مدينة في األردن أم ديون جديدة؟
«كـــل مـــر سـيـمـر» بـالـتـأكـيـد، وكــذلــك الـحـال مـــع مـــشـــروع املــديــنــة الـــجـــديـــدة فـــي األردن سيمر كغيره من املشاريع التي لم يعرف األردنيون ملاذا ومتى اقترحت، وملاذا بوشر فــيــهــا، وملــــــاذا فـــي حـــــاالت كــثــيــرة تــعــثــرت، بعضها مـا زال يـزحـف وأخـــرى ذهـبـت في طـي النسيان. ليس مهما حجم التشكيك بـــهـــذا املــــشــــروع، ومـــــدى إمــكــانــيــة تـنـفـيـذه، وحجم الـديـون التي ستضيفها الحكومة الحالية «صاحبة الفكرة العبقرية كما يبدو ظـاهـرا» على عاتق امليزانية، وعلى عاتق موازنات الحكومات املقبلة التي ستتحمل وزرهــا، كما هو معتاد من ترحيل امللفات الساخنة واملشاريع الطموحة املتعثرة، أو إذا كنا أكثر تفاؤال املشاريع بطيئة التنفيذ حــد الــيــأس، ســنــوات طـويـلـة، حـكـومـة بعد حكومة، عقدا بعد عقد، واعتدنا تمرير املر جيا بعد جيل. الـسـؤال األهــم الــذي يـحـرك النقاش بشكل مــكــثــف: هـــل األردن بـــحـــاجـــة فــعــا ملـديـنـة جــــديــــدة أو عـــاصـــمـــة إداريــــــــة جــــديــــدة؟ أو بــاألحــرى هــل هــو بـحـاجـة إلـــى مـديـنـة في املكان املقترح بالتحديد، شماال وبن مدن مـكـتـظـة ســكــانــيــا، الــعــاصــمــة الــحــالــيــة من جهتها الشرقية املكتظة، الــزرقــاء املدينة الـصـنـاعـيـة الــتــجــاريــة املـثـقـلـة بـــاالزدحـــام واإلشـــكـــاالت اإلقـتـصـاديـة، ومخيم حطن لاجئن الفلسطينين من أكثر املخيمات ازدحـــــــامـــــــا ومـــــعـــــانـــــاة بـــمـــشـــكـــات الـــفـــقـــر والــبــطــالــة، وكــذلــك املـشـكـات اإلجتماعية الــســيــاســيــة الـــتـــي تـــعـــانـــي مــنــهــا مـخـتـلـف محافظات اململكة بنسب وأشكال مختلفة. عـــلـــى ذمــــــــة وزيــــــــر اإلســــتــــثــــمــــار األردنـــــــــي، خـيـري عـمـرو، أن «املـديـنـة ستكون مدينة إداريـــة جـديـدة مـتـطـورة، وليست عاصمة جديدة، في موقع مقترح شرقي العاصمة عــمــان، ويـتـخـذ شـكـل مثلث ضـخـم، يربط الـعـاصـمـة الــحــالــيــة مــع مـديـنـة الـــزرقـــاء»، عــلــمــا أنـــهـــمـــا تــقــريــبــا مــتــصــلــتــان نـتـيـجـة االمــتــداد الـعـمـرانـي فـي املـسـاحـة الفاصلة بينهما من جهة أخــرى. والـزرقـاء كما هو معروف ثاني أكبر املدن األردنية من حيث السكان ويتنوع الشكل الديموغرافي فيها من مواطنن أصولهم تعود إلـى مختلف محافظات اململكة ومدن فلسطن املحتلة، إضـافـة إلــى احـتـوائـهـا هـي األخـــرى ملخيم لـاجـئـن الفلسطينين. كـانـت املطالبات مرارا وتكرارا بالتوجه جنوبا، فلماذا من حـيـث املــبــدأ استبعد هـــذا الـخـيـار لتنفيذ خـطـط الـتـنـمـيـة فـــي هـــذا االتـــجـــاه، إن كـان فعا مـشـروعـا تنمويا حقيقيا. وبالرغم مــن أنــهــا تــحــديــات تــواجــه جـمـيـع مناطق اململكة، إال أن نسب الفقر والـبـطـالـة هي العليا جنوبا، واملساحات شاسعة خالية من السكان لصالح مدن الشمال الرئيسية الـــتـــي تـــعـــانـــي مــــن كـــثـــافـــة ســكــانــيــة عـالـيـة قياسا مع مدن الجنوب. ولنكون واقعين، حتى مدن الشمال ال تعاني من أزمة سكن وازدحام إلى درجة املغامرة ببدء مشروع بالغ التكلفة بهذا الشكل، ففي العاصمة عمان مثا ركـود واضـح في شـراء العقار، وهـــنـــاك مــشــاريــع اإلســــكــــان الـــفـــارغـــه، بل ومساحاٍت وأراٍض خالية أيضا. وفـــقـــا لـلـتـخـطـيـط الـــعـــمـــرانـــي، تــنــشــأ املـــدن تـــدريـــجـــيـــا وألســــــبــــــاب طـــبـــيـــعـــيـــة ال دخـــل لـلـتـخـطـيـط بــهــا: كــمــكــان جـــغـــرافـــي، زيــــادة سكانية متعاقبة، تطور طبيعي كما حصل مع عمان نفسها، أو ألسباب استراتيجية اقـتـصـاديـة أو سياسية أو غـيـرهـا، وهنا مثار الجدل بل مصدر التخوف. ففي حال كان املشروع بريئا سياسيا كليا، أو ليس نـقـا عــن تـجـربـة عـربـيـة أخـــرى كـمـا صـرح رئيس الحكومة، بل فكرة أردنية تعود إلى العام ،2017 وليس وراء ه شبح محاصصة أو تسوية ما، أو تغول رأس املال الخاص لفئة متنفذة دون غيرها، أو تنفيعات هنا أو هناك، ال بد ألن تساق مبررات اقتراحه وتنفيذه واضحة شفافة وحقيقية، تقنع املـــواطـــن األردنــــــي أن مـــبـــرر الــحــكــومــة هو صالح املواطنن واألجيال املتعاقبة فعا، وليس عبئا أو دينا جـديـدا تورثهم إيـاه ليتجّرعوا مـّر عواقبه، وال يحصلوا على ثماره، بل يرتهنوا له سياسيا واقتصاديا إلى ما شاء الله، وال يكون لهم قدرة على عاجه أو الخاص منه.