تونس: مبادرة «محايدة» التحاد الشغل
في وقت تواصل السلطة في تونس مالحقة معارضيها عبر القضاء، تسعى منظمات تونسية للتوصل إلى مبادرة لإلنقاذ، مع حديثها عن ضرورة الحوار
الناطق بلسان جيش االحتالل أن االعتداء ات اإلســرائــيــلــيــة تــشــكــل «ضـــربـــة قـــويـــة للجهد الـعـسـكـري لــحــمــاس، وأن الـجـيـش يعتبرها (حماس) مسؤولة عما يحدث في قطاع غزة، وبالتالي فهي التي ستدفع ثمن االنتهاكات األمنية ضد إسرائيل». وكـــانـــت طـــائـــرات االحـــتـــالل اإلســـرائـــيـــلـــي قد شــنــت، فــجــر أمـــس الــجـمــعــة، سـلـسـلـة غـــارات عـلـى مـــواقـــع مختلفة فـــي قــطــاع غــــزة، وذلـــك بـعـد إطـــالق صــاروخــن مــن الـقـطـاع باتجاه املستوطنات املحاذية، بحسب ادعــاء جيش االحـــــتـــــالل. واســـتـــهـــدفـــت طــــائــــرات االحـــتـــالل موقعًا للمقاومة في مخيم املغازي بنحو 15 صاروخًا، وموقعن آخرين في جنوب غرب غزة وشمال القطاع. من جهة ثانية، أعلن عضو املكتب السياسي لحركة الجهاد اإلسالمي خالد البطش، خالل مـسـيـرة نظمتها الـحـركـة فــي شـمـالـي قطاع غــزة، أن «سـرايـا الــقــدس»، الـــذراع العسكرية لــــحــــركــــتــــه، ردت عــــلــــى مــــــجــــــزرة االحـــــتـــــالل اإلسرائيلي في جنن بالقصف الصاروخي مــــن غــــــزة، وقــــــال إن الــــــرد الــــصــــاروخــــي جـــاء تجسيدًا ملعركة «وحـــدة الـسـاحـات»، مشيرًا إلــى أن «كـتـائـب الــقـســام»، الــــذراع العسكرية لحركة «حماس»، استهدفت الطيران الحربي اإلسرائيلي بالدفاعات الجوية «فـي مشهد
متكامل يدلل على وحـدة املوقف والسالح». وأضــــاف الـبـطـش، أمـــام الـحـشـود فــي واحـــدة مــن فـعـالـيـات تضامنية نظمتها «الـجـهـاد» عـلـى امـــتـــداد قــطــاع غــــزة: «لـــن نـسـمـح للعدو بتفريق الــســاحــات»، مـشـيـرًا إلـــى أن «وحـــدة املـــــيـــــدان الـــتـــي تــمــثــلــت فــــي جـــنـــن وانـــخـــرط الجميع فيها، تبعث رسالة مفادها أن وحدة امليدان أوال، وأنها الطريق للوحدة الحقيقية التي ترسم بــالــدم»، وشــدد على أن الـعـدوان اإلســـرائـــيـــلـــي املــســتــمــر «لــــن يــفــت فـــي عضد أبــنــاء الـشـعـب الفلسطيني ومـقـاتـلـي كتيبة جـنـن وكـــل الـكـتـائـب املـقـاتـلـة»، مبينًا أيضًا أن «االستنزاف املستمر للمقاومة في الضفة هــدفــه مـحـاصـرتـهـا ومــنــع خـــروج العمليات خارج حدود املخيم ومنع تشكيل أي كتائب أخرى». ورحب البطش بموقف السلطة الفلسطينية فـي رام الـلـه بـإلـغـاء التنسيق األمــنــي، وقــال: «نـــريـــدهـــا خـــطـــوة جـــديـــدة حـقـيـقـيـة يتبعها إطـــــالق ســـــراح جــمــيــع األســــــرى الـسـيـاسـيـن مـن أبـنـاء الجهاد وحـمـاس وكـافـة الفصائل وإطــالق الحريات العامة في الضفة»، داعيًا عباس إلى «البدء بالخطوات العملية الفاعلة إلنهاء االنقسام وترتيب البيت الفلسطيني وبـــنـــاء مـنـظـمـة الـتـحـريـر عـلـى األســــس الـتـي اتفق عليها». عــــلــــى وقـــــــع مــــحــــاولــــة بــــعــــض األطــــــــراف التونسية الدفع لحوار بهدف حل األزمة التي تمر بها الـبـالد، فـإن السلطة التي يقودها الرئيس قيس سعيد تصر على السير بمسار التفرد نفسه، عبر إجـراء الـــجـــولـــة الــثــانــيــة مـــن االنـــتـــخـــابـــات غــدًا األحــــد، ومــواصــلــة مـحـاكـمـة املـعـارضـن لتكميم األفـــواه ومنع أي اعـتـراض على تـــوجـــهـــاتـــه. وفـــــي هـــــذا الـــســـيـــاق، مـثـلـت عضو جبهة الخالص الوطني املعارضة شـــيـــمـــاء عـــيـــســـى، أمـــــس الـــجـــمـــعـــة، أمــــام املحكمة االبتدائية العسكرية كمتهمة بسبب تصريح إذاعي لها في ديسمبر/ كــــانــــون األول املـــــاضـــــي، وتـــحـــدثـــت فـي فــحــواه عــن عــالقــة املــؤســســة العسكرية بــــرئــــيــــس الــــجــــمــــهــــوريــــة. ومــــثــــلــــت أمـــــام املحكمة أمس بتهم تتعلق بـ«تحريض الـــعـــســـكـــريـــن عـــلـــى عـــــدم إطــــاعــــة األمـــــر، وإتيان أمر موحش ضد رئيس الدولة، وتـرويـج ونشر أخبار وإشـاعـات كاذبة عـــبـــر الـــشـــبـــكـــات وأنــــظــــمــــة املـــعـــلـــومـــات واالتصال بهدف اإلضــرار باألمن العام أو الــــدفــــاع الـــوطـــنـــي». وإثـــــر االســتــمــاع إليها، تقرر تركها بحالة إطـالق سراح. وعـــنـــد خـــروجـــهـــا مــــن الــتــحــقــيــق، قــالــت عيسى، لـ «العربي الجديد»، إن «املحامن تـمـسـكـوا بــعــدم مـحـاكـمـة املــدنــيــن أمـــام املــحــكــمــة الـــعـــســـكـــريـــة»، مـبـيـنـة أنــــه «تــم الـــطـــعـــن فــــي كــــل اإلجـــــــــــراءات ألن املــلــف مـغـلـوط ومـبـنـي عـلـى وشــايــة مــن وزيــر الداخلية». وقال عضو هيئة الدفاع عن عيسى املحامي سمير ديلو، لـ«العربي الجديد»، إن «القضية سياسية، وعيسى تحاكم بسبب تصريح إذاعي»، مبينا أن «الــهــدف مـن تتبع عيسى أمـــام القضاء الـــعـــســـكـــري هــــو تـــخـــويـــفـــهـــا». وأضــــــاف: «يـــــــــراد أن يــــكــــون الــــقــــضــــاء الـــعـــســـكـــري ســيــفــًا مــســلــطــًا عــلــى رقـــــاب املــعــارضــن الـسـيـاسـيـن». مــن جهتها، قـالـت نائبة رئــيــس مـجـلـس الـــنـــواب املـنـحـل سميرة الـــشـــواشـــي، لـــ«الــعــربــي الـــجـــديـــد»، إنـهـم نظموا أمـام مقر املحكمة العسكرية في العاصمة وقـفـة مساندة لعيسى، التي «تحاكم من أجل آرائها»، مشيرة إلى أن «العديد من املحاكمات العسكرية اليوم تستهدف معارضن ونوابًا سابقن». فـــي هــــذا الــــوقــــت، تـــدخـــل تـــونـــس، الــيــوم الـسـبـت، الـصـمـت االنـتـخـابـي مــع نهاية الـــحـــمـــلـــة االنـــتـــخـــابـــيـــة أمــــــس الــجــمــعــة، تـــمـــهـــيـــدًا إلجــــــــراء الـــجـــولـــة الـــثـــانـــيـــة مـن االنــتــخــابــات الــبــرملــانــيــة، بـعـد املقاطعة الكبيرة في الجولة األولـى والتي بلغت نسبة املشاركة فيها نحو 11 في املائة فـــقـــط. واخـــتـــتـــم 262 مــرشــحــًا حملتهم أمس في مختلف محافظات البالد، وهم يـتـنـافـسـون عـلـى 131 مـقـعـدًا مــن جملة 161 فـي الـبـرملـان الـجـديـد. وقـــال مرصد شاهد ملراقبة االنتخابات، في بيان، إن «هيئة االنتخابات تخلفت عـن تغطية نسبة مهمة من أنشطة املرشحن للدور الــثــانــي»، مـشـيـرًا إلـــى أنـــه سـجـل «غـيـاب أعــــوان مـراقـبـة الحملة الـتـابـعـن لهيئة االنتخابات عن حوالي 40 في املائة من مـــواقـــع األنــشــطــة املـــصـــرح بـــهـــا»، مبينًا أن 16 فــي املــائــة مــن األنـشـطـة تخللتها جرائم ومخالفات انتخابية. وعـــلـــى الـــرغـــم مـــن هــــذه األجــــــــواء، كـانـت أربــــع مـنـظـمـات تــونــســيــة، هـــي االتــحــاد العام التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامن والـرابـطـة التونسية للدفاع عن حقوق اإلنـسـان واملنتدى التونسي لــلــحــقــوق االقـــتـــصـــاديـــة واالجــتــمــاعــيــة، املجتمعة ضمن مبادرة اإلنقاذ الوطني، تـــطـــلـــق اجــــتــــمــــاعــــات بــــحــــضــــور خــــبــــراء فــــي الـــقـــانـــون الــــدســــتــــوري واالقـــتـــصـــاد واالجتماع والثقافة، لتقديم مقترحات لـحـل األزمــــة الـتـي تـعـانـي منها تـونـس. وقــــــــال األمــــــــن الـــــعـــــام التـــــحـــــاد الـــشـــغـــل نـــــــور الــــــديــــــن الــــطــــبــــوبــــي، فــــــي افـــتـــتـــاح االجــتــمــاعــات، إن املـــبـــادرة «لـيـسـت ضد أي طـرف، وغايتها الخروج من الوضع الـــذي تعيشه الــبــالد وتـقـديـم تـصـورات واضــــحــــة». وأكـــــد الــطــبــوبــي أنــــه «لـيـس هناك من حل غير الجلوس إلـى طاولة الـــــحـــــوار وصــــيــــاغــــة بــــرنــــامــــج مــتــكــامــل عـقـالنـي إلنــقــاذ الــبــالد مــن هـــذا الـوضـع الذي نعيشه». وتابع: «ننظم املبادرة من أجـل صياغة برنامج متكامل وعقالني حــــول كـيـفـيـة إنـــقـــاذ الــــبــــالد، ونـــحـــن في اللحظات األخيرة لإلنقاذ». لـــكـــن رئــــيــــس الــــبــــرملــــان املـــنـــحـــل، رئــيــس حــركــة الـنـهـضـة راشــــد الــغــنــوشــي، كــان يــــرد بــشــكــل غــيــر مـــبـــاشـــر، مـــشـــددًا على أن «الــــحــــوار مــمــكــن مـــن داخـــــل دســتــور الثورة». وقال الغنوشي في نص نشره على صفحته في «فيسبوك» إن «دستور الــثــورة بـــذل الـتـونـسـيـون والتونسيات الغالي والنفيس للوصول إليه. ولم يكن دستورًا على املقاس مثل ما نرى حاليا، وإنـــمـــا كــــان حــصــيــلــة نـــقـــاشـــات طـويـلـة وعـــمـــيـــقـــة وصـــعـــبـــة بــــن كــــل الـــعـــائـــالت السياسية والفكرية التونسية». وأكـد أنه «ال بديل لنا للمحافظة على دولتنا واستقرارها وازدهـارهـا إال العودة إلى العقد الــذي بيننا واملتمثل في دستور الثورة، ومن داخله يمكننا الحوار حول ما يجب تغييره أو تطويره، وغير هذا يــعــتــبــر تــضــيــيــعــا لـــلـــوقـــت عـــلـــى بـــالدنـــا وتعميقًا لألزمة وزيادة للخسائر».
الغنوشي: الحوار ممكن من داخل دستور الثورة