أرقام الفساد في الجزائر أكبر من مجرد مليارات الدوالرات
لــم ولـــن أغــضــب مــن إعــامــيــن تـهـكـمـوا على أرقـام ذكرها الرئيس الجزائري، عبد املجيد تـــبـــون، فـــي االجــتــمــاع الــــذي جـمـعـه بـــالـــوالة، قــبــل أيـــــام، ألنـــهـــم، بــكــل بــســاطــة، ال يـعـرفـون مـــا جــــرى فـــي الـــبـــاد، جــــــراء حــكــم الـعـصـابـة والــقــوى غـيـر الــدســتــوريــة، بتعبير صانعي القرار، عن طبيعة ناهبي املال العام، مددا قد تمتد عقودا، وليس واليات الرئيس السابق عـبـد الــعــزيــز بـوتـفـلـيـقـة. لــم ولـــن أغــضــب من تعليقات هؤالء، وال من بعض من يوصفون برجال األعمال من خارج الجزائر، ألن بعضا منهم استفاد، ولن أسميه، هنا، من صفقات اســتــطــاع، مــن خـالـهـا، جـنـي مـلـيـاري دوالر بالتزوير والتحايل في بيع مصنع لإلسمنت لشركة فرنسية تدعي الفارج. وحتى نكون واضحن، ستشرح هذه املقالة األســــبــــاب الـــتـــي تـــدعـــونـــا إلــــى تــصــديــق تلك األرقام، بل ونظن أنها ليست نهائية ألسباب وحجج نوردها تاليا، بحكم أننا نعيش في بــاد عــاث فيها الناهبون للمال الـعـام، بكل صـفـاتـهـم، وأخــــذوا مــا يمكن اعــتــبــاره، قيمة وفــرصــا ضـائـعـة لــإلقــاع االقــتــصــادي، أكثر من مجرد مليارات من الــــدوالرات تذكر هنا وهـــنـــاك، بـعـضـهـا يــتــم اســــتــــرداده وبعضها اآلخر ما زال رهن اإلنابات القضائية التي لم تنته بعد لنصل، في نتيجة أولى، إلى أن ما ذكره الرئيس تبون ليس خطأ، بل هو غيض من فيض، قيمة وفرصًا ضائعة، مرة أخرى، أصوال، تعويضات وفرصا ضائعة، سيكون عــلــى هـــــؤالء الــنــاهــبــن ردهــــــا إلــــى الـحـزيـنـة العمومية أو دفـع ثمنها أعواما من السجن بل عقودا. ال يمكن اعتقاد أن تلك األرقام التي أتى عليها الــرئــيــس عـــبـــارة عـــن تـضـخـيـم، أو أن معنى كامه أن الشرطة وجدت عند شخص واحد ذلـــك الـــرقـــم الـضـخـم 36( مـلـيـار دوالر أو ما قيمته بالدينار الجزائري)، بل املعنى أبعد وأعمق من ذلك، وهو يعبر، بلهجتنا، بداية، عــن األبــعــاد الـتـي وصـلـت إلـيـهـا آفـــة الفساد الــــذي تـجـمـع بــن عـــدة تــهــم، تـضـخـم األرقــــام حقيقة، ألنها سرقة، تزوير، تحايل وإضاعة لـلـفـرص الحقيقة للتنمية الــتــي كـــان يمكن أن تــحــدث لـــو جـــرى اســتــعــمــال تــلــك األمــــوال بمقاربات اقتصادية ناجعة، وبالتالي، فإن األرقـــــــام، كــمــا قــــال أحــــد الــقــانــونــيــن، تجمع كــل تلك التهم مضافا إليها الـحـق الـعـام أي التعويضات، من ناحية، واحتساب الفرض الـــضـــائـــعـــة لـــو اســتــثــمــرت تــلــك األمـــــــوال ومــا كــانــت ســـتـــدره مـــن عـــوائـــد تـنـمـويـة عــــادة ما تسمى بدورة املال االقتصادية بن استثمار وتـوظـيـف اقــتــصــادي ثـــم عـــوائـــد، مــن ناحية أخرى. هـــذا عـلـى املـسـتـوى الـشـكـلـي لتفسير أبـعـاد الكلمات التي جهر بها الرئيس، أما الحقيقة الـــتـــي ال يــعــرفــهــا غــيــر الـــجـــزائـــري أن نــظــام العصابة الـــذي قنن تلك املـمـارسـات، وجعل مــنــهــا املـــقـــاربـــة الـــوحـــيـــدة لـــربـــح املــــــال، عمل على تسيير االقـتـصـاد فـي ظــل طـفـرة مالية استثنائية بلغ سعر النفط فيها قرابة 150 دوالرًا لقرابة سبعة أعوام إلى ثمانية، عادت عـلـى الــبــاد بـمـا يـزيـد عــن تـرلـيـون دوالر أو أكثر بقليل. عـمـلـت الـعـصـابـة، فــي نــطــاق هـرمـيـة جـديـدة لنظام الحكم، خصوصا بعد العهدة الثانية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة 2004( - ،)2009 جعلت من طبقة الناهبن ضلعا في جهاز الحكم، وحملت صفة رجال أعمال، كان الواحد ينال الصفقات باألمر املباشر. وفوق ذلك ال يخرج من جيبه دينارا واحدا، بل يؤمر له، من الخزينة العمومية، برأس مال تنفيذ املشروع الفنكوشي، بلغة إخواننا في أرض الكنانة مـصـر، يـفـوق عــدد األصــفــار فـي ذلك الرقم املالي ما ال يمكن تصور حسابه للعادة مــن الــجــزائــريــن، وصـــل عـنـد الـــواحـــد منهم، وهو حاليا في السجن، إلى 500 مليار دينار، بـــل إن أحــدهـــــم، وهـــو يـــجـــاوره فـــي الــســجــن، أيــــضــــا، مــــع بـــــدء الـــعـــمـــل بـــمـــشـــاريـــع الــهــاتــف املـــحـــمـــول، ضـــيـــع عــلــى الــخــزيــنــة الـعـمـومـيـة مئات املاين من الـــدوالرات، في حملة نشر الـــهـــواتـــف الــثــابــتــة مـــن دون أن تـشـتـغـل في تناقض تام مع املقاربة االقتصادية الناجعة. وقـــد يــكــون مــن املـــجـــدي، هــنــا، تـتـبـع طبيعة املال الذي تم استرجاعه موزعا بن عقارات، شــركــات، أمـــوال منقولة، وقـــروض كـانـت في الحسابات ولم تصرف، وغيرها من األموال التي استطاعت العصابة االستحواذ عليها، الحصول عليها أو تحايلت للوصول إليها، وهــــي، لـضـخـامـة أحــجــامــهــا، ال يـمـكـن إال أن تــكــون تقريبية ملــا تـــم نـهـبـه، ودلــيــل ذلـــك أن مـخـزون العملة الصعبة، وفــق بـيـانـات بنك الـجـزائـر، فـي بـدايـة العقد األول مـن األلفية، كانت قربة مائتي مليار 194( مليار دوالر فـــي .)2012 وكـــيـــف أنـــهـــا تــبــخــرت بــعــد ذلــك بـعـامـن، أو كـــادت، حيث كـانـت بعض اآلراء االقتصادية بدأت في ،2014 في أثناء الحملة الــرئــاســيــة الـــرابـــعـــة، بـــإرســـال إشـــــارات إنـــذار على أن األزمة االقتصادية على األبـواب، مع انخفاض أسعار النفط في األسواق الدولية، وهو ما لم يلتقطه أقطاب العصابة لتستمّر في النهب العلني لأموال، وبخاصة أن ذلك تـزامـن مـع غـيـاب الـرئـيـس بوتفليقة، بسبب املـــرض، وتــولــي قــوى غير دسـتـوريـة الحكم، وفــق تعبير رئـيـس أركـــان الـجـيـش، املـرحـوم القائد صالح. هذا عن النهب العلني وأرقامه التقريبية مما كشفت عنه السلطة ملا تـم استرجاعه، وملا أعلن عنه الرئيس في اجتماعه مع الــوالة. أما الجانب اآلخر الذي يوصل املال املنهوب إلــى أبعد مـن الـرقـم الــذي تـم استرجاعه أو ذكــــره الــرئــيــس تـــبـــون، فـهـو يـنـاهـز األرقــــام التي تسمح باإلقاع االقتصادي، إذ جرى تضييع الـفـرصـة تلو األخــــرى، بـتـوفـر مال اإلقاع، ولم يستخدم باملقاربة الناجعة في بلد يملك كـل املــقــدرات واإلمــكــانــات ليكون قـــوة نــاشــئــة، ولــيــس بــلــدا ينتظر الـبـواخـر تأتيه بالقمح، باألدوية وبما هو ضروري للعيش مما يمكن إنتاجه في الجزائر التي تـنـوفـر عـلـى قــرابــة مـائـة مـلـيـون هـكـتـار من األراضــــي الــزراعــيــة بــن مــا هــو صـالـح ومـا يمكن استصاحه، خصوصا في الصحراء الجزائرية الشاسعة، ومــا يوجد فيها من مـيـاه جوفية وطـاقـة شمسية تكفي إلنــارة العالم ملاين السنن وتوفير الطاقة التي تـسـمـح بــاســتــخــراج املـــيـــاه وإنـــتـــاج مـايـن األطـــنـــان مــن الــقــمــح، الــتــمــور وغــيــرهــا مما تستورده الجزائر بمال النفط الناضب وما جرت سرقته، جراء ذلك. نأتي إلـى مثالن ملا يمكن أن يرفع رقـم 500 ألــــف مــلــيــار سـنـتـيـم 36( مــلــيــار دوالر) إلــى أضـعـافـه مــن خــال نـمـوذجـن، هما مشروع ديزرتك لتوفير الطاقة الشمسية لأوروبين من الجنوب الشرقي الجزائري، واآلخر الذي ســمــي، جـــزافـــا، صـنـاعـة الـــســـيـــارات، وهـــو لم يتجاوز حد نفخ العجات. لم ينجز املشروع األول بسبب تردد السلطة في الجزائر، عندما عرضت عليها املشروع أملانيـا، ويتمثل في استخدام الطاقة الشمسية مـن خــال مئات آالف من األلواح التي كانت ستسمح بتوليد الـطـاقـة وتـصـديـرهـا إلــى أوروبــــا، مــع توفير الــقــاعــدة الـتـكـنـولـوجـيـة وتـحـويـلـهـا إضـافـة إلــــى اســـتـــغـــال الـــصـــحـــراء وتــحــويــلــهــا، بعد فترة، إلى أرض صالحة للزراعة، وصوال، في النهاية، إلى العائد املالي الذي كان سيقارب مـائـة مـلـيـار يـــورو سـنـويـا مــن دون أن ينال ذلـك املــردود نضوب أو نقص بـل، مع تحول العالم إلى الطاقة النظيفة، كما يمكن للرقم أن يتضاعف، ويـشـكـل قـاعـدة لـدخـل منتظم يعمل على توليد التنمية االقتصادية. ملـاذا رفضت السلطة، آنــذاك، املشروع، وماذا خـسـرت الـجـزائـر مــن عــائــدات لـعـدم إنــجــازه، من ناحية، ومـاذا خسرت من فرص للتنمية وتغيير شكل املنطقة واقتصادها، من ناحية أخرى؟. أدعو املتهكمن على الرقم الذي ذكره الرئيس تبون إلى التفكير، مليا، في ترليون دوالر عـلـى أقـــل تـقـديـر ضـــاع عـلـى الـجـزائـر، جــــــراء عــــدم إنـــجـــاز املــــشــــروع، وتــريــلــيــونــات أخــرى مما ضـاع مـن تنمية وفـرصـة لتنمية الصحراء الجزائرية. أمـــــــا املـــــشـــــروع اآلخـــــــر الـــــــذي كـــلـــف الــخــزيــنــة العمومية مـلـيـارات الــــدوالرات فهو مشروع نفخ الـعـجـات الـــذي حـمـل، جـزافـا وتحايا، مسمى صناعة املركبات، واستفاد أصحابه مــــن مــــســــاعــــدات، وتـــحـــفـــيـــزات ضـــريـــبـــيـــة، بـل وإعـــــــفـــــــاءات، وصــــلــــت إلــــــى آالف املــــلــــيــــارات مــــن الـــدنـــانـــيـــر مــــن دون احـــتـــســـاب الـــفـــوتـــرة املـــتـــحـــايـــلـــة، بـــمـــا أصـــبـــح يــــعــــرف بــاملــبــالــغــة فـــي الـــفـــوتـــرة وضــــاعــــت، بــســبــبــهــا، مــلــيــارات الدوالرات قد تقارب، باحتساب عدد املصانع «الفنكوشية» واملبالغ التي تم بيع املركبات بـــهـــا لـــلـــجـــزائـــريـــن، وهـــــي أضــــعــــاف أســـعـــار الـسـيـارات فـي البلدان املــجــاورة بمواصفات أفضل من التي تم استيرادها. أدعـــو املتهكمن، هـنـا، أيــضــا، إلــى الـنـقـر في حـواسـيـبـهـم لـلـقـيـام بـعـمـلـيـات حـسـابـيـة قد تــوصــلــهــم، حـــقـــا، إلــــى أن الـــرقـــم الـــــذي ذكـــره الرئيس تـبـون صحيح، وسيتم العمل على ذكــــر مـــا هـــو أضـــعـــافـــه ألن الــعــصــابــة نهبت الــبــلــد، ُّوعــمــلــت عــلــى تـجـفـيـف ضــــرع الـبـقـرة التي عدوها حلوبا ولكن لهم، فقط، لو لم تقم جموع الحراكين في 2019 بتغيير بوصلة الـــفـــســـاد، وتــكــشــف تــلــك األرقــــــام املــهــولــة من النهب للمال العام. في النهاية، طرح أحدهم سـؤاال هاما بشأن الخيار الجدلي بـن التنمية والديمقراطية فـــي الـــجـــزائـــر، وكــــأن هــــذا الــخــيــار جــــدي بن أولويتن ال فكاك ألحداهما عن األخرى، حيث مــن دون التغيير نحو الديمقراطية ممثا فــي حـــراك فـبـرايـر 2019 لــم يـكـن فــي اإلمـكـان الكشف عن هـذه العمليات من النهب للمال العام الــذي أصبح محيرا، من حيث حجمه، ملن تهكم علينا وكأن كلمة وجدنا عند عائلة واحدة رقما من املال كبيرا يعني أننا وجدنا مــاال سـائـا، ولـيـس أن مـا سـرقـه واحـــد ممن ينتمون إلى تلك العصابة بلغ ذاك الحد، فما بالك إذا جمعنا كل األرقام وأطلعنا اآلخرين عما نكتشفه، يوما بعد يوم، من نهب ممنهج ومــنــظــم، وهـــو مـــا يــفــهــم، مـنـطـقـيـا، مـــن كــام رئيس الجمهورية وقبله وزير العدل. تلك هـي قـصـة الفساد فـي جـزائـر العصابة، واألرقام يمكن أن تكون أكبر، في مقبل األيام، وعـلـى املتهكم فهم الـفـسـاد بشقيه، النهب، التعويض ثـم حجم الـفـرص التنموية التي ضــيــعــت عــلــى بــلــد بـحـجـم قــــــارة، سينهض، حتما، في املدى املنظور. ولكن عندما سيتم الجمع بن األولويتن وليس الخيار بينهما. وتلك قصة أخرى..
ما ذكره الرئيس ليس خطأ، بل هو غيض من فيض، قيمة وفرصًا ضائعة، سيكون على الناهبين ردها إلى الحزينة
من دون التغيير نحو الديمقراطية ممثًال في حراك فبراير 2019 لم يكن باإلمكان الكشف عن عمليات النهب للمال العام الذي أصبح محيرًا