الواقع والتحديات تحت عنوان الرابطة اإلنسانية والتنمية والسالم االستجابة ألزمات قطاع غزة
تركز معظم المشــاريع والبرامج الحالية في قطاع غزة على مقاربات إنســانية، لكنها لم تعد تســمح بتوفير الحد األدنى من مقومات الصمود. فضًلا عما تشهده هذه األيام من معاناة المانحين من إعياء مالي شديد، وضغط اقتصادي داخلي، األمر الذي أّدى إلى تدني حجم الدعم الخارجي لألزمات التي يعاني منها القطاع
يـــخـــضـــع قــــطــــاع غـــــــزة لـــاحـــتـــال اإلســــرائــــيــــلــــي املـــبـــاشـــر مـــنـــذ عـــام ،1967 ومـــنـــذ عـــــام ،2005 ادعـــــت إسرائيل االنسحاب منه، لكنها ما تزال قوة احـتـال وفـقـا للقانون الــدولــي. ومـنـذ ،2006 فرضت إسرائيل حصارا خانقا عليه، أدى مع ما تزامن معه من عــدوان عسكري وممنهج ومنظم إلى تدمير االقتصاد، وتفتيت سبل عــيــش الــســكــان ووســـائـــل اإلنـــتـــاج. وتستمر انعكاسات هـذا الحصار والـعـدوان املستمر في إلحاق أضرار إنسانية وجسدية ونفسية عــلــى الـــســـكـــان بــشــكــل غــيــر مـــســـبـــوق. تقصد إســرائــيــل مـــن هـــذه الــســيــاســات الــتــحــكــم في الـــنـــشـــاط الـــيـــومـــي لــلــســكــان وإشـــغـــالـــهـــم في هموم الحياة اليومية بحثا عن أسباب الرزق والعيش والحياة وسط أزمة إنسانية خانقة وبــنــيــة تـحـتـيـة لـــم تــعــد تـمـتـلـك الـــقـــدرة على اإلنـعـاش، بهدف شـل قدرتهم على الصمود واملـــقـــاومـــة. أدت هــــذه األوضــــــاع بـمـنـظـمـات أمـــمـــيـــة عــــديــــدة، أبــــرزهــــا األمـــــم املـــتـــحـــدة إلــى الـتـحـذيـر بـــأن اســتــمــرار سـيـاسـات االحــتــال بـــهـــذا األســــلــــوب املـــنـــافـــي لــإنــســانــيــة يــحــول الــقــطــاع ملـنـطـقـة غــيــر قــابــلــة لـلـحـيـاة بحلول الـعـام .2020 يتجاوز عــدد سـكـان قطاع غزة اآلن مليوني نسمة، ويتحكم االحــتــال في أسـلـوب حياتهم اليومي ضمن نظام رقابة محكم وواســع النطاق، بـات يعرف بأنه أول «سجن مفتوح في العالم». والــحــال هـــذه، سيما مــع اســتــمــرار االنـقـسـام السياسي الفلسطيني، وغياب استراتيجيات وطــنــيــة مـــوحـــدة ملـــقـــاومـــة الـــحـــصـــار، تــنــادي منظمات إنسانية وتنموية عـديـدة باتباع آلــــــيــــــات شــــامــــلــــة ومــــتــــكــــامــــلــــة لـــاســـتـــجـــابـــة لــأزمــات الناتجة عـن الــصــراع طـويـل األمــد، ومــن أبــرزهــا نهج الـرابـطـة الثاثية Triple( )Nexus أو نهج اإلنسانية والتنمية والسام ،)HDPNx( والـتـي تعني الـربـط بـن اإلغـاثـة والـتـنـمـيـة وبــنــاء الـــســـام. وهــنــاك إقــبــال من بعض الفاعلن الــدولــيــن، واملــانــحــن، لدفع املنظمات اإلنسانية في قطاع غزة إلى العمل ضمن هــذا الـنـهـج، إال أن طـرحـه فـي السياق الفلسطيني عموما يثير بعض اإلشـكـاالت (نـــذكـــرهـــا الحــــقــــا). وقــبــل اســتــكــشــاف بعض التحديات التي تواجه تطبيق نهج الرابطة الثاثية في قطاع غزة حالة دراسية، نشير إلــــى أن هــــذه الـــورقـــة يـمـكـن أن تـفـيـد صــنــاع القرار، فيما يتعلق بالرابطة الثاثية، وحول مدى قابلية تنفيذ برامج تتخذ من الرابطة الثاثية منهجا للعمل في قطاع غزة.
األوضـاع اإلنسانية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية
مـــع صــعــود حــركــة حــمــاس إلـــى الـسـلـطـة في قـــطـــاع غــــزة بـــن 10 و51 يـــونـــيـــو/ حـــزيـــران 2007 أعــلــن االحـــتـــال اإلســرائــيــلــي حـصـاره الـكـامـل عـلـى الـقـطـاع، والــــذي أحـبـط سـنـوات من النشاط اإلنساني والتنموي في منطقة جــــرى تــجــريــدهــا عـــن عــمــد مـــن كـــل مـقـومـات التنمية واالزدهار االقتصادي واملؤسساتي. وطـــــوال الــعــقــود املــنــصــرمــة، نـشـطـت أطـــراف فاعلة عـديـدة مـن الـــدول واملنظمات الدولية واإلقــلــيــمــيــة، لـتـقـديـم املــســاعــدات الـخـارجـيـة للفلسطينين، وتنوعت نماذج االستجابة لـــأزمـــات الــنــاتــجــة عـــن االحــــتــــال، وذلــــك مع مــا رافـقـهـا مــن خـلـل فــي آلــيــات اإلدارة داخــل املـــؤســـســـات الــحــكــومــيــة الـفـلـسـطـيـنـيـة. على الرغم من أن الواقع اإلنساني كان سيئا في غزة قبل الحصار، إال أن دخول الحصار حيز الـتـنـفـيـذ بـشـكـل كــامــل أدى إلـــى تـفـاقـم حالة التدهور لـأوضـاع اإلنسانية واالجتماعية واالقتصادية للسكان بنسبة تتراوح ثاثة أضعاف على األقل عما كان عليه الحال قبل الـــحـــصـــار. حـــالـــيـــا، يـعـيـش الــســكــان فـــي غـــزة تحت نظام واســع مـن العقوبات املفروضة، بـمـا فــي ذلـــك عـــزل الـقـطـاع عــن الـنـظـام املـالـي الـــــدولـــــي واإلقــــلــــيــــمــــي، مــــا أدى إلـــــى تــدمــيــر وســائــل التنمية املـحـلـيـة، وزيــــادة الـتـعـرض لانتكاسات املتعلقة باملناخ، ونقصان املياه الصالحة للشرب، وخلل في مصادر الطاقة. ويـــــــــــــــــام االحــــــــــتــــــــــال اإلســـــــرائـــــــيـــــــلـــــــي عـــلـــى مــــــا وصـــــلـــــت إلـــــيـــــه األوضــــــــــــــاع اإلنــــســــانــــيــــة واالجـــتـــمـــاعـــيـــة واالقـــتـــصـــاديـــة والــســيــاســيــة للشعب الـفـلـسـطـيـنـي، نــظــرا إلـــى سياساته االســتــعــمــاريــة الــرامــيــة إلـــى تــجــريــد الشعب الفلسطيني مــن مـــــوارده وأرضــــه وحـقـوقـه، والـتـي حـولـت قـطـاع غــزة إلــى منطقة تفتقر إلـــى كـــل مــقــومــات الــصــمــود وإعــــــادة الــبــنــاء. ونظرة إلى الواقع هناك تعد شاهدا حيا على ذلك، إذ وصل معدل البطالة مع نهاية العام 2022 إلـى حوالي ،47% بينما وصـل املعدل إلى 75% بن الشباب تحت سن 29 عاما. هذا إضافة إلى اعتماد حوالي ثلثي عدد السكان على املعونة اإلنسانية. قبل أن تنفذ إسرائيل سياسة الحصار على غزة بلغ معدل البطالة حوالي 19%-18 عام ،2000 وحوالي 34% عام 2006 وفقا ملا ذكرته منظمات أممية عديدة. جـــعـــلـــت هـــــــذه األوضــــــــــــاع الـــــســـــكـــــان عـــرضـــة لـــــــانـــــــزالق إلــــــــى خــــــط الـــــفـــــقـــــر، تـــــتـــــرافـــــق مــع الهشاشة االقتصادية، والضعف الحكومي
لاستجابة لأزمات اإلنسانية واالجتماعية واالقـــتـــصـــاديـــة. تـفـيـد تــقــاريــر األمــــم املـتـحـدة بـــأن حـــوالـــي 81% مـــن الــســكــان، 71% منهم الجئون يعانون من الفقر، أو يعيشون تحت خط الفقر الوطني، ومع تقليص املساعدات الــخــارجــيــة املــوجــهــة إلـــى قــطــاع غــــزة يتوقع تفاقم ظاهرتي الفقر والبطالة بن السكان. وتصطدم املحاوالت املتكررة للسكان في غزة للخروج عن حالة االعتماد على املساعدات الــــخــــارجــــيــــة والــــفــــقــــر بـــخـــصـــوصـــيـــة تـتـمـيـز باستمرار واقع االحتال والحصار واإلغاق الـكـامـل، حيث مـا تــزال إسـرائـيـل ماضية في التحكم في دخول املواد والبضائع الغذائية وخروجها، وفرض رقابة مشددة على حرية الحركة والتنقل، والسفر من قطاع غزة وإليه، وحــــرمــــان كــثــيــريــن مـــن املـــرضـــى مـــن الــعــاج فــي الـــخـــارج، ومــنــع الــصــيــاديــن مــن الـصـيـد، وحــرمــان املـــزارعـــن مــن الـــزراعـــة فــي املناطق الـــحـــدوديـــة. ووفـــقـــا ملـــا ذكــــره تــقــريــر مـؤتـمـر األمــم املتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) الصادر في أواخــر عام ،2020 قــدرت التكلفة االقتصادية لاحتال اإلسرائيلي على قطاع غـزة خـال العقد املاضي فقط بحوالي 16.7 مليار دوالر. وكـــان لـوبـاء كوفيد أثــر سلبي على النظام الصحي في الـبـاد، وتفاقم مع تعامل االحتال اإلسرائيلي مع األزمـة، على أساس أنها أزمة أمنية ضاربة عرض الحائط بالتزاماتها املفروضة عليها، وفقا للقانون الدولي اإلنساني باعتبارها قوة احتال. عاوة على ذلك، ما يزال املجتمع الفلسطيني بكل مكوناته يكافح الحـتـواء األضـــرار التي تعرض لها القطاع عام 2022-2021 مع نقص حـاد في التمويل الحـتـواء أضــرار العمليات الـعـسـكـريـة مـنـذ عـــام ،2009 يــتــجــاوز حاجز الثاثة مليارات دوالر كأضرار مادية مباشرة فقط. لـم يكن قطاع غـزة محصنا كذلك ضد تداعيات الحرب الروسية األوكرانية، إذ أدت الحرب، باإلضافة إلـى التدهور االقتصادي الـــــذي يــشــهــده الـــعـــالـــم مـــن أزمـــــة فـــي الــطــاقــة واألمـــــن الـــغـــذائـــي، إلــــى عــــزوف املــانــحــن عن تمويل إعادة إعمار قطاع غزة. وعـــلـــى صــعــيــد الــــظــــروف الــســيــاســيــة، فشل الفلسطينيون في تحقيق انتقال سياسي مـــرن فــي إثـــر االنـتـخـابـات التشريعية التي أدت إلى فوز حركة حماس عام ،2006 ومن ثم سيطرتها على قطاع غزة وطرد السلطة الــوطــنــيــة الـفـلـسـطـيـنـيـة مــنــهــا، تــتــرافــق مع نقص الخبرة املطلوبة في القيادة والحكم لدى الحركة. وعموما، بعد توقيع تفاهمات أوســــلــــو، لــــم تـــحـــقـــق عــمــلــيــات الـــتـــدخـــل مـن الجهات الفاعلة املختلفة أية نتائج إيجابية على صعيد بناء السام الشامل واملستدام فــي املـنـطـقـة، إضــافــة إلـــى اعــتــمــاد مـقـاربـات بــــنــــاء الـــــســـــام الـــحـــالـــيـــة عـــلـــى نـــهـــج إدارة الـنـزاع وليس حله. ومـع استمرار الحصار اإلســرائــيــلــي والــــعــــدوان الــعــســكــري املــتــكــرر واالنقسام الفلسطيني، تبقى هـذه املنطقة الساحلية هشة جــدا أمــام تحديات الحياة االجــتــمــاعــيــة واالقـــتـــصـــاديـــة والــســيــاســيــة، مـــا يــتــطــلــب الــبــحــث عـــن مـــقـــاربـــات جــديــدة لاستجابة لهذه األزمات.
تحّديات تنفيذ نهج الرابطة الثالثية
يــكــمــن الـــتـــحـــدي األول حــــن يـــطـــرح مـفـهـوم الــرابــطــة الـثـاثـيـة فــي «تـــشـــوه مـفـاهـيـم مثل الـتـنـمـيـة والــــســــام»، خــصــوصــا فـــي الـسـيـاق الفلسطيني. ال بـد مـن معرفة أن قـطـاع غزة قــد تــعــرض إلـــى عملية ممنهجة تتمثل في اإلفــقــار التنموي، أدت إلــى اعتماد املجتمع الفلسطيني على املساعدات الخارجية. هذا إضافة إلى ما تثيره برامج بناء السام من حـسـاسـيـة كـبـيـرة ونــقــد الذع داخــــل غالبية الــــجــــمــــهــــور الـــفـــلـــســـطـــيـــنـــي، كـــــــون االحــــتــــال اإلسرائيلي يتبنى نهجا يعتمد على «إدارة الصراع»، من دون وجود أية بـوادر حقيقية لبناء سام دائم ومستدام في املنطقة. ووفقا ملـــقـــابـــلـــة مــــع مـــوظـــف فــــي إحــــــدى املــنــظــمــات اإلنسانية في قطاع غزة، أعرب مانحون عن اهتمامهم بالعمل ضـمـن الــرابــطــة الثاثية فـــي مـــجـــاالت مـثـل الـصـحـة والـتـعـلـيـم، ولـكـن ذلك يفتقر إلى وجود تعاريف واضحة لهذه املــفــاهــيــم، فــضــا عـــن غــيــاب خــطــط وبــرامــج تــحــدد كيفية تنفيذ هـــذا الــتــوجــه وأهـــدافـــه. تعقد هـــذه الـحـقـائـق تنفيذ نـهـج يـربــط بن العمل اإلنساني والتنمية والسام. يتعلق التحدي الثاني بـ «حساسية الوضع األمني» في قطاع غزة، نظرا إلى حالة النزاع املسلح التي تعاني منها املنطقة الستمرار إسرائيل «كسلطة احتال» في تعريض أمن املــدنــيــن واألعـــيـــان املــدنــيــة لـلـخـطـر، بـمـا في ذلـــك اســتــمــرار املــقــاومــة املـسـلـحـة للفصائل الفلسطينية، أبرزها حركتا حماس والجهاد اإلســــامــــي، بــالــتــزامــن مـــع اســـتـــمـــرار جـريـمـة الحصار ضد السكان املدنين. ويكافح قطاع غـــزة بالفعل مــع الـتـعـرض املـتـكـرر للقصف، فمنذ عام ،2003 ومع ظهور إرهاصات خطة فك االرتباط اإلسرائيلي األحادي الجانب عن قطاع غزة، وحتى عام ،2022 شنت إسرائيل ما يقارب اثنتن وثاثن حملة عسكرية ضد غزة، قتلت خالها آالف األشخاص وهدمت آالف املــنــازل، ودمـــرت البنى التحتية بشكل كبير، كما تمنع إسرائيل إعادة إعمار القطاع، تاركة عشرات اآلالف من سكانه بدون مأوى، وعرضة لانتكاسات االجتماعية والنفسية والصحية. لــذا، فـإن أحـد العوائق الرئيسية أمام تنفيذ نهج الرابطة الثاثية في السياق الفلسطيني تصور غياب األمـن في السياق الفلسطيني، وتــكــرر مــوجــات الـعـنـف، األمــر الذي قد يسبب إحباطا لدى املجتمع الدولي. يؤدي هذا التحدي أيضا إلى عزوف املانحن عن توجيه التمويل لبرامج تتعلق بالتنمية والــــســــام واقـــتـــصـــار املـــســـاعـــدات فــقــط على الجانب اإلنساني اإلغاثي. ثـالـثـا، يتطلب الـتـوجـه نحو تنفيذ الرابطة الــــثــــاثــــيــــة قـــــــــــــرارا ســــيــــاســــيــــا عــــلــــى جــمــيــع املـسـتـويـات الـداخـلـيـة واإلقليمية والـدولـيـة. على املستوى الداخلي، يتطلب نهج الرابطة الـــثـــاثـــيـــة الــــتــــعــــاون مــــع املـــجـــتـــمـــع املـــحـــلـــي، منظمات وأفراد، والحكومة للسماح بتنفيذ مثل هــذه الـبـرامـج. على الصعيد اإلقليمي، يـتـطـلـب تـنـفـيـذ هــــذا الــنــهــج تـــعـــاونـــا كــبــيــرا وفـــعـــاال، لـتـوفـيـر الـضـمـانـات لــرفــع الحصار عن قطاع غزة وممارسة الضغط السياسي. بينما على املستوى الدولي، يجب أن يستمر الــــدعــــم الـــــدولـــــي، وأال يـــتـــوقـــف مــهــمــا كــانــت الــظــروف، وفــي حــن يـجـري تعامل املجتمع الــــدولــــي مــــع أزمـــــــات قـــطـــاع غــــــزة عـــلـــى أنــهــا إنــســانــيــة، يـجـب الــبــدء فــي مـــراعـــاة الـعـوامـل السياسية املعقدة فـي صــراع الفلسطينين مــع االحــتــال اإلســرائــيــلــي. الـتـحـدي الـرابـع هـو الحاجة الـضـروريـة لتنفيذ نهج الرابط الـــثـــاثـــيـــة واالســــتــــجــــابــــة عـــلـــى مـــســـتـــويـــات عـالـيـة مــن التنسيق بــن املـنـظـمـات الـدولـيـة واإلقــلــيــمــيــة واملــنــظــمــات املـحـلـيـة واملــانــحــن الــدولــيــن، بــالــتــزامــن مــع اســتــمــرار التمويل والـدعـم الخارجين لتطوير استراتيجيات رابطة اإلنسانية والتنمية والسام. وياحظ في سياق قطاع غــزة، غياب التنسيق عالي املستوى بن الفاعلن الدولين واإلقليمين واملحلين، نظرا إلـى القيود املفروضة على غـــــــزة، بــســبــب ســـيـــاســـة الـــحـــصـــار مــــن جــهــة، والـتـمـاهـي مـع متطلبات وشـــروط االحـتـال اإلسرائيلي في تقديم املساعدات الخارجية من جهة أخرى.
مـقـاربـات عملية لتنفيذ نهج الرابطة الثالثية
لــم يـسـجـل قــطــاع غـــزة تنفيذ بــرامــج تعتمد الرابطة الثاثية بوصفها نهجا في العمل، إال في مجال الصحة وبنسبة ضئيلة جـدا، مـقـارنـة بحجم التمويل املخصص للمجال اإلنساني. في السياق الفلسطيني املعاصر، حــــيــــث تــــتــــداخــــل عـــــوامـــــل عـــــديـــــدة لــلــتــأثــيــر السياسي العاملي والتدخل الدولي، يجب أن ينصب التركيز على تحديد أولويات الدعم الخارجي، بحيث تتوافق نماذج االستجابة لـــأزمـــات مـــع دعـــم الــشــعــب الـفـلـسـطـيـنـي في تقرير مصيره. تمثل املعركة ضد انتهاكات حـــقـــوق اإلنــــســــان ودعـــــم الـــعـــدالـــة االنـتـقـالـيـة والحرية مدخا مهما. عاوة على ما سبق، صحيح أن الظروف اإلنسانية في قطاع غزة تدفع إلى التركيز على تقديم تدابير طارئة، مــــن شـــأنـــهـــا تــخــفــيــف مــــعــــانــــاة األشــــخــــاص املتضررين مـن الــصــراع، ولكن هناك حاجة لتوجيه الدعم الخارجي لتعزيز القدرة على الصمود والتنمية املحلية على نحو طويل األمــــد ومـــســـتـــدام، مـــع الـتـفـكـيـر فـــي مــقــاربــات جــــديــــدة لــبــنــاء الـــســـام فـــي املــنــطــقــة تــراعــي الــــجــــذور الــعــمــيــقــة لـــلـــصـــراع، واحـــتـــيـــاجـــات «الــهــويــة واألمــــن والــقــبــول واالعــــتــــراف»، مع العمل على مقاربات تراعي جوانب اختال القوى بن الطرفن الفلسطيني واإلسرائيلي، ومعالجتها ضمن منهج شامل ومتكامل. ومـــع ذلــــك، ســـوف يــكــون الـبـحـث عـــن تـصـور ملــا تعنيه الـتـنـمـيـة والـــســـام فــي قــطــاع غــزة على درجـــة عالية مــن اإلشـكـالـيـة، إذ يعتقد بـعـضـهـم بـــأن مــوضــوعــي الـتـنـمـيـة والــســام دخيان على املجتمع الفلسطيني، وآخرون يعتبرون مثل هذه املفاهيم وهما، حيث يتم تــصــور التنمية والــســام فــي مجتمع تحت سـلـطـة االحـــتـــال أشــبــه بـــاألمـــر الـتـعـجـيـزي، حـــيـــث يـــتـــوقـــف نـــجـــاح ذلـــــك بــشــكــل أســـاســـي على إنهاء االحـتـال، فضا عن أن االحتال قد فكك املفهومن من خـال سياسة اإلفقار التنموي وتجميد عملية السام التي تحرم املجتمع الفلسطيني من مــوارده واقتصاده ووجـــــود مــؤســســات قـــويـــة، وســيــاســة إدارة الــــصــــراع الـــتـــي تــجــعــل مــــن الــــســــام الــشــامــل واملستدام أمرا مستحيا أيضا. كما أن عودة املــانــحــن إلـــى دعـــم قــضــايــا اإلغـــاثـــة قصيرة األمــــد فـــي قــطــاع غــــزة كــانــت نـتـيـجـة حتمية لتشوه مفهومي التنمية والسام في سياق االحـتـال اإلسرائيلي. لذلك، يمكن القول إن الـشـرط األول ملثل هــذه الـبـرامـج الـتـي تدمج بن العمل اإلنساني والتنمية والسام، هو تصميمها بشكل يتحدى سياسات الحصار اإلسرائيلي. ومع استمرار الجدل بشأن مدى نــجــاعــة املـــســـاعـــدات الــخــارجــيــة فـــي تحقيق التنمية والسام في ضوء هذه الظروف التي تزيد ســـوءا يـومـا بعد يــوم، ال يعني وجـود االحتال فقدان القدرة على وجود مؤسسات قوية، سواء في الصحة أو التعليم أو القضاء أو حــتــى عــلــى صــعــيــد االقـــتـــصـــاد الــوطــنــي، فعند النظر إلى سياق جنوب أفريقيا، وفي ظــل ســيــاســات الـفـصـل الـعـنـصـريـة، إال أنهم كانوا يتمتعون بمؤسسات قوية إلى حد ما، وهنا يأتي التحدي في الحالة الفلسطينية. والستيعاب الحساسيات السياسية التي قد تبرز في السياق الفلسطيني، حن مناقشة مــفــاهــيــم الــتــنــمــيــة والــــســــام، يــمــكــن تـوجـيـه هــذه الجهود عبر منظمات املجتمع املدني الـفـلـسـطـيـنـيـة واملــنــظــمــات املــحــلــيــة، بــمــا في ذلـك عبر دعـم إنـشـاء مـراكـز مجتمعية، ومن خــــال إدمـــــاج الــجــيــل الـفـلـسـطـيـنـي الــجــديــد. نـظـرا إلــى الخبرة الطويلة التي تتمتع بها هــــذه املــنــظــمــات، ســـيـــؤدي الــقــيــام بــذلــك إلــى تـسـهـيـل الــتــعــامــل مـــع الــخــصــائــص املــمــيــزة للسياق الفلسطيني، بما في ذلك القدرة على مـراعـاة (واستيعاب) الحساسيات الثقافية واالجـــتـــمـــاعـــيـــة الـــتـــي قــــد تـــنـــشـــأ، واكـــتـــســـاب منظور من الداخل، حول كيفية تنفيذ برامج الرابطة الثاثية في السياق الفلسطيني.
طوال العقود المنصرمة، نشطت أطراف فاعلة عديدة من الدول والمنظمات الدولية واإلقليمية، لتقديم المساعدات الخارجية للفلسطينيين
وصل معدل البطالة في غزة مع نهاية 2022 إلى حوالي ،%47 بينما وصل المعدل إلى %75 بين الشباب تحت سن 29 عامًا