الجبل الصعبة تضاريسه، الحادة صخوره، من أجل أن تصل إلى شيء ال بد منه. وليس ألنك متسلق جبال، وال محب للمشي بني الجبال والغابات. هكذا يشعر من يكترث بوضع البالد في املغرب. ال أحد يعرف مكانه بني بداية الجبل ونهايته، وال ما بعد كل خطوة يخطوها. وال يعرف من وصـل إلـى القمة، رغـم أنـه واثــق من شيء واحد، أنه من الذين يحاولون الصعود، والذين لم يعودوا يعرفون خريطة البالد السياسية، وال موقع كل طرف فيها. في األسبوع املاضي، طرحت مؤسسة محمد عابد الجابري، (تأسست عام ،)2011 أسئلة شائكة ملحاولة توضيح الخريطة، على أسماء فاعلة، لها رؤية وتصور وتأثير، وما يكفي من الشجاعة للتصدي ملشكالت يهرب منها اآلخـــرون هروبهم من الـوبـاء. هـذه األسـمـاء وبعد سلسلة من الـنـدوات، التأمت في لقاء ختامي من أجل البحث عن مخرجات ألطروحات، تساعد على فهم القادم من األيام. في املحور السياسي، وصفت املرحلة الحالية بـ«األمنية»، من خالل بروز قوة جهاز األمن على أكثر من صعيد، حتى صار املسؤول عن الجهاز األمني، شخصية عمومية حاضرة في اإلعالم، وعلى الجبهات الرئيسية للبالد في الداخل والخارج. كما أن املواجهة الصدامية العنيفة للسلطة مع األصوات املعارضة دليل آخر على سبل التعامل األمني البعيد عن منطق احترام الحريات والحقوق، والنائي عن الديمقراطي­ة املأسوف على شبابها. مثل ما شهدناه مع الصحفيني الذين حكموا بتهم غير مسنودة بأدلة قوية. ومـا زالــوا يقضون سنوات تلو أخــرى، من دون أي بوادر انفراج بمناسبة أي عذر يتيح إغالق هذا امللف. إذن، أين يتجه املغرب في األيـام الضبابية هذه؟ تصعب اإلجابة عن هذا السؤال، رغم كل ما سبق، لكن مقابل ذلك طرح األكاديمي والوجه اليساري البارز، محمد الساسي، سؤاال: مع من سنتحاور لنعرف وجهة القطار؟ إذا كنا ال نعرف الطرف الذي يوجد على جهة السلطة، مع تعدد األجهزة التي نسمع عن صراعاتها فقط. وما من جهة بينها تبحث عن االنفراج واالنفتاح على األحــزاب، التي ما زالت في املعارضة، أما األحزاب األخرى فقد تم طيها تحت إبط السلطة منذ فترة. ولهذا ما من حل في األفق سوى انتظار أزمة قوية، تعصف بالوضع الحالي، وتعيد ترتيب املشهد مــّرة أخــرى، لتعود السياسة في املغرب إلـى الحياة، وتعود لها الدينامية املفقودة. وجهة نظر الساسي واقعية في تشاؤمها، لكن إذا تعلمنا من العقود املاضية شيئا، فهو أن التغير ال يمكن التكهن بمنبعه وال بمصيره. وأسهمت أصــــوات أخـــرى فــي تحليل الــواقــع املـحـبـط، حيث أجمعت على أن املشهد خانق، والحلول غير واضحة، وال أمل في األفق. اجتماعيًا، كـان املتحدثون أكثر تشاؤمًا مما ظننا، ألنهم على عكس السياسيني يتكلمون باألرقام، واألرقام تصف بدقة ما يحدث والقادم من األشياء. وبدال من أن تكون الدولة من يمول الشعب، صار الشعب يمول الدولة. وما الزيادات في السنوات األخيرة في أسعار الغاز والنفط إال وسيلة مللء خزينة الدولة، التي كادت تغلي وتخلو من املال الذي مثل الزيت والغاز نفسه، ال حركة على األرض من دونه. الـخـالصـة هـي سيطرة اقـتـصـاد الـريـع الـــذي تستفيد منه طبقة مرتبطة بالسلطة ودواليبها، وازديـــاد النفوذ االقتصادي األجنبي. والفاعلون في االقتصاد في دار أخرى غير التي تقيم فيها، فالبنوك ال تساهم في التنمية، بل تفضل استغالل الودائع لتمويل قطاعاٍت غير منتجة، تخدم القلة من أصحاب املال. كما أن كثيرين من هؤالء توجهوا إلى االستثمار في وسائل النقل الخاص، عندما رفعت الدولة يدها عن ذلك القطاع، بينما هناك حاجة ماسة لدعم شبكة النقل العمومي وتوسعتها لتتنفس املـــدن. آخــر نقطة هـي االعتماد الكبير للسياسات الحكومية على عـوامـل الطقس، لتسجيل سنة اقتصادية جيدة. وما من نقطة تفيض الكأس الذي يسيح منذ فترة طويلة، وزلقنا فيه حتى صـار االنـــزال­ق أسلوب حياة، فيما لم نعرف بعد إلـى أين يتوجه بكأسه الفائضة، وبنا معشر املنزلقني.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar