Al Araby Al Jadeed

تركيا وحسابات االستقطاب االنتخابية

- بشار نرش

في انتخابا ٍت رئاسي ٍة وبرملاني ٍة تعد األكثر أهمية وحساسية فـي تـاريـخ الجمهورية الـتـركـيـ­ة الـحـديـثـ­ة املـمـتـد مـنـذ قــــرن، وبعد تقريب موعد إجرائها إلـى 14 مايو/ أيار املــقــبـ­ـل عـــوضـــًا عـــن 18 يـــونـــي­ـــو/ حـــزيـــر­ان، حسب تصريحات الرئيس أردوغـان، يبدو أن املـــشـــ­هـــد الـــســـي­ـــاســـي الـــتـــر­كـــي ســيــكــو­ن، فــي األشــهــر القليلة املـقـبـلـ­ة، أكـثـر سخونة ونـشـاطـًا، وسيشهد مـزيـدًا مـن الــحــراك في خريطة التحالفات واالستقطاب­ات الحزبية العابرة لأليديولوج­يات والتوجهات. املتتبع للمشهد التركي الحالي والتحالفات الرئيسية التي تدور في فلك ثاثة تحالفات أســـاســـ­يـــة، وهـــي تــحــالــ­ف الــشــعــ­ب الــحــاكـ­ـم، وتــحــالـ­ـف الـــطـــا­ولـــة الــســداس­ــيــة املـــعـــ­ارض، وتـحـالـف العمل والـحـريـة املــكــون مـن ستة أحـــــزاب كـــرديـــ­ة ويــســاري­ــة مــعــارضـ­ـة، يـــدرك مــدى حساسية هــذه االنـتـخـا­بـات وأهمية التحالفات. فــي حــســابــ­ات هـــذا االسـتـقـط­ـاب الـــذي يـعـد جزءًا من املشهد السياسي التركي، يتبنى تحالف املعارضة مقاربة تميل إلى التركيز على التحديات الداخلية، وخصوصًا في ما يتعلق بالعامل االقتصادي، وموضوع الـــاجـــ­ئـــني الــــســـ­ـوريــــني، فــــي مــــحــــ­اولــــة مـنـه إللحاق أول هزيمة بأردوغان الذي لم يذق طعم الهزيمة في 13 انتخابًا متتاليًا. وفـي ما يتعلق بالعامل االقتصادي الذي يـــعـــد مـــن أكـــثـــر الـــعـــو­امـــل تـــأثـــي­ـــرًا فـــي قـــرار الـــنـــا­خـــب الـــتـــر­كـــي، تـــعـــول املـــعـــ­ارضـــة على الـحـالـة االقـتـصـا­ديـة املـتـرديـ­ة الـتـي تعاني مــنــهــا الـــبـــا­د الســتــقـ­ـطــاب الـــنـــا­خـــب، فبنت خطابها االنتخابي وتحركاتها الداخلية على االنتقاد الواسع لسياسات الحكومة االقـتـصـا­ديـة واملــالــ­يــة واملـعـيـش­ـيـة، وقـدمـت خطابًا يقوم على وعـوٍد انتخابيٍة تحاكي عــواطــف الناخبني املستائني مــن التراجع املــتــسـ­ـارع لــجــودة حـيـاتـهـم، بـعـد أن وصـل الـتـضـخـم إلـــى %85 فـــي أكــتــوبـ­ـر/ تشرين األول املاضي، قبل أن يتراجع إلى %64 في الــوقــت الــراهــن. كـذلـك ربـطـت هــذا الخطاب االنـــتــ­ـخـــابـــ­ي بــاســتــ­راتــيــجـ­ـيــة تــعــتــم­ــد على

ٍٍ الـــتـــق­ـــرب مـــن شـــرائـــ­ح مــعــيــن­ــة مـــن املـجـتـمـ­ع لتشتيت أصــواتــه­ــا، كالشريحة املحافظة التي كانت تصوت تقليديًا لحزب العدالة والتنمية، من خال تقديم وعوٍد اقتصاديٍة وخــطــاب جــديــد يـهـدف إلــى بـنـاء الثقة مع

ٍّ هذه الفئة، معولة في ذلك على االنشقاقات التي أصـابـت الـحـزب بعد تأسيس كـل من علي بابا جــان وأحـمـد داود أوغـلـو حزبي الــديــمـ­ـقــراطــي­ــة والـــتـــ­قـــدم واملــســت­ــقــبــل. وفــي مــا يتعلق بـمـوضـوع الـاجـئـني السوريني الــــذي تـــحـــول إلـــى مــلــف ســيــاســ­ي بـامـتـيـا­ز وخـــــرج عـــن طـبـيـعـتـ­ه اإلنـــســ­ـانـــيـــ­ة، بــعــد أن أصبح أحـد أهـم بنود املنافسة السياسية املستعرة بني األحزاب، والبرنامج الرئيس لـــبـــعـ­ــض األحــــــ­ــــــزاب املـــــعـ­ــــارضـــ­ــة املـــتـــ­طـــرفـــة الستقطاب الناخبني، فقد بنت املعارضة اســتــرات­ــيــجــيـ­ـتــهــا عــلــى تــحــويــ­ل هــــذا املـلـف إلـى ركــن أسـاسـي في الدعاية االنتخابية، فــانــتــ­قــدت ســيــاســ­ة الــحــكــ­ومــة تـــجـــاه ملف الــاجــئـ­ـني، وشــنــت هـجـومـًا عـلـى أردوغــــا­ن وحزبه، وعدته املسؤول عن هذه اإلشكالية الـــتـــي ربــطــتــ­هــا بـــارتـــ­فـــاع نــســبــة الــبــطــ­الــة، وغيرها من اإلشكاالت املجتمعية، وقدمت وعــــــــ­ـودًا بــــــإرج­ــــــاع الــــاجــ­ــئــــني والـــتـــ­صـــالـــح مـــــع الــــنـــ­ـظــــام الــــــسـ­ـــــوري فـــــي حـــــــال فــــوزهــ­ــا باالنتخابا­ت. على الطرف املقابل، بنى تحالف الحكومة اســتــرات­ــيــجــيـ­ـتــه االنـــتــ­ـخـــابـــ­يـــة الســتــقـ­ـطــاب الـنـاخـبـ­ني عـلـى ثــاثــة عـنـاويـن رئــيــســ­ة: )1 تذكير الناخبني األتـــراك بـاإلنـجـا­زات التي استطاع أردوغــــا­ن وحـزبـه تحقيقها خال العقدين املاضيني، والتي قد تدفع شريحة كـــبـــيـ­ــرة مـــن األتــــــ­ـراك إلــــى إيـــثـــا­ر االســـتــ­ـقـــرار والخبرة في إدارة الباد على الخوض في مــســار مـجـهـول مــع أحـــزاب املـعـارضـ­ة التي تــأتــي مـــن خــلــفــي­ــا ٍت مــتــبــا­عــد ٍة ومـتـنـاقـ­ضـ ٍة يمينيٍة ويساريٍة وقوميٍة. )2 تقديم حزمٍة مـــن إجــــــرا­ءات الـتـحـفـي­ـز االقـــتــ­ـصـــادي لـدعـم املـواطـن، كرفع الحد األدنــى لألجور بأكثر من ،%55 والسماح ألكثر من مليوني عامل بالتقاعد املبكر، وإطاق مشاريع لإلسكان االجتماعي بأسعار مخفضة جدًا ودفعات ميسرة. )3 تبني مشروع العودة الطوعية لــاجــئــ­ني الـــســـو­ريـــني، لـتـحـيـيـ­د هــــذا املـلـف عــن ســـيـــرو­رة االنــتــخ­ــابــات وسـحـبـه مــن يد املعارضة. وبالتالي، ستكون لهذه العوامل انعكاساتها الواضحة في خطط التحالفات وبــرامــج­ــهــا فـــي الــفــتــ­رة املــقــبـ­ـلــة، وسـيـكـون لها تأثيرها الـواضـح فـي إقـنـاع الناخبني بــالــتــ­صــويــت ملـــرشـــ­حـــي الـــتـــح­ـــالـــفـ­ــات وفــقــًا لتماسك رؤاها ومخططاتها وما تقتضيه مــتــطــل­ــبــات املـــرحــ­ـلـــة املــقــبـ­ـلــة، لــتــكــو­ن بـذلـك االنــتــخ­ــابــات املـقـبـلـ­ة مــن أكــثــر االنـتـخـا­بـات الـتـاريـخ­ـيـة فــي تـركـيـا الــتــي سيشتد فيها السباق، وتصل الـتـوتـرا­ت واالستقطاب­ات الــســيــ­اســيــة إلـــــى ذروتــــهـ­ـــا فــــي ظــــل إصـــــرار املـــــعـ­ــــارضـــ­ــة وحــــشـــ­ـدهــــا إلســـــقـ­ــــاط الـــنـــظ­ـــام الرئاسي، واستعادة النظام البرملاني الذي صوت الشعب ضده عام .2017

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar