الحوار الوطني في مصر: متفائلون سابقون يشرحون أسباب تشاؤمهم
يراجع سياسيون وحقوقيون مصريون، شاركوا في الجلسات التمهيدية للحوار الوطني في مصر، موقفهم، ألسباب عديدة
تـــســـعـــة أشــــهــــر مـــــــرت عــــلــــى دعــــــــوة الـــرئـــيـــس املـصـري عبد الفتاح السيسي، التي أطلقها نهاية إبريل/نيسان املاضي، من أجـل حوار وطـنـي، مـن دون تحقيق أي خـطـوة حقيقية عـــلـــى الــصــعــيــد الـــعـــمـــلـــي. وقــــــال ســيــاســيــون وحقوقيون مصريون، من الذين وافقوا على االنخراط في هذه الدعوة وحضروا جلساتها التمهيدية، لـ«العربي الجديد»، إنهم بصدد مـــراجـــعـــة مــوقــفــهــم، ويــــدرســــون اإلعــــــان عن تراجعهم عـن تأييد الــدعــوة، وربـمـا يجدون أنــفــســهــم مــضــطــريــن إلعـــــان االنـــســـحـــاب من الـحـوار الوطني، لجملة من األسـبـاب. وعلى رأس هذه األسباب أنه بات لديهم اقتناع بأن الجهات الرسمية القائمة على الحوار تتحكم فــــي كــــل شــــــيء، وأنــــهــــا تــتــعــمــد بــتــصــرفــاتــهــا إضاعة الوقت في إجراء ات شكلية، واستبعاد «قــضــايــا قــومــيــة» مـهـمـة مـــن دائـــــرة الـــحـــوار.
وأضـاف هـؤالء، وكلهم ينتمون إلى «الحركة املـــدنـــيـــة املــــصــــريــــة»، أن الـــنـــظـــام الــســيــاســي، مـــن خـــال أدواتــــــه، يـتـعـمـد تـهـمـيـش أي قـوى سياسية أو شخصيات عــامــة فــي املـشـاركـة الحقيقية في اإلعداد لهذا الحوار. ومـا زالــت الحكومة املصرية تتخذ قراراتها االقتصادية منفردة، وتبقي القيود السياسية واألمنية املفروضة على املجال العام قائمة. كما ال يزال اآلالف من سجناء الرأي يقبعون داخــــل زنــازيــنــهــم فـــي انــتــظــار لـحـظـة اإلفــــراج عنهم. في غضون ذلك، حثت «الحركة املدنية املصرية»، التي تضم في تشكيلها 12 حزبًا تــنــتــمــي ملــــا يـــعـــرف بــمــعــســكــر مـــعـــارضـــة 30 يـــونـــيـــو، مـــؤســـســـات الـــحـــكـــم فــــي مـــصـــر عـلـى اتخاذ 6 خطوات لتهيئة املناخ املناسب لبدء الـحـوار الوطني املعطل. وتتصدر الخطوات هذه املطالبة بالكف عن تقييد حركة األحزاب ومؤتمراتها في املحافظات واألحـيـاء، ورفع الــحــجــب عـــن املــــواقــــع اإلعـــامـــيـــة املـــعـــارضـــة، والكف عن احتكار اإلعام، والتريث في إصدار الــــقــــرارات، واتـــخـــاذ اإلجــــــــراء ات فـــي الــشــؤون املــحــالــة إلـــى الـــحـــوار الــوطــنــي، خـصـوصـًا ما يتعلق مـنـهـا بــإضــعــاف الـــقـــدرات اإلنـتـاجـيـة لـاقـتـصـاد، وسـيـطـرة الــدولــة عـلـى مــواردهــا الحيوية والقرارات التي تفاقم أزمات الغاء. وقال أحد القيادات الحزبية املنضوية ضمن «الحركة املدنية» إن استمرار الحديث بشأن الــــحــــوار الـــوطـــنـــي، الـــــذي كــــان هـــنـــاك تــفــاؤل حقيقي بـه فـي بـــادئ األمـــر، بــات كمن يضع بذرة في تربة صخرية وينتظرها أن تنبت، عـــلـــى حــــد تــعــبــيــر الـــســـيـــاســـي الــــــذي تــحــدث
لـ«العربي الجديد» مفضا عدم ذكر اسمه. وأشار إلى أنه على الرغم من وجود أصوات مــعــارضــة رافــضــة لـخـطـوة الـــحـــوار الـوطـنـي منذ البداية، إال أنه كانت هناك أصوات أخرى ترى إبداء حسن النوايا من جانب املعارضة عبر التجاوب مع الدعوة الرئاسية. وأشـار إلــى أن تلك األصــــوات الـتـي تمسكت باألمل الضئيل كانت تهدف في املقام األول إلطاق ســــراح الـسـجـنـاء الـسـيـاسـيـن، وهـــو الـهـدف الــذي سـرعـان مـا تبدد بـمـرور الـوقـت، إذ إن نسبة من تم إطاق سراحهم من املحبوسن على ذمــة قضايا سياسية وقـضـايـا رأي ال تتجاوز 4 في املائة، في الوقت الـذي اعتقل فيه ضعف هذه النسبة بذرائع أمنية واهية،
وبـــا أي جــرائــم حقيقية. ووصـــف الـقـيـادي الحزبي مـسـار الــحــوار الوطني منذ إطـاق الــــدعــــوة الــرئــاســيــة بــــ «الـــجـــري فـــي املـــكـــان»، مـــشـــددًا عــلــى أن الــنــظــام الــســيــاســي هـــو من اســتــفــاد مـــن تـلـك الـــدعـــوة حـتـى اآلن، بمنح نــفــســه هـــامـــش حـــركـــة لــتــخــفــيــف الــضــغــوط
اعتبر سياسيون أن النظام يتعمد تهميش المعارضة
الــدولــيــة عـلـيـه قـبـيـل مـنـاسـبـات دولـــيـــة كـان يحتاج لتحسن صورته قبلها، في مقدمتها قــمــة املـــنـــاخ، ومــــن بــعــدهــا الــقــمــة األمـيـركـيـة األفريقية. مـــن جــهــتــه، قــــال قـــيـــادي حــزبــي آخــــر مــشــارك في النقاشات التمهيدية للحوار الوطني إن قبول املـعـارضـة منذ الـبـدايـة بتلبية الدعوة الـــرئـــاســـيـــة كــــان بـــهـــدف املـــشـــاركـــة فـــي وضــع تــصــور يــجــنــب الـــدولـــة واملـــواطـــنـــن االنــــزالق نحو انهيار اقتصادي، عبر مراجعة عاجلة للخطط واإلجـــــــراءات الـحـكـومـيـة، بمشاركة املــتــخــصــصــن، وهــــو األمـــــر الـــــذي لـــم يــعــد ذا فائدة كبيرة بعد تهاوي الوضع االقتصادي وانــهــيــار قـيـمـة الـعـمـلـة املـحـلـيـة. وأوضــــح أن «املـــــدقـــــق فــــي مـــســـار الـــــحـــــوار طــيــلــة األشـــهـــر التسعة املاضية سيعي أن األمر كان مدروسًا بـــعـــنـــايـــة، بـــحـــيـــث يـــســـتـــمـــر املـــــشـــــاركـــــون فـيـه بـالـدوران حـول أنفسهم في أمــور إجرائية ال تتناسب مع دعوة، كان من املقرر لها أن تتخذ مجموعة من التوصيات العاجلة التي يجب أن تدخل حيز التنفيذ في أسرع وقت ممكن». وأكد أنه «في أكثر من مناسبة، طيلة األشهر التسعة املـاضـيـة، بـــدا االخــتــاف بــن الـرؤيـة الرسمية أو الرئاسية، وتـصـورات املعارضة فـــي الــتــعــاطــي مـــع األزمـــــــات الـــتـــي تــواجــهــهــا الــدولــة، وبـــدا الرئيس طـــوال الـوقـت متمسكًا برؤيته لـأوضـاع السياسية واالقتصادية، وكــذا رؤيـتـه السلبية إلشـــراك املعارضن في اتـــخـــاذ الـــــقـــــرارات». وشــــدد الـــقـــيـــادي عــلــى أن الحوار الوطني فقد قيمته ومعناه، ولم يعد سوى منتدى حواري فقط ال قيمة له.