Al Araby Al Jadeed

مودي يلوي ذراع «تويتر» و«يوتيوب»

تتواصل الحملة التي تشنها السلطات الهندية على فيلم وثائقي أنتجته «بي بي سي»، لتتورط فيها أخيرًا منصتا «تويتر» و«يوتيوب»، عبر امتثالهما لطلبات حكومة ناريندرا مودي

- العربي الجديد

بعد أيـــام مـن حظر الهند فيلمًا وثائقيًا مــن إنــتــاج «بـــي بــي ســـي»، يـدقـق فــي دور رئـــيـــس الــــــــ­ـوزراء نــــاريــ­ــنــــدرا مــــــودي خـــال أعـــــمــ­ـــال الـــشـــغ­ـــب املـــنـــ­اهـــضـــة لـلـمـسـلـ­مـن عــــام ،2002 أســـرعـــ­ت الــســلــ­طــات األربـــعـ­ــاء لــوقــف عــرضــه فــي الـكـلـيـا­ت والـجـامـع­ـات، وتــقــيــ­يــد نــشــر مــقــاطــ­ع مــنــه عــلــى وســائــل التواصل االجتماعي، في خطوة تعرضت النــتــقـ­ـادات، ووصــفــت بـأنـهـا اعـــتـــد­اء على حرية الصحافة. لــم تـبـث «بـــي بــي ســـي» الـفـيـلـم الـوثـائـق­ـي «الهند: سؤال مـودي»، املكون من جزءين في الهند، لكن الحكومة الفيدرالية هناك مـنـعـتـه خــــال نــهــايــ­ة األســــبـ­ـــوع املـــاضــ­ـي، كــمــا حـــظـــرت مـــشـــار­كـــة مــقــاطــ­ع مــنــه على وســـائـــ­ل الــتــواص­ــل االجــتــم­ــاعــي، اعــتــمــ­ادًا على سلطات الـــطـــو­ارئ، بموجب قوانن تكنولوجيا املعلومات. وامـتـثـل تطبيقا تويتر ويـوتـيـوب لطلب الـحـكـومـ­ة الـهـنـديـ­ة، وأزاال روابــــط الفيلم الــوثــائ­ــقــي. ذكــــر الـــجـــز­ء األول مـــن الفيلم الــوثــائ­ــقــي بــالــفــ­تــرة األكـــثــ­ـر إثـــــارة لـلـجـدل في مسيرة مـودي السياسية، عندما كان رئيسًا لوزراء والية غوجارات الغربية عام .2002 وركـــز على أعـمـال الشغب الدامية املــعــاد­يــة للمسلمن الــتــي راح ضحيتها أكثر من ألف شخص. األســــبـ­ـــوع املــــاضـ­ـــي، وصـــفـــت الــخــارج­ــيــة الــهــنــ­ديــة الـفـيـلـم الــوثــائ­ــقــي بــأنــه «دعــايــة تهدف إلى الترويج لرواية مشوهة تفتقر إلـى املوضوعية»، كما انتقدت «التحيز» و«العقلية االستعماري­ة املستمرة». وندد كـــبـــيـ­ــر املـــســـ­تـــشـــار­يـــن فــــي وزارة اإلعــــــ­ام واإلذاعـــ­ــــــة الـــحـــك­ـــومـــيـ­ــة، كـــانـــش­ـــان غــوبــتــ­ا، بـالـفـيـل­ـم، ووصـــفـــ­ه بــأنــه «قــمــامــ­ة مـعـاديـة لـلـهـنـد». وقــــال إن «تــويــتــ­ر» و«يــوتــيــ­وب» تلقتا أوامــــر بحظر روابــــط الـفـيـلـم، وأكــد أنهما «امتثلتا للتوجيهات». وقــالــت «بـــي بــي ســـي»، فــي مـعـرض ردهــا فـــي بـــيـــان، إن الــفــيــ­لــم الــوثــائ­ــقــي «خـضـع لـبـحـث دقـــيـــق» وشــمــل مـجـمـوعـة واســعــة من األصــوات واآلراء. وأضـافـت: «عرضنا على الحكومة الهندية الحق في الرد على املسائل التي أثيرت في الفيلم الوثائقي، لكنها رفضت». ومـا أثــار قلقًا أكبر وسـط هـذا االستنفار عـــلـــى الـــفـــي­ـــلـــم الــــوثــ­ــائــــقـ­ـــي هـــــو الــتــنــ­ســيــق بــــن الـــحـــك­ـــومـــة الـــهـــن­ـــديـــة وبــــــن عــمــالــ­قــة الــــتـــ­ـكــــنـــ­ـولــــوجـ­ـــيــــا، وتـــــحــ­ـــديـــــ­دًا «تــــويـــ­ـتــــر» و«يـــــوتــ­ـــيـــــو­ب». وفـــــي هـــــذا الــــســـ­ـيــــاق، قـــال الـصـحـافـ­ي الــهــنــ­دي، رقـيـب حـمـدي نـايـك، ملوقع ذي إنترسبت اإلخــبــا­ري، األربـعـاء: «وجــــــهـ­ـــــت الــــحـــ­ـكــــومــ­ــة الــــهـــ­ـنــــديــ­ــة مـــئـــات الطلبات إلـى منصات مختلفة للتواصل االجتماعي، وتـحـديـدًا يوتيوب وتويتر، لحذف املنشورات التي تتضمن مقتطفات مـــــن الـــفـــي­ـــلـــم الــــوثــ­ــائــــقـ­ـــي أو روابــــــ­ـــط لـــــه». وأضاف: «من املعيب أن الشركتن امتثلتا ملـــطـــا­لـــب الـــســـل­ـــطـــات وأزالـــــ­تـــــا الـــكـــث­ـــيـــر مـن املشاركات ومقاطع الفيديو». وأشـار إلى أن «الفيلم الوثائقي أثـار قلق مـودي ألنه يواصل التهرب من املساءلة عن تواطؤه فـــي أعـــمـــا­ل الـــعـــن­ـــف. إنــــه يــــرى فـــي الـفـيـلـم الوثائقي تهديدًا لصورته دوليًا، وقد شن حملة غير مسبوقة ضده في الهند». هذا النوع من الرقابة الذي يتضمن تعتيمًا على جـرائـم ضـد اإلنسانية ارتكبها زعيم ســـيـــاس­ـــي أجـــنـــب­ـــي تـــثـــيـ­ــر مـــــخـــ­ــاوف بـــشـــأن ممارسات «تويتر»، ال سيما في ظل إدارتها الـــجـــد­يـــدة، إذ اســتــحــ­وذ عـلـيـهـا املــلــيـ­ـارديــر إيــــلـــ­ـون مــــاســـ­ـك، نـــهـــاي­ـــة أكــــتـــ­ـوبــــر/ تــشــريــ­ن األول املــــاضـ­ـــي، مـــقـــاب­ـــل 44 مـــلـــيـ­ــار دوالر. ردد مـاسـك، املـالـك أيـضـًا لشركتي سبيس إكس وتسا، مزاعمه بأنه «مؤيد باملطلق لحرية التعبير». أحدثت هذه النقطة جدال واسعًا، وتمحورت حول إمكانية استغال هــــذا الـــتـــو­جـــه فـــي مــنــح مــنــبــر لـلـمـتـطـ­رفـن

والعنصرين وغيرهم. وبينما عبر ماسك عــن فــخــرة بـالـتـصـد­ي للقمع الـــذي واجـهـه املـــحـــ­افـــظـــو­ن فــــي الـــــوال­يـــــات املـــتـــ­حـــدة عـلـى منصات التواصل االجتماعي، وهـو األمر الذي وصفه بأنه ليس أقل من «معركة من أجـل مستقبل الحضارة»، يبدو أنـه يفشل فــــي تـــحـــد أكـــثـــر خـــــطـــ­ــورة، وهـــــو الــتــصــ­دي لطلبات القمع من الحكومات األجنبية. مــاســك حــــاول طـبـعـًا تـبـريـر املــوقــف الــذي اتخذته «تويتر» إزاء الفيلم الوثائقي في الهند، إذ غـرد: «ال يمكنني إصاح كل ما يتعلق بتويتر، في أنحاء العالم كافة، بن عشية وضحاها، وسط انهماكي بتشغيل تسا وسبيس إكس وغيرهما». أمـــــا املـــتـــ­حـــدث بـــاســـم «يــــوتـــ­ـيــــوب»، جـــاك مالون، فقال لـــ«ذي إنترسبت» إن روابـط الفيلم الوثائقي حذفت من املنصة بسبب مطالب من «بي بي سي» تتعلق بحقوق الطبع والنشر. لكنه رفـض التعليق على الطلبات التي قدمتها الحكومة الهندية.

فـــي مـــواجـــ­هـــة هــــذه الـــرقـــ­ابـــة عــلــى الـفـيـلـم الوثائقي، نشر عضوا البرملان الهندي من حزب ترينامول املعارض، ماهوا مويترا وديـــريــ­ـك أوبـــرايـ­ــن، روابــــط لــه عـلـى شبكة اإلنـتـرنـ­ت. منشور مويترا ال يــزال متاحًا على «تويتر»، لكن رابــط الفيلم ال يعمل. أما منشور أوبراين فحذف كله. حــتــى أن «تـــويـــت­ـــر» مــنــعــت املـسـتـخـ­دمـن الهنود من االطاع على منشورين للممثل جـــون كــــوزاك عــن الفيلم الــوثــائ­ــقــي. وقــال كـــوزاك، لــــ«ذي إنترسبت» أيـضـًا: «تلقيت إشــعــاري­ــن يعلمانني بـأنـنـي مـمـنـوع في الهند». السينمائي األميركي ألـف كتابًا عــنــوانـ­ـه «مــــا يــمــكــن ومــــا ال يــمــكــن قــولــه» ‪Things That Can And Cannot Be Said‬ مع العاملة الهندية الشهيرة أرونـداتـي روي، وهي من أشد املنتقدات لحكومة مودي. مـارسـت حكومة الهند الضغط بانتظام عـلـى «تــويــتــ­ر»، فــي مـحـاولـة لـلـي ذراعــهــا. فـي مرحلة مــا، هـــددت الحكومة باعتقال مـــوظـــف­ـــي «تــــويـــ­ـتــــر» فـــــي الــــــبـ­ـــــاد، بــســبــب رفــضــهــ­م حــظــر الــحــســ­ابــات الــتــي يـديـرهـا منتقدون. قبل تولي ماسك زمــام األمــور، كان لدى «تويتر» معدل امتثال بنسبة 20 في املائة للطلبات الحكومية الهندية. لكنه حن استحوذ على الشركة، سرح نحو 90 فـي املـائـة مـن موظفيها فـي الهند، البالغ عـــددهـــ­م نــحــو 200 مـــوظـــف، وفـــقـــًا لـــــ«ذي إنترسبت». ويـبـدو حاليًا أنــه يتجه أكثر فأكثر نحو الخضوع للحكومة الهندية. قــــد يـــكـــون ســـبـــب الـــخـــض­ـــوع هــــو تــشــابــ­ك أعـــمـــا­ل مــاســك األخـــــر­ى. إذ لــديــه مصالح تجارية خاصة به في الهند، حيث تحاول شركته تسا الضغط من أجل إعفائها من الضرائب للدخول إلى السوق. في السياق نفسه، تعرضت شركة غوغل، املالكة ملنصة يوتيوب، لضغوط شديدة مــــن الـــحـــك­ـــومـــة الـــهـــن­ـــديـــة. تـــظـــهـ­ــر تــقــاريـ­ـر الــشــفــ­افــيــة الــعــامـ­ـة لـلـشـركـة أن الـحـكـومـ­ة الــهــنــ­ديــة وجــهــت أكــثــر مـــن 15 ألــــف طلب لحذف منشورات منذ عـام ،2011 مقارنة بأقل من 5 آالف طلب قدمتها أملانيا مثا ونــحــو 11 ألــــف طــلــب لـــلـــوا­ليـــات املـتـحـدة األميركية، في الفترة الزمنية نفسها. بــــن يـــنـــاي­ـــر/ كــــانـــ­ـون الـــثـــا­نـــي ويـــونـــ­يـــو/ حــزيــران مــن عــام ،2022 فـرضـت «غـوغـل» رقابة على 9 في املائة من املنشورات التي احتجت عليها الحكومة الهندية. إلى ذلك، لم تتوقف الحملة التي أطلقتها الحكومة الهندية على منصات الواصل االجتماعي، إذ قطعت جامعة جواهر الل نــهــرو فــي الـعـاصـمـ­ة نـيـودلـهـ­ي الـكـهـربـ­اء واإلنترنت عن الحرم الجامعي الثاثاء، قـــبـــل أن يـــعـــرض اتــــحـــ­ـاد الـــطـــل­ـــبـــة الــفــيــ­لــم الوثائقي، قائلة إن مـن شأنه أن يتسبب فـــي تــكــديــ­ر الــســلــ­م فــيــهــا. إال أن الــطــاب تمكنوا من مشاهدة الفيلم الوثائقي على األجهزة الخاصة بهم، بعد مشاركته على خدمات املراسلة مثل تليغرام وواتساب. وأثــار الفيلم الوثائقي قلقًا في جامعات هندية أخــرى أيضًا، إذ أطلقت السلطات فـــي جــامــعــ­ة حــيــدر أبـــــاد، جــنــوبــ­ي الـهـنـد، تحقيقًا، بعدما عرضت مجموعة طابية الــفــيــ­لــم الــوثــائ­ــقــي املـــحـــ­ظـــور. وفــــي واليـــة كـيـراال الجنوبية، نظم أعـضـاء مـن حزب مـــــــــ­ودي، بــــهــــ­اراتــــيـ­ـــا جــــانـــ­ـاتــــا، تـــظـــاه­ـــرات الثاثاء، بعد أن تحدت بعض املجموعات الـــطـــا­بـــيـــة املــنــتـ­ـســبــة ألحـــــــ­ـزاب ســيــاســ­يــة منافسة الحظر وعرضت الفيلم. يــــذكـــ­ـر أن الـــســـل­ـــطـــات الـــهـــن­ـــديـــة اعـــتـــم­ـــدت عملية ترهيب ممنهجة بحق الصحافين املحلين الذين ينقلون جانبًا من الفظائع واالنتهاكا­ت التي تستهدف املسلمن في الــبــاد. إذ حــظــرت قــنــوات تمنح مساحة لــلــمــس­ــلــمــن لــلــتــع­ــبــيــر عـــــن الـــقـــم­ـــع الـــــذي يـــتـــعـ­ــرضـــون لــــــه، والحــــقـ­ـــت الــصــحــ­افــيــن املــســلـ­ـمــن الــــذيــ­ــن يـــغـــطـ­ــون انــتــهــ­اكــاتــهـ­ـا، وسعت إلى تقييد حساباتهم على مواقع التواصل االجتماعي.

 ?? (أبيشيك تشينابا/ )Getty ?? الفيلم يدقق في دور مودي خالل أعمال الشغب المناهضة للمسلمين عام 2002
(أبيشيك تشينابا/ )Getty الفيلم يدقق في دور مودي خالل أعمال الشغب المناهضة للمسلمين عام 2002

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar