Al Araby Al Jadeed

دبابات أبرامز وليوبارد في أوكرانيا

- فاطمة ياسين

لعبت الدبابات الدور األهم في الحروب التقليدية خال القرن العشرين. وقد شكلت معركة كورسك في الحرب العاملية الثانية، بني قوة مدرعة سوفييتية وأخرى أملانية، الحد الفاصل في تغير ميزان القوى في الحرب لصالح السوفييت، فقد خاضت الدبابات أكبر معارك التاريخ، حيث وجـــدت على أرض املعركة ثاثة آالف دبابة أملانية، وضعف هـذا العدد من الدبابات السوفييتية. بــدأت املعركة بهجوم أملاني بالدبابات جرى احتواؤه بعد خسائر سوفييتية فادحة، ثم تحول السوفييت إلى الهجوم بالدبابات أيضًا، وانجلت املعركة عن انتصار سوفييتي حاسم، لم تقم بعده قائمة للجيش األملاني، الذي بدأ تراجعًا دراميًا عبر األراضي املحتلة في أوروبا، ولم تتوقف الدبابات السوفييتية حتى وصلت إلى معقل هتلر في قلب برلني. كان الفضل األول في هذا االنتصار للدبابة التي عمل عليها السوفييت بكثافة، وجرى تصنيع أعداد هائلة منها كفلت لهم في النهاية النصر الكبير، لكن مفهوم الدبابة العسكري هجومي أصا، ففكرتها تتلخص في نقل عتاد ثقيل إلى الخطوط املتقدمة بأفضل سرعة ممكنة وبأقل خسائر، وترجمت هذه الفكرة لكتلة فوالذ ضخمة محملة باألسلحة وأجهزة اإلرشـاد والتوجيه، يقودها عدة أشخاص، وال تزال هذه الفكرة في أذهان القيادة الروسية. ولذلك عبر مسؤولون روس بوضوح عن خشيتهم من وصول دبابات إلى أوكرانيا، ألن هذا يعني أن الجيش األوكراني قد يتحول إلى الهجوم عند امتاكه العدد املطلوب منها. طفا حديث الدبابات على السطح بعد أن عاد الجيش الروسي ليحرز بعض التقدم في الشرق، عقب مرحلة من املد األوكراني الكاسح الذي استعاد فيه جزءًا كبيرًا من أراضيه املحتلة. أعلنت مجموعة فاغنر عن تقدمها إلى بلدة سوليدار وسيطرتها عليها بالكامل، ودق هـذا اإلعــان الخطر في الـدوائـر الغربية، وخشية من عودة التمدد الروسي. وطالب الرئيس األوكراني فولوديمير زيلينسكي بالدبابات الغربية الــقــادر­ة على أخــذ زمــام املــبــاد­رة، والــعــود­ة إلــى سـولـيـدار، ومنها إلــى تحرير باقي األراضي األوكرانية. تردد الغرب قليا قبل أن يستجيب للطلب األوكراني، ثم بدأ بالفعل في إرسال بعض الدبابات املتوفرة في مخازنه، وهي أعداد تنقص كثيرا عن العدد الذي حدده زيلينسكي. ولكن لهذه الخطوة معنى سياسيا يتعدى مجرد املوافقة على إرســال مزيد من األسلحة، بل التوكيد على أن الحرب ما زالـت ذات شكل تقليدي. ويشكل وجود الدبابة العمود الفقري في هذا التوكيد، فهذا الكيان العسكري كان األسـاس في كل حروب القرن املاضي التقليدية. وتوريد الدبابات اليوم ال يتعدى وظيفة استعادة األرض التي خسرها زيلينسكي، ولكن السياسيني الـــروس، وكما هـو متوقع، التقطوا اإلعـــان عـن إرســـال الـدبـابـا­ت واعـتـبـرو­ه خرقا لقواعد موضوعة وتهديدا مباشرا. أما ردهم فلم يتجاوز إظهار الحنق والغيظ من الخطة الغربية الجديدة. ال يـوجـد تغيير كبير فـي الـقـواعـد الـتـي أرسـيـت بـني الـغـرب وروســيــا فـي الحرب األوكـرانـ­يـة، فقد كـان الـغـرب يرسل دبـابـات روسـيـة الصنع مـن مخزونه السابق، وهي دبابات يعرف األوكرانيو­ن كيفية التعامل معها، والدبابات الجديدة لن تبدد التعطش الروسي إلى مزيد من الحرب، ولم تحقق شيئا من أهدافها بعد، والغرب بدوره يتابع ويراقب، وهو حريص على عدم سقوط أوكرانيا، وحريص أكثر على عدم توسيع نطاق الحرب بما يتعدى األسلوب الكاسيكي لحروب القرن املاضي، بحيث يبقي الروس منشغلني إلى أقصى حد بتعداد خسائرهم أو بالتخطيط ملزيد من الهجمات، كما أن استمرار الحرب يحرم الــروس من كثير من أسلحتهم، أو يخفف من فاعليتها، كساح الغاز املصدر إلى الغرب الذي كان الرئيس الروسي فاديمير بوتني يشهره دائمًا، فقد تم في الفترة املاضية تخليق بدائل فعلية، وهناك إمكانية لزيادتها، وقد أمنت هذه البدائل ألوروبا طاقة خال األشهر الطويلة التي استغرقتها الحرب، ومزيد من الوقت يعني مزيدًا من تحييد روسيا، أما دبابات أبرامز وليوبارد التي انتشر خبر توريدها أخيرا فهي عامل إطالة أكيد للحرب.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar