Al Araby Al Jadeed

لماذا يرفض سعيد انتخابات رئاسية مبكرة؟

- صالح الدين الجورشي

دعـوة أطلقها بعضهم منذ أسابيع، ويـرددهـا آخــرون بكثافة في الفترة األخيرة، مضمونها أن الحل للخروج مـن النفق وإنـقـاذ تونس مـن أزمتها الخانقة يكمن في اللجوء إلى تنظيم انتخابات رئاسية سابقة ألوانها، بحجة أن من شأن هذا االخـتـيـا­ر أن يضع حــدا للمشهد الــراهــن، ويـدفـع الجميع نحو ديناميكية جديدة قد تــؤدي إلـى طي الصفحة الراهنة، واالنتقال إلـى الصفحة التالية. والدليل على أهمية هذه الدعوة أنها صدرت، أخيرا، عن شخصني متعارضني في موقفهما من الرئيس سعيد، ومما قام به ليلة 25 يوليو/ تموز .2021 األول الناطق باسم جبهة الخالص الوطني، أحمد نجيب الشابي، الذي طالب أخيرا برحيل قيس سعيد عن طريق تنظيم انتخابات رئاسية سابقة ألوانها. الثاني األمني العام لحركة الشعب، التي دافعت عن اختيارات الرئيس، زهير املغزاوي. صرح، قبل أيام، بأنه التقى به، وتحدث معه بصراحة شديدة، واقترح عليه الطلب نفسه، لكنه لم يبد حماسة لذلك، ولم يتجاوب معه رغم تأكيد املغزاوي أن الوضع صعب وسيئ، وأن هناك مشكال على مستوى الشرعية، ألن سعيد أقسم على دستور ،2014 وأنه الحالة السياسية في حالة تغير سريع، وأن موقف الرأي العام بدأ يختلف عما كان عليه. كيف يمكن تفسير هذا الرفض وتعليله؟ أصبح مؤكدا أن قيس سعيد لن يجازف بوضع شرعيته على املـحـك، خصوصا فـي السياق الــراهــن. هناك احـتـمـال، ولو محدودا، بإمكانية أن يخسر االنتخابات وينهي مساره السياسي بهزيمة قاسية. قد يكون هذا االحتمال ضعيفا حسب تقديرات بعضهم، وذلك نظرا إلى وجود جزء غير معروف من التونسيني الذين ال يزالون يثقون في الرجل، ويدافعون عنه. وقد تصبح هذه الفرضية ممكنة إذا أخذنا باالعتبار نزوع عدد واسع من التونسيني نحو رفض املعارضة، والعودة إلى املرحلة السابقة لالنقالب. يتغذى الرئيس سعيد من أخطاء املرحلة السابقة التي يصفها مع أنصاره بالعشرية السوداء في سياق شيطنة خصومه، حتى ال يثق فيهم التونسيون من جديد، وحتى يكفروا بكل ما يذكرهم بهم بما في ذلك الحريات التي جاءت بها الثورة. مـن أجــل ذلـــك، يـرفـض قيس سعيد مناقشة مختلف املــبــاد­رات املـطـروحـ­ة حاليا من األطـــراف السياسية واملدنية، فهو مشغول بمحاربة األشـــرار الذين يحّملهم مسؤولية األزمة القائمة بمختلف درجاتها. الشيطان هو اآلخر إما السلطة ممثلة في شخصه فهي فوق التشكيك واالتهام. لهذا يعترض بقوة على أي مسعًى يحّمله قــدرا مـن املسؤولية فيما يـجـري. لقد أغلق جميع املنافذ فـي وجــه الجميع، وهو جعل قيادة االتحاد تعبر عن شكها في احتمال أن يتفاعل رئيس الجمهورية مع املبادرة التي يجري اإلعــداد لها مع منظمات في املجتمع املدني. إذ يكاد االتحاد التونسي العام للشغل يوقن بأنه، في نهاية املطاف، سيجد نفسه يلعب في الوقت ما بعد اإلضافي، أي بعد أن صفر الحكم معلنا نهاية املقابلة. قد تبدو الصورة كاريكاتوري­ة، لكنها تعكس مع ذلك موت السياسة واالنتقال إلى مرحلة العبث. حتى من تبقوا من أنصاره، اكتشف كثيرون منهم، بعد محاوالت كثيرة، أنهم يدورون في حلقة مفرغة. يدافعون عن الرئيس الذي ال يسمعهم، وال يعترف بكثيرين منهم ويسخر من التهديد الذي يلجأوون إليه من حني إلى آخر حتى ال يخسروا ما تبقى لهم من مصداقية. طمحوا في البداية إلى أن يكونوا شركاء في قيادة املرحلة، ولم يترددوا في القول إنهم صنعوا 25« يوليو». أما اليوم فخوفهم الرئيسي أن يجدوا أنفسهم بال سند وال غطاء. غامروا بما يملكون من رصيد، وأسهموا في تدمير املسار من دون أن تتوفر لهم الضمانات الدنيا بأن ال يسقط البناء على الجميع. بناء على ما تقدم، لن تكون هناك انتخابات رئاسية سابقة ألوانها. أما في سنة ،2024 فـال أحـد يمكن أن يجزم بـأن تونس ستشهد انتخابات رئاسية تعددية ديمقراطية. ذلك في علم الغيب.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar