Al Araby Al Jadeed

مشكلة ياسر العظمة

- علي سفر

عــلــى هـــامـــش الــــواقـ­ـــع الــســيــ­اســي الـــراهــ­ـن، تــــجــــ­رنــــا تـــصـــري­ـــحـــات الــــفـــ­ـنــــان الـــــســ­ـــوري، يــاســر الــعــظــ­مــة، الــتــي ألــقــى فـيـهـا تـبـعـات تشتت السورين في املنافي على أسباب اقـــتـــص­ـــاديـــة ومـــجـــت­ـــمـــعــ­ـيـــة، إلـــــى مـــراجـــ­عـــة سريعة لطريقة تعاطي شريحة املمثلن وغــيــرهـ­ـم، مــع واقــعــهـ­ـم وجــمــهــ­ورهــم، منذ عام .2011 قـــضـــت الــــثـــ­ـورة الـــســـو­ريـــة املـــنـــ­ضـــويـــة فـي مـوجـة الربيع العربي األولـــى على أحـالم الـــفـــن­ـــانـــن الـــســـو­ريـــن بــشــكــل عـــــام فــــي أن يقدموا أعمالهم مـن دون منغصات، وأن تستمر مكاسبهم، مـن دون «وجــع رأس» تسببه السياسة، واملواقف التي تتطلبها! كانت سيطرة نظام األسد األب على الدولة الـــســـو­ريـــة بــكــل مــؤســســ­اتــهــا تــعــنــي، قبل أي شـــيء، أن عـلـى الجميع أن يـمـر بفلتر التأييد، وعـــدم االعــتــر­اض، وإال كــان على صاحب املوقف أن يرحل، أو أن يعاني من التهميش، حتى الوصول إلى االمحاء عن الخريطة، وهنا يمكن تذكر أسماء ممثلن ومخرجن لم يستطيعوا التآلف مع واقع املـؤسـسـا­ت الفنية، فــقــرروا أن يهجروها، نحو أعـمـال أخـــرى، بينما أصيب آخــرون بـــاضـــط­ـــرابـــا­ت نـفـسـيـة جـعـلـتـهـ­م يـــقـــرر­ون االنـــتــ­ـحـــار! هـــذا مـــا فـعـلـه فـــي لـحـظـة يــأس مطلقة املمثل واملخرج فؤاد الراشد، فغادر املشهد في ذروة تألق الدراما السورية! لم تفعل أحداث الثورة في عام 2011 شيئًا سوى أنها وضعت املمثلن وغيرهم أمام االســـتــ­ـحـــقـــا­ق املـــــــ­ــزدوج، فـــإمـــا أن يــذهــبــ­وا إلــــــى تــجــســي­ــد مـــعـــنـ­ــى االلــــــ­تــــــزام بــقــضــا­يــا الناس، بعد أن شكل هـؤالء أمجاد الفنان وشهرته، أو أن يلوي برأسه صوب نظام األسد االبن، الذي لطاملا اعتبر نفسه وليًا لـلـنـعـمـ­ة، وقـــد جـــاء الـــوقـــ­ت لــكــي يـــــردوا له الدين! أيًا كان املوقف تجاه ما حصل، فإن

له أثمانًا، يجب دفعها، فإذا كانت جماهير الـثـائـري­ـن تـقـرظ مـوقـف الصامتن مقابل مواقف من شبحوا لألسد على الشاشات، فـــإن مـــن ســـمـــوا الـــرمـــ­اديـــن لـــم يــنــجــو­ا من انتقادات الجمهور، الذي اختلفت معاييره بعد 12 سنة، مليئة بمآٍس كبرى، لم يمّر مثلها على أحد. كـــان مـفـهـوم االلـــتــ­ـزام فــي الــفــن ســائــدًا في التجارب الفنية السورية منذ ستينيات القرن املـاضـي، وتحت هالة الفنان املهتم بقضايا املجتمع وحظوته، أنتجت أعمال مـسـرحـيـة وسـيـنـمـا­ئـيـة ودرامــــي­ــــة كـثـيـرة، وفي إهاب العالقة مع النظام، جرى تقزيم «مروحة» املفهوم، ليصبح التزامًا مطلبيًا، يختص بالحاجيات اليومية البسيطة، بــعــد أن تــحــولــ­ت حـــيـــوا­ت الـــســـو­ريـــن إلــى أزمـــات خبز ومـــواد تموينية ومحروقات وفساد موظفن في الدوائر العامة. وفـي تحليل الواقعة وردود األفـعـال على حديثه «األعـــرج» في «يوتيوب» قبل أيام عـــن أســـبـــا­ب هـــجـــرة الـــســـو­ريـــن، ال يـخـرج مـنـطـق يـــاســـر الــعــظــ­مــة عـــن ســـيـــاق إدمــــان املـمـثـلـ­ن الــســوري­ــن الــعــالق­ــة مـــع السلطة الــــتـــ­ـي كــــانـــ­ـت تـــســـمـ­ــح لـــهـــم أن يـــقـــول­ـــوا مـا يريدون، طاملا أن التزامهم الفني محسوب على مقاسها، ومضبوط وفق إيقاعها. وقــــع صـــاحـــب مـسـلـسـل «مــــرايــ­ــا» الـشـهـيـر فــــي مــشــكــل­ــة يـــعـــان­ـــي مـــنـــهـ­ــا كـــثـــيـ­ــرون مـن زمالئه، وهي انقطاعهم الذهني عن عمق أحــــوال الــســوري­ــن، إنــهــم يــــرون كــل شــيء، ويــعــرفـ­ـون تـفـاصـيـل مـــا يـــجـــري، لـكـن ثـمـة هوة بن املشاهدة والتفسير، ال يستطيع بعضهم، ألسباب ذاتية، تجاوزها، بينما يعجز آخـرون عن فعل ذلك ألسباب ذاتية ومـــوضـــ­وعـــيـــة فــــي آن مـــعـــًا، كــارتــبـ­ـاطــهــم بشكل فـاقـع مــع الــنــظــ­ام. وإذا نـظـرنـا إلـى األمــر بحسن نية، فـإن ياسر العظمة بعد أن جرب العودة إلى الشاشة خالل الفترة املاضية عبر مسلسل «السنونو» الذي لم

لم يفهم ياسر العظمة أن النمط السلوكي لعموم السوريين قد تغير

يـلـق الـنـجـاح املـــأمــ­ـول، لــم يفهم أن النمط الـــســـل­ـــوكـــي لـــعـــمـ­ــوم الـــســـو­ريـــن قــــد تــغــيــر، لسببن: اضــطــراب هـائـل أحـدثـتـه الـثـورة بمنعكساتها اإليجابية والسلبية، وحالة االنـــفــ­ـتـــاح الـــكـــب­ـــرى الـــتـــي يـعـيـشـهـ­ا سـكـان الكوكب كلهم، على تجارب بعضهم الفنية، من خالل اإلنترنت وشبكات التواصل. الذهاب إلى إعالن أسباب أي حدث، وإعالن املوقف منه لم يعد ترفًا، في الوقت الحالي، ألن أحــــدًا ال يستطيع إخــفــاء الـتـفـاصـ­يـل، التي يتم فضحها، على املستوى العاملي، فكيف بقضايا محلية تـخـص الجمهور الــذي ينتمي لـه الفنان. وإذا كــان العظمة يعتقد أن مـراوغـتـه قـد تبقيه فـي الوسط بـن املـعـارضـ­ن واملـؤيـدي­ـن، فــإن مـا حـدث، سيما غضبة الـطـرفـن عـلـى تصريحاته تـؤكـد أن املشكلة ليست فقط فـي موقفه، غير الواضح، بل هي أيضًا في عدم إدراك أن مـزاج الجمهور وحساسيته قد تغيرا، وأن ذلـك سـيـؤدي بـه شخصيًا، مـع غيره، إلــى تخلف الــرؤيــة، بينما يتطور التلقي لـــدى املــشــاه­ــديــن الــســوري­ــن الـــذيـــ­ن بـاتـوا يشعرون أنهم ينتمون إلى العالم بعد أن حجبوا عنه طويال.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar