Al Araby Al Jadeed

وهج السياسة

- ممدوح عزام

حني نال الكاتب الروسي بوريس باسترناك «جائزة نوبل لألدب» عام ،1958 عن روايته «دكتور جيفاكو». قالت إحدى املجالت السوفييتية املشهورة آنـــذاك، وهــي «العالم الـجـديـد»، إن باسترناك قـد ألحق عـارًا باملهنة املحترمة للكاتب السوفييتي، ولم توضح إن كان قد فعل ذلك في روايته، أم بسبب حصوله على الجائزة، بينما طالب أحد اجتماعات الكتاب الحكومة بتجريد الكاتب من الجنسية السوفييتية، وأطلقوا عليه لقب «الخائن». ل يعرف بوريس باسترناك في العربية إل من خالل هذه الرواية، ولكن معظم الكتب التي أرخــت لــألدب الـروسـي في القرن العشرين - وهي قليلة للغاية في اللغة العربية، على الرغم من «الصداقة الطويلة» التي ربطت األنظمة العربية بالتحاد السوفييتي السابق - تعتبر أنه من أملع الشعراء الـروس في القرن السابق. وليس لدينا سوى ترجمات قليلة من شعره، وأكثرها ترجم عن لغات وسيطة غير الروسية. وأهمها ما قدمه صبري حافظ في كتابه «األدب والثورة»، حيث كتب أيضًا دراسة عن الشاعر في خمس وعشرين صفحة من الكتاب، نشرت في املقدمة التي أضاء فيها على الشعر الروسي الحديث، وفيها يقول إن روح هذا الشاعر وخطه الشعري قد تركا تأثيرًا كبيرًا في حياة الشعر الروسي من بعده، إلى حد أن جيال من الشعراء الذين جاؤوا من بعده، يمكن أن نسّميهم «الباسترناك­يني» في الشعر. أما النص العربي الذي لدينا من رواية «دكتور جيفاكو»،َ فقد صدر في العام ،1959 أي بعد عام من نيله الجائزة، والالفت أن من ترجمها لم يجُرؤ حينئذ على وضع اسمه على الغالف، وكتب بدل ذلك أنه «نخبة من األدبــاء العرب»، ولم يطبع الكتاب إل بعد أربعني سنة من صدور تلك الطبعة، حني أعادت «دار املدى» نشر الرواية عام .2001 ول نعرف حتى اليوم األسباب التي جعلت هذه «النخبة» تحجم عن إعالن أسماء أعضائها، بينما ألف الشاعر السوري أدونيس في العام نفسه كتابًا بعنوان «قضية باسترناك»، ونشره باسمه الحقيقي، أي علي أحمد سعيد. تشكل الوقائع املرتبطة بهذه الرواية رواية أخرى، وقد جعلت منها لرا بريسكوت موضوعًا لعمل بوليسي بعنوان «ما لم نعرفه من أسرار دكـتـور جيفاكو»، وفيها مغامرة لصحافيتني تعمالن على إيصال الرواية من إيطاليا إلى األراضي الروسية. ربما كانت هـذه الـروايـة اليتيمة لهذا الشاعر املثال األكـبـر، في القرن العشرين، على تـدخـل السياسة فـي األدب، فحني رفضت السلطات السوفييتية نشر الرواية في روسيا، وافقت إحدى دور النشر اإليطالية على ذلك، وقد استثمرت الدعاية السياسية في الغرب الرواية التي تنتقد املرحلة األولى من ثورة أكتوبر الروسية، للتنديد بالتجربة الشتراكية كلها، وفي الغالب فإن كثيرين من أنصار الشتراكية رفضوا قراءة الــروايــ­ة، بسبب الـدعـايـة. فــأن تمجدها صحافة الرأسمالية الصفراء يعني أنها مشبوهة، وفــي املقابل فقد قرئت مـن قبل أعـــداء التحاد السوفييتي قراءة سياسية، ل تحفل بأدبيتها. مات التحاد السوفييتي، وماتت الدعاية الرأسمالية، وإذا كان الروائي قد مات جسديًا بعد هذه القضية بسنتني ،1960 فقد بقي اسمه واسم روايته حيني.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar