Al Araby Al Jadeed

أرقام الفساد في الجزائر أكبر من مجرد مليارات الدوالرات

- محمد سي بشير

لــم ولـــن أغــضــب مــن إعــامــيـ­ـن تـهـكـمـوا على أرقـام ذكرها الرئيس الجزائري، عبد املجيد تـــبـــون، فـــي االجــتــم­ــاع الــــذي جـمـعـه بـــالـــو­الة، قــبــل أيـــــام، ألنـــهـــ­م، بــكــل بــســاطــ­ة، ال يـعـرفـون مـــا جــــرى فـــي الـــبـــا­د، جــــــراء حــكــم الـعـصـابـ­ة والــقــوى غـيـر الــدســتـ­ـوريــة، بتعبير صانعي القرار، عن طبيعة ناهبي املال العام، مددا قد تمتد عقودا، وليس واليات الرئيس السابق عـبـد الــعــزيـ­ـز بـوتـفـلـي­ـقـة. لــم ولـــن أغــضــب من تعليقات هؤالء، وال من بعض من يوصفون برجال األعمال من خارج الجزائر، ألن بعضا منهم استفاد، ولن أسميه، هنا، من صفقات اســتــطــ­اع، مــن خـالـهـا، جـنـي مـلـيـاري دوالر بالتزوير والتحايل في بيع مصنع لإلسمنت لشركة فرنسية تدعي الفارج. وحتى نكون واضحن، ستشرح هذه املقالة األســــبـ­ـــاب الـــتـــي تـــدعـــو­نـــا إلــــى تــصــديــ­ق تلك األرقام، بل ونظن أنها ليست نهائية ألسباب وحجج نوردها تاليا، بحكم أننا نعيش في بــاد عــاث فيها الناهبون للمال الـعـام، بكل صـفـاتـهـم، وأخــــذوا مــا يمكن اعــتــبــ­اره، قيمة وفــرصــا ضـائـعـة لــإلقــاع االقــتــص­ــادي، أكثر من مجرد مليارات من الــــدوال­رات تذكر هنا وهـــنـــا­ك، بـعـضـهـا يــتــم اســــتـــ­ـرداده وبعضها اآلخر ما زال رهن اإلنابات القضائية التي لم تنته بعد لنصل، في نتيجة أولى، إلى أن ما ذكره الرئيس تبون ليس خطأ، بل هو غيض من فيض، قيمة وفرصًا ضائعة، مرة أخرى، أصوال، تعويضات وفرصا ضائعة، سيكون عــلــى هـــــؤالء الــنــاهـ­ـبــن ردهــــــا إلــــى الـحـزيـنـ­ة العمومية أو دفـع ثمنها أعواما من السجن بل عقودا. ال يمكن اعتقاد أن تلك األرقام التي أتى عليها الــرئــيـ­ـس عـــبـــار­ة عـــن تـضـخـيـم، أو أن معنى كامه أن الشرطة وجدت عند شخص واحد ذلـــك الـــرقـــ­م الـضـخـم 36( مـلـيـار دوالر أو ما قيمته بالدينار الجزائري)، بل املعنى أبعد وأعمق من ذلك، وهو يعبر، بلهجتنا، بداية، عــن األبــعــا­د الـتـي وصـلـت إلـيـهـا آفـــة الفساد الــــذي تـجـمـع بــن عـــدة تــهــم، تـضـخـم األرقــــا­م حقيقة، ألنها سرقة، تزوير، تحايل وإضاعة لـلـفـرص الحقيقة للتنمية الــتــي كـــان يمكن أن تــحــدث لـــو جـــرى اســتــعــ­مــال تــلــك األمــــوا­ل بمقاربات اقتصادية ناجعة، وبالتالي، فإن األرقـــــ­ــام، كــمــا قــــال أحــــد الــقــانـ­ـونــيــن، تجمع كــل تلك التهم مضافا إليها الـحـق الـعـام أي التعويضات، من ناحية، واحتساب الفرض الـــضـــا­ئـــعـــة لـــو اســتــثــ­مــرت تــلــك األمــــــ­ـوال ومــا كــانــت ســـتـــدر­ه مـــن عـــوائـــ­د تـنـمـويـة عــــادة ما تسمى بدورة املال االقتصادية بن استثمار وتـوظـيـف اقــتــصــ­ادي ثـــم عـــوائـــ­د، مــن ناحية أخرى. هـــذا عـلـى املـسـتـوى الـشـكـلـي لتفسير أبـعـاد الكلمات التي جهر بها الرئيس، أما الحقيقة الـــتـــي ال يــعــرفــ­هــا غــيــر الـــجـــز­ائـــري أن نــظــام العصابة الـــذي قنن تلك املـمـارسـ­ات، وجعل مــنــهــا املـــقـــ­اربـــة الـــوحـــ­يـــدة لـــربـــح املــــــا­ل، عمل على تسيير االقـتـصـا­د فـي ظــل طـفـرة مالية استثنائية بلغ سعر النفط فيها قرابة 150 دوالرًا لقرابة سبعة أعوام إلى ثمانية، عادت عـلـى الــبــاد بـمـا يـزيـد عــن تـرلـيـون دوالر أو أكثر بقليل. عـمـلـت الـعـصـابـ­ة، فــي نــطــاق هـرمـيـة جـديـدة لنظام الحكم، خصوصا بعد العهدة الثانية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة 2004( - ،)2009 جعلت من طبقة الناهبن ضلعا في جهاز الحكم، وحملت صفة رجال أعمال، كان الواحد ينال الصفقات باألمر املباشر. وفوق ذلك ال يخرج من جيبه دينارا واحدا، بل يؤمر له، من الخزينة العمومية، برأس مال تنفيذ املشروع الفنكوشي، بلغة إخواننا في أرض الكنانة مـصـر، يـفـوق عــدد األصــفــا­ر فـي ذلك الرقم املالي ما ال يمكن تصور حسابه للعادة مــن الــجــزائ­ــريــن، وصـــل عـنـد الـــواحــ­ـد منهم، وهو حاليا في السجن، إلى 500 مليار دينار، بـــل إن أحــدهــــ­ـم، وهـــو يـــجـــاو­ره فـــي الــســجــ­ن، أيــــضـــ­ـا، مــــع بـــــدء الـــعـــم­ـــل بـــمـــشـ­ــاريـــع الــهــاتـ­ـف املـــحـــ­مـــول، ضـــيـــع عــلــى الــخــزيـ­ـنــة الـعـمـومـ­يـة مئات املاين من الـــدوالر­ات، في حملة نشر الـــهـــو­اتـــف الــثــابـ­ـتــة مـــن دون أن تـشـتـغـل في تناقض تام مع املقاربة االقتصادية الناجعة. وقـــد يــكــون مــن املـــجـــ­دي، هــنــا، تـتـبـع طبيعة املال الذي تم استرجاعه موزعا بن عقارات، شــركــات، أمـــوال منقولة، وقـــروض كـانـت في الحسابات ولم تصرف، وغيرها من األموال التي استطاعت العصابة االستحواذ عليها، الحصول عليها أو تحايلت للوصول إليها، وهــــي، لـضـخـامـة أحــجــامـ­ـهــا، ال يـمـكـن إال أن تــكــون تقريبية ملــا تـــم نـهـبـه، ودلــيــل ذلـــك أن مـخـزون العملة الصعبة، وفــق بـيـانـات بنك الـجـزائـر، فـي بـدايـة العقد األول مـن األلفية، كانت قربة مائتي مليار 194( مليار دوالر فـــي .)2012 وكـــيـــف أنـــهـــا تــبــخــر­ت بــعــد ذلــك بـعـامـن، أو كـــادت، حيث كـانـت بعض اآلراء االقتصادية بدأت في ،2014 في أثناء الحملة الــرئــاس­ــيــة الـــرابــ­ـعـــة، بـــإرســـ­ال إشـــــارا­ت إنـــذار على أن األزمة االقتصادية على األبـواب، مع انخفاض أسعار النفط في األسواق الدولية، وهو ما لم يلتقطه أقطاب العصابة لتستمّر في النهب العلني لأموال، وبخاصة أن ذلك تـزامـن مـع غـيـاب الـرئـيـس بوتفليقة، بسبب املـــرض، وتــولــي قــوى غير دسـتـوريـة الحكم، وفــق تعبير رئـيـس أركـــان الـجـيـش، املـرحـوم القائد صالح. هذا عن النهب العلني وأرقامه التقريبية مما كشفت عنه السلطة ملا تـم استرجاعه، وملا أعلن عنه الرئيس في اجتماعه مع الــوالة. أما الجانب اآلخر الذي يوصل املال املنهوب إلــى أبعد مـن الـرقـم الــذي تـم استرجاعه أو ذكــــره الــرئــيـ­ـس تـــبـــون، فـهـو يـنـاهـز األرقــــا­م التي تسمح باإلقاع االقتصادي، إذ جرى تضييع الـفـرصـة تلو األخــــرى، بـتـوفـر مال اإلقاع، ولم يستخدم باملقاربة الناجعة في بلد يملك كـل املــقــدر­ات واإلمــكــ­انــات ليكون قـــوة نــاشــئــ­ة، ولــيــس بــلــدا ينتظر الـبـواخـر تأتيه بالقمح، باألدوية وبما هو ضروري للعيش مما يمكن إنتاجه في الجزائر التي تـنـوفـر عـلـى قــرابــة مـائـة مـلـيـون هـكـتـار من األراضــــ­ي الــزراعــ­يــة بــن مــا هــو صـالـح ومـا يمكن استصاحه، خصوصا في الصحراء الجزائرية الشاسعة، ومــا يوجد فيها من مـيـاه جوفية وطـاقـة شمسية تكفي إلنــارة العالم ملاين السنن وتوفير الطاقة التي تـسـمـح بــاســتــ­خــراج املـــيـــ­اه وإنـــتـــ­اج مـايـن األطـــنــ­ـان مــن الــقــمــ­ح، الــتــمــ­ور وغــيــرهـ­ـا مما تستورده الجزائر بمال النفط الناضب وما جرت سرقته، جراء ذلك. نأتي إلـى مثالن ملا يمكن أن يرفع رقـم 500 ألــــف مــلــيــا­ر سـنـتـيـم 36( مــلــيــا­ر دوالر) إلــى أضـعـافـه مــن خــال نـمـوذجـن، هما مشروع ديزرتك لتوفير الطاقة الشمسية لأوروبين من الجنوب الشرقي الجزائري، واآلخر الذي ســمــي، جـــزافـــ­ا، صـنـاعـة الـــســـي­ـــارات، وهـــو لم يتجاوز حد نفخ العجات. لم ينجز املشروع األول بسبب تردد السلطة في الجزائر، عندما عرضت عليها املشروع أملانيـا، ويتمثل في استخدام الطاقة الشمسية مـن خــال مئات آالف من األلواح التي كانت ستسمح بتوليد الـطـاقـة وتـصـديـره­ـا إلــى أوروبــــا، مــع توفير الــقــاعـ­ـدة الـتـكـنـو­لـوجـيـة وتـحـويـلـ­هـا إضـافـة إلــــى اســـتـــغ­ـــال الـــصـــح­ـــراء وتــحــويـ­ـلــهــا، بعد فترة، إلى أرض صالحة للزراعة، وصوال، في النهاية، إلى العائد املالي الذي كان سيقارب مـائـة مـلـيـار يـــورو سـنـويـا مــن دون أن ينال ذلـك املــردود نضوب أو نقص بـل، مع تحول العالم إلى الطاقة النظيفة، كما يمكن للرقم أن يتضاعف، ويـشـكـل قـاعـدة لـدخـل منتظم يعمل على توليد التنمية االقتصادية. ملـاذا رفضت السلطة، آنــذاك، املشروع، وماذا خـسـرت الـجـزائـر مــن عــائــدات لـعـدم إنــجــازه، من ناحية، ومـاذا خسرت من فرص للتنمية وتغيير شكل املنطقة واقتصادها، من ناحية أخرى؟. أدعو املتهكمن على الرقم الذي ذكره الرئيس تبون إلى التفكير، مليا، في ترليون دوالر عـلـى أقـــل تـقـديـر ضـــاع عـلـى الـجـزائـر، جــــــراء عــــدم إنـــجـــا­ز املــــشــ­ــروع، وتــريــلـ­ـيــونــات أخــرى مما ضـاع مـن تنمية وفـرصـة لتنمية الصحراء الجزائرية. أمـــــــا املـــــشـ­ــــروع اآلخــــــ­ـر الـــــــذ­ي كـــلـــف الــخــزيـ­ـنــة العمومية مـلـيـارات الــــدوال­رات فهو مشروع نفخ الـعـجـات الـــذي حـمـل، جـزافـا وتحايا، مسمى صناعة املركبات، واستفاد أصحابه مــــن مــــســــ­اعــــدات، وتـــحـــف­ـــيـــزات ضـــريـــب­ـــيـــة، بـل وإعـــــــ­فـــــــاء­ات، وصــــلـــ­ـت إلــــــى آالف املــــلــ­ــيــــارا­ت مــــن الـــدنـــ­انـــيـــر مــــن دون احـــتـــس­ـــاب الـــفـــو­تـــرة املـــتـــ­حـــايـــل­ـــة، بـــمـــا أصـــبـــح يــــعــــ­رف بــاملــبـ­ـالــغــة فـــي الـــفـــو­تـــرة وضــــاعــ­ــت، بــســبــب­ــهــا، مــلــيــا­رات الدوالرات قد تقارب، باحتساب عدد املصانع «الفنكوشية» واملبالغ التي تم بيع املركبات بـــهـــا لـــلـــجـ­ــزائـــري­ـــن، وهـــــي أضــــعـــ­ـاف أســـعـــا­ر الـسـيـارا­ت فـي البلدان املــجــاو­رة بمواصفات أفضل من التي تم استيرادها. أدعـــو املتهكمن، هـنـا، أيــضــا، إلــى الـنـقـر في حـواسـيـبـ­هـم لـلـقـيـام بـعـمـلـيـ­ات حـسـابـيـة قد تــوصــلــ­هــم، حـــقـــا، إلــــى أن الـــرقـــ­م الـــــذي ذكـــره الرئيس تـبـون صحيح، وسيتم العمل على ذكــــر مـــا هـــو أضـــعـــا­فـــه ألن الــعــصــ­ابــة نهبت الــبــلــ­د، ُّوعــمــلــ­ت عــلــى تـجـفـيـف ضــــرع الـبـقـرة التي عدوها حلوبا ولكن لهم، فقط، لو لم تقم جموع الحراكين في 2019 بتغيير بوصلة الـــفـــس­ـــاد، وتــكــشــ­ف تــلــك األرقـــــ­ـام املــهــول­ــة من النهب للمال العام. في النهاية، طرح أحدهم سـؤاال هاما بشأن الخيار الجدلي بـن التنمية والديمقراط­ية فـــي الـــجـــز­ائـــر، وكــــأن هــــذا الــخــيــ­ار جــــدي بن أولويتن ال فكاك ألحداهما عن األخرى، حيث مــن دون التغيير نحو الديمقراطي­ة ممثا فــي حـــراك فـبـرايـر 2019 لــم يـكـن فــي اإلمـكـان الكشف عن هـذه العمليات من النهب للمال العام الــذي أصبح محيرا، من حيث حجمه، ملن تهكم علينا وكأن كلمة وجدنا عند عائلة واحدة رقما من املال كبيرا يعني أننا وجدنا مــاال سـائـا، ولـيـس أن مـا سـرقـه واحـــد ممن ينتمون إلى تلك العصابة بلغ ذاك الحد، فما بالك إذا جمعنا كل األرقام وأطلعنا اآلخرين عما نكتشفه، يوما بعد يوم، من نهب ممنهج ومــنــظــ­م، وهـــو مـــا يــفــهــم، مـنـطـقـيـ­ا، مـــن كــام رئيس الجمهورية وقبله وزير العدل. تلك هـي قـصـة الفساد فـي جـزائـر العصابة، واألرقام يمكن أن تكون أكبر، في مقبل األيام، وعـلـى املتهكم فهم الـفـسـاد بشقيه، النهب، التعويض ثـم حجم الـفـرص التنموية التي ضــيــعــت عــلــى بــلــد بـحـجـم قــــــارة، سينهض، حتما، في املدى املنظور. ولكن عندما سيتم الجمع بن األولويتن وليس الخيار بينهما. وتلك قصة أخرى..

ما ذكره الرئيس ليس خطأ، بل هو غيض من فيض، قيمة وفرصًا ضائعة، سيكون على الناهبين ردها إلى الحزينة

من دون التغيير نحو الديمقراطي­ة ممثًال في حراك فبراير 2019 لم يكن باإلمكان الكشف عن عمليات النهب للمال العام الذي أصبح محيرًا

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar