Al Araby Al Jadeed

الصراع على دول الساحل األفريقي

- سمير حمدي

إلى متى تظّل الدول األفريقية مجرد ساحة لصراع القوى الكبرى وضحية ألنظمة عسكرية طائشة؟

إثر قمة عقدت في شهر فبراير/ شباط 2014 في نواكشوط، جمعت رؤساء بوركينا فاسو ومــالــي وتــشــاد والـنـيـجـ­ر ومــوريــت­ــانــيــا، تم اإلعان عن تأسيس مجموعة دول الساحل الخمس. وكان واضحا أن هذا التحالف قد نشأ بإيحاء فرنسي، واستجابة للفوضى الـتـي شهدتها بعض دول املجموعة التي كـانـت تعاني مـن تهديد جماعات مسلحة قوية، بعضها إسامي النزعة. وقد اضطرت فـــرنـــس­ـــا إلـــــى الـــتـــد­خـــل بـــكـــل ثــقــلــه­ــا إلبـــعـــ­اد خــطــرهــ­ا، خـصـوصـا فــي شــمــال مــالــي سنة .2012 ولم تخف دول املجموعة من البداية أن الهدف من تحالفها، باإلضافة إلى التنمية االقتصادية املشتركة، هو مواجهة تهديد الـجـمـاعـ­ات املسلحة الناشطة فــي املنطقة. غـيـر أن مـــا جـــرى الحــقــا هـــو بـــدايـــ­ة انــفــراط عقد هـــذه املـجـمـوع­ـة، مــا يـعـود أســاســا إلى تراجع النفوذ الفرنسي املسيطر على هذه الــــدول، باعتبارها منطقة هيمنة فرنسية تقليدية، ودخــول أطــراف جديدة في ساحة الصراع عليها، وتحديدا روسيا والواليات املتحدة، فبعد االنقاب العسكري في مالي ســـنـــة ،2021 أعـــلـــن­ـــت األخــــيـ­ـــرة انـسـحـابـ­هـا مــــن عــضــويــ­ة املـــجـــ­مـــوعـــة، واتــــخــ­ــذت الحــقــا سلسلة من الخطوات، لابتعاد عن الحليف الـفـرنـسـ­ي، والـتـوجـه نحو الــطــرف الـروسـي الـــــذي كــــان جـــاهـــز­ا ملــــلء الــــفـــ­ـراغ الـــــذي تـركـه الفرنسيون عبر اإلمــــدا­د بـالـسـاح، وإنـفـاذ عناصر منظمة فاغنر إلى مالي، لتلعب دورا أمنيا هناك، بطريقة مشابهة ملا فعلته مع خليفة حفتر في ليبيا. وما زاد في إضعاف النفوذ الفرنسي مقتل حليفها الرئيسي في تشاد، إدريس ديبي، سنة ،2020 ثم االنقاب العسكري في بوركينا فاسو سنة .2022 مـــن الــــواضـ­ـــح أن روســـيـــ­ا الــتــقــ­طــت فــرصــة الـــتـــر­اجـــع الــفــرنـ­ـســي لـــتـــحـ­ــاول الـــتـــم­ـــدد في مــنــاطــ­ق شــمــال أفــريــقـ­ـيــا وغـــربـــ­هـــا، فـــي ظل تصاعد الصراع االستراتيج­ي بينها وبن الواليات املتحدة. وفي هذا السياق، يمكن فــهــم األخـــبــ­ـار عـــن الـــزيـــ­ارة املــرتــق­ــبــة لــوزيــر الـــخـــا­رجـــيـــة الـــــروس­ـــــي، ســـيـــرغ­ـــي الفــــــر­وف، موريتانيا، والتي تمثل حلقة مهمة ضمن مجموعة دول الـسـاحـل، واألهــــم أنـهـا ذات موقع استراتيجي كفيل بإيجاد حالة من اإلربــاك لقوات الحلف األطلسي، املتمركزة فـي جـزر كـنـاري. كانت السياسة الروسية واضـحـة فـي تعاملها مـع الـــدول األفريقية من جهة أنها ال تناقش املسائل الداخلية أو قضايا الديمقراطي­ة كما تفعل القوى الغربية التي قد توجه بعض اللوم الخجول لحلفائها. أما روسيا فإنها تتجه مباشرة نـحـو الـــدعـــ­م الـعـسـكـر­ي واألمـــنـ­ــي لألنظمة الـــتـــي تــتــعــا­مــل مــعــهــا فــــي مـــقـــاب­ـــل تـحـقـيـق مكاسب إستراتيجية في إطـار مواجهتها دول حــلــف األطـــلــ­ـســـي. وفــــي هــــذا الــســيــ­اق، وقــعــت مـوريـتـان­ـيـا، رغـــم عاقتها الوثيقة والـتـقـلـ­يـديـة مــع فـرنـسـا، اتـفـاقـيـ­ة للتعاون العسكري مع موسكو في يونيو/ حزيران ،2021 وســتــكــ­ون زيـــــارة الفـــــرو­ف مـنـاسـبـة ملــــزيــ­ــد تـــعـــمـ­ــيـــق الــــعـــ­ـاقــــات بـــــن الـــطـــر­فـــن، وتــــعـــ­ـزيــــز الــــتـــ­ـعــــاون األمـــــن­ـــــي والـــعـــ­ســـكـــري بينهما، بما يخدم الطرفن، حيث تحاول روسيا التمدد في هذا البلد االستراتيج­ي الذي يمثل همزة وصل بن منطقة املغرب العربي ومناطق غرب أفريقيا. مع العلم أن فرنسا كـانـت قـد أخـلـت بتعهداتها املالية والعسكرية تجاه مجموعة دول الساحل في مقابل االستعداد الروسي لتزويد حلفائها الـجـدد باألسلحة وبــشــروط مـرنـة. غير أن هذا التمدد الروسي تقابله يقظة أميركية واضحة، وهي التي تحاول تحجيم النفوذ الروسي ومحاصرته في الــدول األفريقية. ولـــهـــذ­ا تـــاحـــظ حـــركـــة الــــوالي­ــــات املــتــحـ­ـدة الـــســـر­يـــعـــة مــــن أجـــــل اجــــتـــ­ـذاب مــوريــتـ­ـانــيــا للعمل ضـمـن أجـنـداتـه­ـا الـعـسـكـر­يـة، األمــر الذي تجلى في تكثيف الزيارات التي أدتها قــيــادات عسكرية أمـيـركـيـ­ة إلـــى نـواكـشـوط فــــي ظــــل حـــديـــث مـــتـــوا­تـــر عــــن رغـــبـــة حـلـف شمال األطلسي (الناتو) عن إقامة قاعدة عسكرية مركزية في موريتانيا، واألكيد أن األمـر ال يتعلق بمحاربة اإلرهــاب فحسب، كــمــا هـــو مــعــلــن، بـــل يــمــتــد إلــــى مــحــاصــ­رة

وجـــود عناصر فاغنر الـروسـيـة فـي مالي، وصوال إلى اجتثاثها من القارة األفريقية، أو عـلـى األقــــل هـــذا مــا يــرغــب فـيـه الـجـانـب األمـــيــ­ـركـــي. وكـــانـــ­ت الــــوالي­ــــات املـــتـــ­حـــدة قد استبقت خـطـوات الـجـانـب الــروســي. ليس الصراع االستراتيج­ي الروسي األميركي، والـــذي يتخذ مـن دول أفريقيا سـاحـة له، مفاجئا فـي ظـل تـراجـع النفوذ الفرنسي، إثر خروجها العسكري من مالي وإنهائها عملية برخان في مقابل تصاعد الوجود الـــروســ­ـي الــتــي أصـبـحـت شـريـكـا رئيسيا للنظام العسكري في مالي، واقتربت كثيرا من النظام الجديد في بوركينا فاسو، األمر الذي دفع الواليات املتحدة نحو املسارعة إلــــى مــــلء الــــفـــ­ـراغ، بــمــا يـــذكـــر بـالـسـيـا­سـة األميركية في الخمسينيات، إثر انسحاب فــرنــســ­ا مـــن فـيـتـنـام بــعــد هـزيـمـتـه­ـا هـنـاك سنة ،1954 وتدخل الواليات املتحدة لتحل مـحـلـهـا. ويـبـقـى الـــســـؤ­ال دائـــمـــ­ا إلـــى متى تظل الدول األفريقية مجرد ساحة لصراع القوى الكبرى وضحية ألنظمة عسكرية طائشة ال تفكر في مصالح شعوبها بقدر مـــا تــحــرص عــلــى ربـــط الــتــحــ­الــفــات وعـقـد االتفاقيات من أجـل االستمرار في الحكم ليس أكثر.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar