Al Araby Al Jadeed

الواقع والتحديات تحت عنوان الرابطة اإلنسانية والتنمية والسالم االستجابة ألزمات قطاع غزة

- وديع محمود العرابيد

تركز معظم المشــاريع والبرامج الحالية في قطاع غزة على مقاربات إنســانية، لكنها لم تعد تســمح بتوفير الحد األدنى من مقومات الصمود. فضًلا عما تشهده هذه األيام من معاناة المانحين من إعياء مالي شديد، وضغط اقتصادي داخلي، األمر الذي أّدى إلى تدني حجم الدعم الخارجي لألزمات التي يعاني منها القطاع

يـــخـــضـ­ــع قــــطــــ­اع غـــــــزة لـــاحـــت­ـــال اإلســــرا­ئــــيــــ­لــــي املـــبـــ­اشـــر مـــنـــذ عـــام ،1967 ومـــنـــذ عـــــام ،2005 ادعـــــت إسرائيل االنسحاب منه، لكنها ما تزال قوة احـتـال وفـقـا للقانون الــدولــي. ومـنـذ ،2006 فرضت إسرائيل حصارا خانقا عليه، أدى مع ما تزامن معه من عــدوان عسكري وممنهج ومنظم إلى تدمير االقتصاد، وتفتيت سبل عــيــش الــســكــ­ان ووســـائــ­ـل اإلنـــتــ­ـاج. وتستمر انعكاسات هـذا الحصار والـعـدوان املستمر في إلحاق أضرار إنسانية وجسدية ونفسية عــلــى الـــســـك­ـــان بــشــكــل غــيــر مـــســـبـ­ــوق. تقصد إســرائــي­ــل مـــن هـــذه الــســيــ­اســات الــتــحــ­كــم في الـــنـــش­ـــاط الـــيـــو­مـــي لــلــســك­ــان وإشـــغـــ­الـــهـــم في هموم الحياة اليومية بحثا عن أسباب الرزق والعيش والحياة وسط أزمة إنسانية خانقة وبــنــيــ­ة تـحـتـيـة لـــم تــعــد تـمـتـلـك الـــقـــد­رة على اإلنـعـاش، بهدف شـل قدرتهم على الصمود واملـــقــ­ـاومـــة. أدت هــــذه األوضـــــ­ـاع بـمـنـظـمـ­ات أمـــمـــي­ـــة عــــديـــ­ـدة، أبــــرزهـ­ـــا األمـــــم املـــتـــ­حـــدة إلــى الـتـحـذيـ­ر بـــأن اســتــمــ­رار سـيـاسـات االحــتــا­ل بـــهـــذا األســــلـ­ـــوب املـــنـــ­افـــي لــإنــســ­انــيــة يــحــول الــقــطــ­اع ملـنـطـقـة غــيــر قــابــلــ­ة لـلـحـيـاة بحلول الـعـام .2020 يتجاوز عــدد سـكـان قطاع غزة اآلن مليوني نسمة، ويتحكم االحــتــا­ل في أسـلـوب حياتهم اليومي ضمن نظام رقابة محكم وواســع النطاق، بـات يعرف بأنه أول «سجن مفتوح في العالم». والــحــال هـــذه، سيما مــع اســتــمــ­رار االنـقـسـا­م السياسي الفلسطيني، وغياب استراتيجيا­ت وطــنــيــ­ة مـــوحـــد­ة ملـــقـــا­ومـــة الـــحـــص­ـــار، تــنــادي منظمات إنسانية وتنموية عـديـدة باتباع آلــــــيـ­ـــــات شــــامـــ­ـلــــة ومــــتـــ­ـكــــامــ­ــلــــة لـــاســـت­ـــجـــابـ­ــة لــأزمــات الناتجة عـن الــصــراع طـويـل األمــد، ومــن أبــرزهــا نهج الـرابـطـة الثاثية Triple( )Nexus أو نهج اإلنسانية والتنمية والسام ،)HDPNx( والـتـي تعني الـربـط بـن اإلغـاثـة والـتـنـمـ­يـة وبــنــاء الـــســـا­م. وهــنــاك إقــبــال من بعض الفاعلن الــدولــي­ــن، واملــانــ­حــن، لدفع املنظمات اإلنسانية في قطاع غزة إلى العمل ضمن هــذا الـنـهـج، إال أن طـرحـه فـي السياق الفلسطيني عموما يثير بعض اإلشـكـاال­ت (نـــذكـــر­هـــا الحــــقــ­ــا). وقــبــل اســتــكــ­شــاف بعض التحديات التي تواجه تطبيق نهج الرابطة الثاثية في قطاع غزة حالة دراسية، نشير إلــــى أن هــــذه الـــورقــ­ـة يـمـكـن أن تـفـيـد صــنــاع القرار، فيما يتعلق بالرابطة الثاثية، وحول مدى قابلية تنفيذ برامج تتخذ من الرابطة الثاثية منهجا للعمل في قطاع غزة.

األوضـاع اإلنسانية واالجتماعي­ة واالقتصادي­ة والسياسية

مـــع صــعــود حــركــة حــمــاس إلـــى الـسـلـطـة في قـــطـــاع غــــزة بـــن 10 و51 يـــونـــي­ـــو/ حـــزيـــر­ان 2007 أعــلــن االحـــتــ­ـال اإلســرائـ­ـيــلــي حـصـاره الـكـامـل عـلـى الـقـطـاع، والــــذي أحـبـط سـنـوات من النشاط اإلنساني والتنموي في منطقة جــــرى تــجــريــ­دهــا عـــن عــمــد مـــن كـــل مـقـومـات التنمية واالزدهار االقتصادي واملؤسساتي. وطـــــوال الــعــقــ­ود املــنــصـ­ـرمــة، نـشـطـت أطـــراف فاعلة عـديـدة مـن الـــدول واملنظمات الدولية واإلقــلــ­يــمــيــة، لـتـقـديـم املــســاع­ــدات الـخـارجـي­ـة للفلسطينين، وتنوعت نماذج االستجابة لـــأزمـــ­ات الــنــاتـ­ـجــة عـــن االحــــتـ­ـــال، وذلــــك مع مــا رافـقـهـا مــن خـلـل فــي آلــيــات اإلدارة داخــل املـــؤســ­ـســـات الــحــكــ­ومــيــة الـفـلـسـط­ـيـنـيـة. على الرغم من أن الواقع اإلنساني كان سيئا في غزة قبل الحصار، إال أن دخول الحصار حيز الـتـنـفـي­ـذ بـشـكـل كــامــل أدى إلـــى تـفـاقـم حالة التدهور لـأوضـاع اإلنسانية واالجتماعي­ة واالقتصادي­ة للسكان بنسبة تتراوح ثاثة أضعاف على األقل عما كان عليه الحال قبل الـــحـــص­ـــار. حـــالـــي­ـــا، يـعـيـش الــســكــ­ان فـــي غـــزة تحت نظام واســع مـن العقوبات املفروضة، بـمـا فــي ذلـــك عـــزل الـقـطـاع عــن الـنـظـام املـالـي الـــــدول­ـــــي واإلقــــل­ــــيــــم­ــــي، مــــا أدى إلـــــى تــدمــيــ­ر وســائــل التنمية املـحـلـيـ­ة، وزيــــادة الـتـعـرض لانتكاسات املتعلقة باملناخ، ونقصان املياه الصالحة للشرب، وخلل في مصادر الطاقة. ويــــــــ­ـــــــــا­م االحــــــ­ــــتـــــ­ـــــال اإلســــــ­ـرائــــــ­ـيـــــــل­ـــــــي عـــلـــى مــــــا وصـــــلــ­ـــت إلـــــيــ­ـــه األوضـــــ­ـــــــــا­ع اإلنــــسـ­ـــانــــي­ــــة واالجـــتـ­ــمـــاعــ­ـيـــة واالقـــتـ­ــصـــاديـ­ــة والــســيـ­ـاســيــة للشعب الـفـلـسـط­ـيـنـي، نــظــرا إلـــى سياساته االســتــع­ــمــاريــ­ة الــرامــي­ــة إلـــى تــجــريــ­د الشعب الفلسطيني مــن مـــــوارد­ه وأرضــــه وحـقـوقـه، والـتـي حـولـت قـطـاع غــزة إلــى منطقة تفتقر إلـــى كـــل مــقــومــ­ات الــصــمــ­ود وإعــــــا­دة الــبــنــ­اء. ونظرة إلى الواقع هناك تعد شاهدا حيا على ذلك، إذ وصل معدل البطالة مع نهاية العام 2022 إلـى حوالي ،47% بينما وصـل املعدل إلى 75% بن الشباب تحت سن 29 عاما. هذا إضافة إلى اعتماد حوالي ثلثي عدد السكان على املعونة اإلنسانية. قبل أن تنفذ إسرائيل سياسة الحصار على غزة بلغ معدل البطالة حوالي 19%-18 عام ،2000 وحوالي 34% عام 2006 وفقا ملا ذكرته منظمات أممية عديدة. جـــعـــلـ­ــت هـــــــذه األوضـــــ­ـــــــاع الـــــســ­ـــكـــــا­ن عـــرضـــة لـــــــان­ـــــــزال­ق إلــــــــ­ى خــــــط الـــــفــ­ـــقـــــر، تـــــتـــ­ــرافـــــ­ق مــع الهشاشة االقتصادية، والضعف الحكومي

لاستجابة لأزمات اإلنسانية واالجتماعي­ة واالقـــتـ­ــصـــاديـ­ــة. تـفـيـد تــقــاريـ­ـر األمــــم املـتـحـدة بـــأن حـــوالـــ­ي 81% مـــن الــســكــ­ان، 71% منهم الجئون يعانون من الفقر، أو يعيشون تحت خط الفقر الوطني، ومع تقليص املساعدات الــخــارج­ــيــة املــوجــه­ــة إلـــى قــطــاع غــــزة يتوقع تفاقم ظاهرتي الفقر والبطالة بن السكان. وتصطدم املحاوالت املتكررة للسكان في غزة للخروج عن حالة االعتماد على املساعدات الــــخـــ­ـارجــــيـ­ـــة والــــفــ­ــقــــر بـــخـــصـ­ــوصـــيــ­ـة تـتـمـيـز باستمرار واقع االحتال والحصار واإلغاق الـكـامـل، حيث مـا تــزال إسـرائـيـل ماضية في التحكم في دخول املواد والبضائع الغذائية وخروجها، وفرض رقابة مشددة على حرية الحركة والتنقل، والسفر من قطاع غزة وإليه، وحــــرمــ­ــان كــثــيــر­يــن مـــن املـــرضــ­ـى مـــن الــعــاج فــي الـــخـــا­رج، ومــنــع الــصــيــ­اديــن مــن الـصـيـد، وحــرمــان املـــزارع­ـــن مــن الـــزراعـ­ــة فــي املناطق الـــحـــد­وديـــة. ووفـــقـــ­ا ملـــا ذكــــره تــقــريــ­ر مـؤتـمـر األمــم املتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) الصادر في أواخــر عام ،2020 قــدرت التكلفة االقتصادية لاحتال اإلسرائيلي على قطاع غـزة خـال العقد املاضي فقط بحوالي 16.7 مليار دوالر. وكـــان لـوبـاء كوفيد أثــر سلبي على النظام الصحي في الـبـاد، وتفاقم مع تعامل االحتال اإلسرائيلي مع األزمـة، على أساس أنها أزمة أمنية ضاربة عرض الحائط بالتزاماته­ا املفروضة عليها، وفقا للقانون الدولي اإلنساني باعتبارها قوة احتال. عاوة على ذلك، ما يزال املجتمع الفلسطيني بكل مكوناته يكافح الحـتـواء األضـــرار التي تعرض لها القطاع عام 2022-2021 مع نقص حـاد في التمويل الحـتـواء أضــرار العمليات الـعـسـكـر­يـة مـنـذ عـــام ،2009 يــتــجــا­وز حاجز الثاثة مليارات دوالر كأضرار مادية مباشرة فقط. لـم يكن قطاع غـزة محصنا كذلك ضد تداعيات الحرب الروسية األوكرانية، إذ أدت الحرب، باإلضافة إلـى التدهور االقتصادي الـــــذي يــشــهــد­ه الـــعـــا­لـــم مـــن أزمـــــة فـــي الــطــاقـ­ـة واألمـــــ­ن الـــغـــذ­ائـــي، إلــــى عــــزوف املــانــح­ــن عن تمويل إعادة إعمار قطاع غزة. وعـــلـــى صــعــيــد الــــظـــ­ـروف الــســيــ­اســيــة، فشل الفلسطينيو­ن في تحقيق انتقال سياسي مـــرن فــي إثـــر االنـتـخـا­بـات التشريعية التي أدت إلى فوز حركة حماس عام ،2006 ومن ثم سيطرتها على قطاع غزة وطرد السلطة الــوطــنـ­ـيــة الـفـلـسـط­ـيـنـيـة مــنــهــا، تــتــرافـ­ـق مع نقص الخبرة املطلوبة في القيادة والحكم لدى الحركة. وعموما، بعد توقيع تفاهمات أوســــلــ­ــو، لــــم تـــحـــقـ­ــق عــمــلــي­ــات الـــتـــد­خـــل مـن الجهات الفاعلة املختلفة أية نتائج إيجابية على صعيد بناء السام الشامل واملستدام فــي املـنـطـقـ­ة، إضــافــة إلـــى اعــتــمــ­اد مـقـاربـات بــــنــــ­اء الـــــســ­ـــام الـــحـــا­لـــيـــة عـــلـــى نـــهـــج إدارة الـنـزاع وليس حله. ومـع استمرار الحصار اإلســرائـ­ـيــلــي والــــعــ­ــدوان الــعــســ­كــري املــتــكـ­ـرر واالنقسام الفلسطيني، تبقى هـذه املنطقة الساحلية هشة جــدا أمــام تحديات الحياة االجــتــم­ــاعــيــة واالقـــتـ­ــصـــاديـ­ــة والــســيـ­ـاســيــة، مـــا يــتــطــل­ــب الــبــحــ­ث عـــن مـــقـــار­بـــات جــديــدة لاستجابة لهذه األزمات.

تحّديات تنفيذ نهج الرابطة الثالثية

يــكــمــن الـــتـــح­ـــدي األول حــــن يـــطـــرح مـفـهـوم الــرابــط­ــة الـثـاثـيـ­ة فــي «تـــشـــوه مـفـاهـيـم مثل الـتـنـمـي­ـة والــــســ­ــام»، خــصــوصــ­ا فـــي الـسـيـاق الفلسطيني. ال بـد مـن معرفة أن قـطـاع غزة قــد تــعــرض إلـــى عملية ممنهجة تتمثل في اإلفــقــا­ر التنموي، أدت إلــى اعتماد املجتمع الفلسطيني على املساعدات الخارجية. هذا إضافة إلى ما تثيره برامج بناء السام من حـسـاسـيـة كـبـيـرة ونــقــد الذع داخــــل غالبية الــــجـــ­ـمــــهـــ­ـور الـــفـــل­ـــســـطــ­ـيـــنـــي، كـــــــون االحــــتـ­ـــال اإلسرائيلي يتبنى نهجا يعتمد على «إدارة الصراع»، من دون وجود أية بـوادر حقيقية لبناء سام دائم ومستدام في املنطقة. ووفقا ملـــقـــا­بـــلـــة مــــع مـــوظـــف فــــي إحــــــدى املــنــظـ­ـمــات اإلنسانية في قطاع غزة، أعرب مانحون عن اهتمامهم بالعمل ضـمـن الــرابــط­ــة الثاثية فـــي مـــجـــاا­لت مـثـل الـصـحـة والـتـعـلـ­يـم، ولـكـن ذلك يفتقر إلى وجود تعاريف واضحة لهذه املــفــاه­ــيــم، فــضــا عـــن غــيــاب خــطــط وبــرامــج تــحــدد كيفية تنفيذ هـــذا الــتــوجـ­ـه وأهـــدافـ­ــه. تعقد هـــذه الـحـقـائـ­ق تنفيذ نـهـج يـربــط بن العمل اإلنساني والتنمية والسام. يتعلق التحدي الثاني بـ «حساسية الوضع األمني» في قطاع غزة، نظرا إلى حالة النزاع املسلح التي تعاني منها املنطقة الستمرار إسرائيل «كسلطة احتال» في تعريض أمن املــدنــي­ــن واألعـــيـ­ــان املــدنــي­ــة لـلـخـطـر، بـمـا في ذلـــك اســتــمــ­رار املــقــاو­مــة املـسـلـحـ­ة للفصائل الفلسطينية، أبرزها حركتا حماس والجهاد اإلســــام­ــــي، بــالــتــ­زامــن مـــع اســـتـــم­ـــرار جـريـمـة الحصار ضد السكان املدنين. ويكافح قطاع غـــزة بالفعل مــع الـتـعـرض املـتـكـرر للقصف، فمنذ عام ،2003 ومع ظهور إرهاصات خطة فك االرتباط اإلسرائيلي األحادي الجانب عن قطاع غزة، وحتى عام ،2022 شنت إسرائيل ما يقارب اثنتن وثاثن حملة عسكرية ضد غزة، قتلت خالها آالف األشخاص وهدمت آالف املــنــاز­ل، ودمـــرت البنى التحتية بشكل كبير، كما تمنع إسرائيل إعادة إعمار القطاع، تاركة عشرات اآلالف من سكانه بدون مأوى، وعرضة لانتكاسات االجتماعية والنفسية والصحية. لــذا، فـإن أحـد العوائق الرئيسية أمام تنفيذ نهج الرابطة الثاثية في السياق الفلسطيني تصور غياب األمـن في السياق الفلسطيني، وتــكــرر مــوجــات الـعـنـف، األمــر الذي قد يسبب إحباطا لدى املجتمع الدولي. يؤدي هذا التحدي أيضا إلى عزوف املانحن عن توجيه التمويل لبرامج تتعلق بالتنمية والــــســ­ــام واقـــتـــ­صـــار املـــســـ­اعـــدات فــقــط على الجانب اإلنساني اإلغاثي. ثـالـثـا، يتطلب الـتـوجـه نحو تنفيذ الرابطة الــــثـــ­ـاثــــيــ­ــة قـــــــــ­ــــرارا ســــيــــ­اســــيـــ­ـا عــــلــــ­ى جــمــيــع املـسـتـوي­ـات الـداخـلـي­ـة واإلقليمية والـدولـيـ­ة. على املستوى الداخلي، يتطلب نهج الرابطة الـــثـــا­ثـــيـــة الــــتـــ­ـعــــاون مــــع املـــجـــ­تـــمـــع املـــحـــ­لـــي، منظمات وأفراد، والحكومة للسماح بتنفيذ مثل هــذه الـبـرامـج. على الصعيد اإلقليمي، يـتـطـلـب تـنـفـيـذ هــــذا الــنــهــ­ج تـــعـــاو­نـــا كــبــيــر­ا وفـــعـــا­ال، لـتـوفـيـر الـضـمـانـ­ات لــرفــع الحصار عن قطاع غزة وممارسة الضغط السياسي. بينما على املستوى الدولي، يجب أن يستمر الــــدعــ­ــم الـــــدول­ـــــي، وأال يـــتـــوق­ـــف مــهــمــا كــانــت الــظــروف، وفــي حــن يـجـري تعامل املجتمع الــــدولـ­ـــي مــــع أزمـــــــ­ات قـــطـــاع غــــــزة عـــلـــى أنــهــا إنــســانـ­ـيــة، يـجـب الــبــدء فــي مـــراعـــ­اة الـعـوامـل السياسية املعقدة فـي صــراع الفلسطينين مــع االحــتــا­ل اإلســرائـ­ـيــلــي. الـتـحـدي الـرابـع هـو الحاجة الـضـروريـ­ة لتنفيذ نهج الرابط الـــثـــا­ثـــيـــة واالســــت­ــــجــــا­بــــة عـــلـــى مـــســـتـ­ــويـــات عـالـيـة مــن التنسيق بــن املـنـظـمـ­ات الـدولـيـة واإلقــلــ­يــمــيــة واملــنــظ­ــمــات املـحـلـيـ­ة واملــانــ­حــن الــدولــي­ــن، بــالــتــ­زامــن مــع اســتــمــ­رار التمويل والـدعـم الخارجين لتطوير استراتيجيا­ت رابطة اإلنسانية والتنمية والسام. وياحظ في سياق قطاع غــزة، غياب التنسيق عالي املستوى بن الفاعلن الدولين واإلقليمين واملحلين، نظرا إلـى القيود املفروضة على غـــــــزة، بــســبــب ســـيـــاس­ـــة الـــحـــص­ـــار مــــن جــهــة، والـتـمـاه­ـي مـع متطلبات وشـــروط االحـتـال اإلسرائيلي في تقديم املساعدات الخارجية من جهة أخرى.

مـقـاربـات عملية لتنفيذ نهج الرابطة الثالثية

لــم يـسـجـل قــطــاع غـــزة تنفيذ بــرامــج تعتمد الرابطة الثاثية بوصفها نهجا في العمل، إال في مجال الصحة وبنسبة ضئيلة جـدا، مـقـارنـة بحجم التمويل املخصص للمجال اإلنساني. في السياق الفلسطيني املعاصر، حــــيــــ­ث تــــتــــ­داخــــل عـــــوامـ­ــــل عـــــديــ­ـــدة لــلــتــأ­ثــيــر السياسي العاملي والتدخل الدولي، يجب أن ينصب التركيز على تحديد أولويات الدعم الخارجي، بحيث تتوافق نماذج االستجابة لـــأزمـــ­ات مـــع دعـــم الــشــعــ­ب الـفـلـسـط­ـيـنـي في تقرير مصيره. تمثل املعركة ضد انتهاكات حـــقـــوق اإلنــــسـ­ـــان ودعـــــم الـــعـــد­الـــة االنـتـقـا­لـيـة والحرية مدخا مهما. عاوة على ما سبق، صحيح أن الظروف اإلنسانية في قطاع غزة تدفع إلى التركيز على تقديم تدابير طارئة، مــــن شـــأنـــه­ـــا تــخــفــي­ــف مــــعــــ­انــــاة األشــــخـ­ـــاص املتضررين مـن الــصــراع، ولكن هناك حاجة لتوجيه الدعم الخارجي لتعزيز القدرة على الصمود والتنمية املحلية على نحو طويل األمــــد ومـــســـت­ـــدام، مـــع الـتـفـكـي­ـر فـــي مــقــاربـ­ـات جــــديـــ­ـدة لــبــنــا­ء الـــســـا­م فـــي املــنــطـ­ـقــة تــراعــي الــــجـــ­ـذور الــعــمــ­يــقــة لـــلـــصـ­ــراع، واحـــتـــ­يـــاجـــا­ت «الــهــويـ­ـة واألمــــن والــقــبـ­ـول واالعــــت­ــــراف»، مع العمل على مقاربات تراعي جوانب اختال القوى بن الطرفن الفلسطيني واإلسرائيل­ي، ومعالجتها ضمن منهج شامل ومتكامل. ومـــع ذلــــك، ســـوف يــكــون الـبـحـث عـــن تـصـور ملــا تعنيه الـتـنـمـي­ـة والـــســـ­ام فــي قــطــاع غــزة على درجـــة عالية مــن اإلشـكـالـ­يـة، إذ يعتقد بـعـضـهـم بـــأن مــوضــوعـ­ـي الـتـنـمـي­ـة والــســام دخيان على املجتمع الفلسطيني، وآخرون يعتبرون مثل هذه املفاهيم وهما، حيث يتم تــصــور التنمية والــســام فــي مجتمع تحت سـلـطـة االحـــتــ­ـال أشــبــه بـــاألمــ­ـر الـتـعـجـي­ـزي، حـــيـــث يـــتـــوق­ـــف نـــجـــاح ذلـــــك بــشــكــل أســـاســـ­ي على إنهاء االحـتـال، فضا عن أن االحتال قد فكك املفهومن من خـال سياسة اإلفقار التنموي وتجميد عملية السام التي تحرم املجتمع الفلسطيني من مــوارده واقتصاده ووجـــــود مــؤســســ­ات قـــويـــة، وســيــاسـ­ـة إدارة الــــصـــ­ـراع الـــتـــي تــجــعــل مــــن الــــســـ­ـام الــشــامـ­ـل واملستدام أمرا مستحيا أيضا. كما أن عودة املــانــح­ــن إلـــى دعـــم قــضــايــ­ا اإلغـــاثـ­ــة قصيرة األمــــد فـــي قــطــاع غــــزة كــانــت نـتـيـجـة حتمية لتشوه مفهومي التنمية والسام في سياق االحـتـال اإلسرائيلي. لذلك، يمكن القول إن الـشـرط األول ملثل هــذه الـبـرامـج الـتـي تدمج بن العمل اإلنساني والتنمية والسام، هو تصميمها بشكل يتحدى سياسات الحصار اإلسرائيلي. ومع استمرار الجدل بشأن مدى نــجــاعــ­ة املـــســـ­اعـــدات الــخــارج­ــيــة فـــي تحقيق التنمية والسام في ضوء هذه الظروف التي تزيد ســـوءا يـومـا بعد يــوم، ال يعني وجـود االحتال فقدان القدرة على وجود مؤسسات قوية، سواء في الصحة أو التعليم أو القضاء أو حــتــى عــلــى صــعــيــد االقـــتــ­ـصـــاد الــوطــنـ­ـي، فعند النظر إلى سياق جنوب أفريقيا، وفي ظــل ســيــاســ­ات الـفـصـل الـعـنـصـر­يـة، إال أنهم كانوا يتمتعون بمؤسسات قوية إلى حد ما، وهنا يأتي التحدي في الحالة الفلسطينية. والستيعاب الحساسيات السياسية التي قد تبرز في السياق الفلسطيني، حن مناقشة مــفــاهــ­يــم الــتــنــ­مــيــة والــــســ­ــام، يــمــكــن تـوجـيـه هــذه الجهود عبر منظمات املجتمع املدني الـفـلـسـط­ـيـنـيـة واملــنــظ­ــمــات املــحــلـ­ـيــة، بــمــا في ذلـك عبر دعـم إنـشـاء مـراكـز مجتمعية، ومن خــــال إدمـــــاج الــجــيــ­ل الـفـلـسـط­ـيـنـي الــجــديـ­ـد. نـظـرا إلــى الخبرة الطويلة التي تتمتع بها هــــذه املــنــظـ­ـمــات، ســـيـــؤد­ي الــقــيــ­ام بــذلــك إلــى تـسـهـيـل الــتــعــ­امــل مـــع الــخــصــ­ائــص املــمــيـ­ـزة للسياق الفلسطيني، بما في ذلك القدرة على مـراعـاة (واستيعاب) الحساسيات الثقافية واالجـــتـ­ــمـــاعــ­ـيـــة الـــتـــي قــــد تـــنـــشـ­ــأ، واكـــتـــ­ســـاب منظور من الداخل، حول كيفية تنفيذ برامج الرابطة الثاثية في السياق الفلسطيني.

طوال العقود المنصرمة، نشطت أطراف فاعلة عديدة من الدول والمنظمات الدولية واإلقليمية، لتقديم المساعدات الخارجية للفلسطينيي­ن

وصل معدل البطالة في غزة مع نهاية 2022 إلى حوالي ،%47 بينما وصل المعدل إلى %75 بين الشباب تحت سن 29 عامًا

 ?? )Getty( ?? شبّان فلسطينيون يجلسون فوق أنقاض منزل مدمر في غزة ج ّراء عدوان إسرائيلي ‪2022 /8 /8‬
)Getty( شبّان فلسطينيون يجلسون فوق أنقاض منزل مدمر في غزة ج ّراء عدوان إسرائيلي ‪2022 /8 /8‬

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar