لماذا يفشل اإلسالميون؟
«ملــــــاذا يــفــشــل اإلســــامــــيــــون؟» تــقــتــرح هبة رؤوف عـــــــزت هـــــذا الـــــســـــؤال، بـــعـــد تــجــربــة اإلسـامـيـن فــي الـحـكـم، بــديــا عــن الـسـؤال الـتـقـلـيـدي الــــذي طـغـى عـلـى دراســـــات حقل «اإلســــــــام الـــســـيـــاســـي» فــــي حــقــبــة مــــا قـبـل الـــربـــيـــع الـــعـــربـــي وفــــي ذروتـــــــه، وكـــــان على الــنــقــيــض مـــن ذلــــك يـتـمـثـل بـــــ«ملــــاذا ينجح اإلسـامـيـون؟». ومـا بن نجاح اإلسامين في املعارضة واالنتخابات وفشلهم أو (كما يرغبون هـم بـالـقـول) إفشالهم فـي تجارب الحكم في مرحلة الربيع العربي، ثمة أسئلة وتــــســــاؤالت ونـــقـــاشـــات وإشــــكــــاالت عــديــدة هيمنت عـلـى أعـــمـــال مـؤتـمـر مـهـم ونـوعـي عـقـدتـه جـامـعـة نــورثــويــســتــرن مـــع جامعة واســيــدا فـي طـوكـيـو، فـي الــدوحــة قبل أيـام (بـــإدارة وتصميم مميز من خالد الحروب وعبدالله باعبود)، وشاركت فيه مجموعة مــــن الـــبـــاحـــثـــن الـــــعـــــرب، وتـــــنـــــاول تـــجـــارب اإلســـامـــيـــن فـــي مــصــر وتـــونـــس واملـــغـــرب وليبيا ومصر والسودان واألردن وسورية والـيـمـن وعــمــان والخليج الـعـربـي عمومًا. نـتـائـج ومــاحــظــات عــديــدة يمكن الـخـروج بها من أوراق املؤتمر ونقاشاته، ولعل أهم ما أخذ حيزًا كبيرًا من املناقشة سؤال املنهج فـي دراســـة هــذه الـحـركـات، بوصفها حقا بحثيًا، وكانت إحدى املاحظات الرئيسية أننا أمام حاالت متباينة متعددة ومتنوعة من الضروري أال نضعها في حزمة واحدة، بـخـاصـة عـلـى صعيد الـسـيـاقـات الوطنية
واملــجــتــمــعــيــة والــســيــاســيــة الـــخـــاصـــة بكل دولـة من الــدول موضوع الـدراسـة. صحيح أن هنالك نقاط تشابه، كما سأشير الحقًا، لكن هنالك أيضًا سياقات وبنى سياسية ومـجـتـمـعـيـة وثــقــافــيــة مختلفة ومتباينة بن كل دولـة وأخــرى، تنعكس على طبيعة الحركة اإلسامية وتطورها وتحوالتها في هذا البلد أو ذاك. قــاد التعمق أكـثـر فـي النقاشات الباحثن املـشـاركـن إلــى إعـــادة التفكير فــي األسئلة املطروحة (في األصل) بما يتعلق باإلسام السياسي وتـجـربـة الـحـكـم. مـــاذا لـو كانت، مــثــا، حــركــات وأحــــزاب غـيـر إسـامـيـة؛ هل كانت ستنجح؟ أم أننا أمام بنية سياسية – اجــتــمــاعــيــة - اقــتــصــاديــة تــجــعــل الـفـشـل أقـــــرب، فـــي املــــدى الـقـصـيـر، إلـــى تـجـربـة أي حركة أو حـزب سياسي – إسامي أو غير إســامــي يصل إلـــى السلطة، بمعنى أنـنـا، عربيًا، نعيش فـي دوامـــة ال تميز إساميًا عـــن غـــيـــره، فــفــي حـــالـــة مــثــل تـــونـــس كــانــت سـقـوف تـوقـعـات املجتمع مــن اإلسـامـيـن بعد الـثـورة أكثر مـن قدرتهم على تحقيق نـتـائـج سـريـعـة فـــي آتــــون أزمـــــٍة اقـتـصـاديـٍة قاسية. في املقابل، يعتبر باحثون كثيرون أن االحتجاجات السودانية قد أطاحت حكم اإلسامين أنفسهم، خال ثاثة عقود، في السودان، بينما يرى صاح الزين، مثا، أن اإلسامين خسروا «معركة السردية»، وفي املــغــرب جـــاء اإلســامــيــون بـعـد الـيـسـاريـن، ولــــم يــتــغــيــر شــــيء فـــي الــــواقــــع الــســيــاســياالقتصادي، وفي مصر دخلوا في مواجهة
مــع «املــؤســســة الـعـسـكـريـة». وهــكــذا سنجد أن املـــشـــكـــلـــة قــــد تــــكــــون أعــــمــــق مــــن مـــجـــرد تــأطــيــرهــا فـــي ســـــؤال اإلســــــام الــســيــاســي، وإنــمــا تشمل الـسـيـاقـات والـبـنـى الوطنية نــفــســهــا. دفــــع هــــذا وذاك إلــــى طــــرح ســـؤال مــفــهــوم «الــــدولــــة الــعــمــيــقــة» ومــــا املـقـصـود بـــه فـــي الـــعـــالـــم الـــعـــربـــي؟ هـــل نـــتـــحـــدث عن املؤسسة العسكرية، أم املؤسسة األمنية أم الجهاز البيروقراطي، أم النخبة السياسية - االقــتــصــاديــة الــتــي تـسـتـخـدم املـؤسـسـات البيروقراطية، العسكرية واألمنية، وحتى املــدنــيــة لــصــالــحــهــا؟ أم األمـــــر يـخـتـلـف من دولة إلى أخرى؟، وما هي امليكانزمات التي تستخدمها الدولة العميقة إلحداث الثورة املـضـادة وحماية مصالحها؟ وهـل ترتبط املسألة بقدرة القيادات اإلسامية وكفاء تها فــي الـتـعـامـل مــع هـــذه الـتـحـديـات و«حـقـول األلغام»، أم أن األمر ال يجدي وال ينفع على املدى البعيد؟ وتتمثل املفارقة الطريفة التي نوقشت في املؤتمر في أن النموذج املغاربي من اإلسام السياسي طاملا نظر إليه بوصفه متقدمًا عــلــى الـــنـــمـــوذج املـــشـــرقـــي، وكـــانـــت تــونــس واملــغــرب مضربًا للمثل فــي «البراغماتية اإلســـــــامـــــــيـــــــة»، فـــــــي تـــــــطـــــــور الــــخــــطــــابــــن، األيـديـولـوجـي والـسـيـاسـي، وفــي الواقعية السياسية، لكن النتيجة، في نهاية اليوم، كــانــت واحـــــدة، فــاإلســامــيــون التونسيون خسروا كثيرًا من الشارع، من جيل الشباب، وانتهى بهم املطاف قريبًا من زمائهم في «إخــــــوان املـــغـــرب»، بـيـنـمـا خــســر إسـامـيـو