الفساد والوضع االقتصادي السيئ في مؤّشر 2022
يـا للحظ التعيس لاقتصاد، كـم هـو نـادر فــي قـــــراءات ونــقــد بــيــانــات املـــؤشـــر الـعـربـي الـــــــذي يـــنـــتـــظـــم املـــــركـــــز الــــعــــربــــي لـــأبـــحـــاث ودراســـة السياسات فـي إصـــداره. ربما ألن قضايا السياسة، كالّربيع العربي، ووضع الـديـمـقـراطـيـة، والــتــديــن والــعــروبــة، وحتى وســـائـــل الـــتـــواصـــل االجـــتـــمـــاعـــي هـــي أكــثــر صــخــبــا فـــي عــاملــنــا الـــعـــربـــي، وربـــمـــا ألنــهــا تناسب أحام املثقفن، كشريحٍة اجتماعية معنية باملواضيع األخيرة، أكثر من األولى. يظهر املؤشر بيانات، ويضع استنتاجات غاية فـي األهمية بشأن فكرة املـقـال؛ يقول إن األوضـــاع االقتصادية ملواطني املنطقة العربية غير مرضية، وإن دخول نسبة %42 تـغـطـي فـقـط احـتـيـاجـاتـهـم األســاســيــة، وال يستطيعون االدخـــار (أســر الكفاف) بينما %28 تـعـيـش فـــي حـــالـــة عـــــوز وحـــاجـــة، وال تغطي دخولهم احتياجاتهم، ويعتمدون، وهذا املأساوي، على املعونات واالقتراض (أسر العوز) وباستثناء مواطني الخليج، فإن مجموع الفئتن، هو07%، أي أن أغلبية الــشــعــب الــعــربــي تــعــيــش حـــالـــة اقــتــصــاديــة سيئة. وعـــن االتـــجـــاه الــعــام لـلـتـطـور، رأى %52 أنــه نـحـو األســـــوأ، ومـــن هـــذه الـنـسـبـة %40 عــزوا األمر إلى أسباب اقتصادية، بينما فقط %14 إلــــى األوضـــــــاع الـــســـيـــاســـة. وفــــي االســتــطــاع الــخــاص بـأسـبـاب الـــثـــورات الـعـربـيـة، أي بما يتعلق بـــ ،2011 رأت نسبة %25 أن السبب هو الفساد، %16و هو األوضاع االقتصادية، وأمــــا الــديــكــتــاتــوريــة فــــــ41%، والـديـمـقـراطـيـة لــم تـتـعـد %4 وكــذلــك الــكــرامــة، وأمــــا مقياس املؤامرة املحتكرة من محور املمانعة للثورات فــلــم تــــزد عـــن .%1 يـــؤكـــد املـــؤشـــر أن الـفـسـاد منتشر بنسبة ،%87 ومنذ .2011
ًّ تـــوضـــح الـــبـــيـــانـــات أعــــــاه أحـــــــوال األغـــلـــبـــيـــة العربية، وأن أوضاعها الكارثية كانت سببا لــلــثــورات، أي أن أهــــداف الـــثـــورات األسـاسـيـة هي تحسن األوضاع االقتصادية، ومكافحة الــــفــــســــاد؛ والــــفــــســــاد هـــــو مــــمــــارســــة تــنــتــمــي للسلطة وملؤسسات الدولة، بما فيه القطاع اإلنـــتـــاجـــي الــــعــــام، وهـــنـــاك األجــــــور املــتــدنــيــة بـالـقـطـاع الـــخـــاص، والــــذي يــنــدر بــه الـفـسـاد، حـــيـــث ســـيـــكـــون ضـــــد مـــصـــلـــحـــتـــه مـــبـــاشـــرة. القطاعات االجتماعية املتضررة من الفئتن، الـعـام والــخــاص، مختلفة أيـضـا، وهــذا يفتح النافذة نحو فهم أعمق لسبب اشـتـراك عـدة شرائح اجتماعية في الثورات، وكذلك التعدد السياسي وغير السياسي فيها، وربما هذا ما شوش وأعاق رؤية األسباب األكثر أهمية، ثم األقل، كما تظهرها بيانات املؤشر. جــــاءت الــعــوامــل األخـــــرى كــأســبــاب لـلـثـورات بعد العاملن أعاه، كمناهضة الديكتاتورية والـديـمـقـراطـيـة والــكــرامــة. إن تفسير انـــدالع الـــثـــورات بـــاألوضـــاع االقــتــصــاديــة والــفــســاد، كــأســبــاب أولــــى، يــعــود إلـــى انــتــهــاج األنـظـمـة الــعــربــيــة الــســيــاســات الــلــيــبــرالــيــة الـــجـــديـــدة، وااللـــتـــزام بــوصــفــات الــبــنــوك الــدولــيــة ونهب الـــقـــطـــاع الــــعــــام، والــــتــــي خـــفـــضـــت مــــن الـــدعـــم ومــكــتــســبــات األغــلــبــيــة فـــي الــعــمــل والـتـعـلـيـم والصحة والسكن، وأدت إلــى نتائج كارثية عـلـى قـطـاعـات الـصـنـاعـة والـــزراعـــة، وانـفـات األسعار، وهذا ما زاد من التذمر االجتماعي، وأوجــــد كتلة اجتماعية واســعــة، عـاطـلـة عن العمل أو بأجور زهيدة، كما أشــارت األرقــام أعــاه. وقــاد هـذا إلـى تكون الـثـورات شعبية، وانفجارية، وشارك بها ماين الناس، وربما هي السبب في «الـعـدوى» الثورية إلـى بقية الــبــاد الـعـربـيـة، والــتــي تـعـانـي مــن مشكات مماثلة. هــنــاك اتـــجـــاه فــكــري ســــاد أخـــيـــرا، يــؤكــد أن ثـورات السودان والعراق ولبنان، في 2019 ومـــا بــعــد، ومـــا يــحــدث فــي ســـوريـــة، أخــيــرا،
مـــن احـــتـــجـــاجـــات، يـمـكـن اعــتــبــارهــا ثــــورات اقتصادية، أو ثورات الجياع، بينما ثورات 2011 كـــانـــت ثـــــــورات حــــقــــوق، أي مــــن أجـــل الديمقراطية، وهذا يتطلب تدقيقا. واملسألة ليست بسيطة على هذا النحو، حيث ننبه إلـــــى عـــــدم االهـــتـــمـــام الــــجــــاد بــــأوضــــاع تـلـك األغلبية وال بكوارث السياسات الليبرالية في عام ،2011 وال بالواقع العربي عامة، وتم الركون إلى مطالب سياسية عامة، ولكنها تـأتـي بالبنود التالية لـلـثـورات، كما يقول املـؤشـر. ذلـك االهتمام بالديمقراطية، وعدا عما ورد في مقدمة املقال، فإنها، والحريات، كـــانـــت دائــــمــــا قــضــيــة أســـاســـيـــة فــــي بـــرامـــج املعارضات العربية، ومنذ عقود، وبسبب أن أغلبيتها «املعارضات» قوى ليبرالية، فهي بالضرورة ليست معنية بأوضاع األغلبية العربية؛ ما قلناه هنا ال يلغي أهميتها، بل نراها املدخل، ونقصد التحول الديمقراطي، نــحــو تـغـيـيـر أوضــــــاع األكـــثـــريـــة واملـجـتـمـع عامة. عــــامــــل آخــــــر لـــنـــقـــدنـــا هــــنــــا، يــتــعــلــق بـكـيـفـيـة النهوض بأوضاعنا، وسنفترض أن التحول الــــديــــمــــقــــراطــــي قـــــد حـــــــدث. فـــمـــا الـــعـــمـــل بـعـد الـديـمـقـراطـيـة؟ الحـــظ هــنــا، تـجـربـتـي تونس ومصر، ما قبل انقاب عبد الفتاح السيسي وقـــيـــس ســـعـــيـــد، وهـــنـــا يـــجـــب الــتــخــلــص مـن فــكــرة أن املــهــم أن تـتـحـقـق الــديــمــقــراطــيــة ثم نتكلم عما بعد، وهي على منوال، فلتنتصر الثورة، وال يهم ماذا بعد. أثبتت هذه األفكار كـــارثـــيـــتـــهـــا فــــي كــــل الــــعــــالــــم الــــعــــربــــي، حـيـث انــتــصــرت الـــثـــورة املـــضـــادة، وعــقــدت تحالفا مــشــيــنــا مــــع الـــكـــيـــان الـــصـــهـــيـــونـــي، وبــقــصــد إحكام قبضتها على العالم العربي وضمنها فلسطن. مجددا، القضية األدق عربيا، كيف نـنـهـض اقــتــصــاديــا، ونــغــيــر مــجــرى الـتـطـور عن أن يكون ريعيا ولصالح فئات قليلة من السلطات والتجار، ليكون االقتصاد منتجا وتـنـافـسـيـا عـلـى الـصـعـيـد الــعــاملــي، ولـفـائـدة األغلبية التي قامت بالثورات. ولهذا، هناك استنتاج إن الـثـورات ستحدث مـجـددا ما لم يتجه االقتصاد نحو قطاعات الصناعة أوال، والـــزراعـــة ثـانـيـا كـمـا تـــم فــي الــصــن وكــوريــا الجنوبية والنمور اآلسيوية، وبذلك تتوفر فرص العمل لأغلبية. يستلزم التحول نحو االقتصاد الصناعي تجفيف منابع الفساد، وســـــوء األوضـــــــاع االقـــتـــصـــاديـــة بـــالـــضـــرورة، وبالتالي، كيف ستتحقق هذه القضية؛ هنا القضية الــجــذريــة. يـضـع «املـــؤشـــر» مبضعه عـلـى املـشـكـلـة الـحـقـيـقـيـة فـــي الــعــالــم الـعـربـي عبر العنصرين السابقن؛ فـإذا كـان تجفيف الــفــســاد يـتـطـلـب الـــحـــريـــات والــديــمــوقــراطــيــة وتــفــعــيــل الـــنـــقـــابـــات والــــحــــريــــات الـصـحـفـيـة ومشاركة الشعب في املؤسسات، فإن تجاوز األوضــاع االقتصادية السيئة غير ممكن من دون اقتصاد صناعي أوال. ولكن القضية هنا، من سيسمح باقتصاد منتج، عامليا ومحليا؛ ســـيـــمـــا أن الـــســـيـــاســـات الـــلـــيـــبـــرالـــيـــة تــفــرض نفسها عامليا، وبلداننا ضمنها، وهـي ضد االقـتـصـاد املـنـتـج، ومــع الـتـجـارة واالقـتـصـاد الــريــعــي، وجـعـل أســواقــنــا أســـواقـــا للشركات العاملية، وفـي ذلـك تلعب الصن دورا كبيرا، وهـنـاك رؤوس األمـــوال العربية التي تفضل الربح السريع، أي التجارة والبنوك وبالطبع االقــتــصــاد الــريــعــي، وسـتـكـون فـاعـلـة فــي أيــة سلطة مقبلة، أو مستمّرة. كـمـا حـــدد املـــؤشـــر الـسـبـبـن، األول والـثـانـي، لـــلـــثـــورات، حــــدد أن الــشــعــوب تـفـضـل الـنـظـام الديمقراطي، ،%71 وصحيح أن تقييم مؤشر
ا، تقريبا، خمسة مـــن عــشــر درجـــــــات، إال أنـــــه اعــتــبــرهــا أفـضـل أشــــكــــال الـــحـــكـــم. وبـــالـــتـــالـــي، هـــنـــاك ضـــــرورة لـــرؤيـــة فــكــريــة وســيــاســيــة، تـــعـــزز مـــن أهمية الديمقراطية، وضــرورة االقتصاد الصناعي بــشــكــل رئـــيـــســـي، والــــســــؤال: مـــن هـــي الــفــئــات واألحزاب والقوى، أو أية فعاليات مجتمعية لها مصلحة في ذلك. ستنتقد ماحظاتنا، بأنها أراء خاصة، وهي كذلك، ولكن الـسـؤال يظل قائما، كيف يمكن تجنب الديكتاتورية أو أي شكل من أشكال الـــحـــكـــم الــتــســلــطــي، واالقــــتــــصــــاد الــلــيــبــرالــي والــريــعــي مــن جــديــد، وحـــل مشكلة األغلبية الــعــربــيــة املــهــمــشــة، الــتــي بـعـضـهـا فـــي حـالـة عـــوز واألخــــرى فــي حــالــة كــفــاف، واالستثناء هو مواطنو الخليج بسبب قلة العدد وكثرة الـنـفـط والـــغـــاز، والـتـنـويـع فــي االقــتــصــاد في الـــعـــقـــد األخــــيــــر، ونـــــــدرة الـــفـــســـاد، كـــمـــا يــقــول املؤشر.
هناك استنتاج إن الثورات ستحُدث مجددًا ما لم يتجه االقتصاد نحو قطاعات الصناعة أوًال، والزراعة ثانيًا
ثورات السودان والعراق ولبنان، في 2019 وما بعد، وما يحدث في سورية، أخيرًا، من احتجاجات، يمكن اعتبارها ثورات اقتصادية، أو ثورات جياع