Al Araby Al Jadeed

نجاح قطر في إرساء نموذجها القيمي في كأس العالم

- خالد بن راشد الخاطر

ذكــــــــ­ــرت ألحـــــــ­د مــــقــــ­دمــــي بـــــرامـ­ــــج الــــقـــ­ـنــــوات األجنبية قبل انطالق مونديال قطر، وهو يحاورني بشأن االنتقادات الغربية لقطر: سترى أفضل البطوالت تنظيما في تاريخ كأس العالم. .. فقال: ال يمكننا الحكم بذلك اآلن، فلننتظر ونر. وقـــد ذكـــــرت مـــع اشـــتـــد­اد حــمــالت الـتـشـويـ­ه والهجمات العنصرية ضد قطر مع اقتراب البطولة أنها يجب أال تزعجنا كثيرًا، فهي ستأتي بنتائج عكسية، فستجذب االنتباه واالهــتــ­مــام أكــثــر بـالـبـطـو­لـة وبـقـطـر، وذلــك مـــاّ كــنــا نــبــغــي، وسـيـكـشـف ذلــــك زيــــف ّتلك االدعـــــ­ـــاء ات، والـــصـــ­ورة الـنـمـطـي­ـة املـشـوهـة الــتــي يـــــراد إلـصـاقـهـ­ا بــالــعــ­رب واملـسـلـم­ـن، وســـتـــج­ـــذب أكـــثـــر نـــحـــو قــيــمــن­ــا وثــقــافـ­ـتــنــا وحـــضـــا­رتـــنـــا وقـــضـــا­يـــانـــا، وهـــــو مــــا حـــدث بـالـفـعـل. لــم تـكـن هـــذه بـطـولـة كسابقاتها، ولــم تكن عــاديــة أبـــدًا، فقد حـشـد إلفشالها خـصـوم أقــويــاء، إلثـبـات أن قطر الصغيرة بحجمها، والــفــخـ­ـورة بقيمها، واملستقلة بقرارها، غير مؤهلة لتنظيم هذه البطولة العاملية الكبيرة، حتى أن رئـيـس االتـحـاد الدولي لكرة القدم (فيفا) السابق جوزيف بــالتــر نـكـص عـلـى عـقـبـيـه، نــفــاقــًا. وحسنًا فعل، فقد نجحت البطولة وخسر هو ومن راهــن على فشلها، فما كـان ينبغي ملنافق نيل فضل وال منة خلف نجاح بطولة قطر. كــانــت صــراعــًا ثـقـافـيـًا وال أقــــول حـضـاريـًا، فــلــم أر فـــي صـــــراع الـــغـــر­ب حــــضــــ­ارة. نــعــم، كانت بطولة رياضية، ولكنها كانت أيضا حلبة صراع بن حق وباطل، بن الفضيلة والرذيلة، بن القيم واألخالق، بن البعض في الغرب ممن يستعلي ويفرض انحالله وشرق يستذكر حضارته ويذود عن قيمه، ولكن الله غالب على أمره، فنظمت البطولة فــــي قـــطـــر ونـــجـــح­ـــت بـــكـــل املـــقـــ­ايـــيـــس، عـلـى املستوىين التنظيمي والقيمي. عــلــى املــســتـ­ـوى الـتـنـظـي­ـمـي، مــكــنــت كــفــاءة البنى التحتية ووسائل املوصالت واألمن والــنــظـ­ـام الـجـمـاهـ­يـر مــن حــضــور أكــثــر من مـــبـــار­اة فـــي يــــوم واحــــد والــتــنـ­ـقــل بـسـالسـة وسالم ومن دون مشقة، وزاد حسن تعامل أهل قطر وقاطنيها مع زوارهم حبا وتعلقا بها، وتقبال لنموذجها القيمي والحضاري للبطولة، فكانت البطولة األفضل تنظيما فـــي تـــاريـــ­خ كــــأس الـــعـــا­لـــم، بــشــهــا­دة رئـيـس «فـــيـــفـ­ــا» جـــيـــان­ـــي إنـــفـــا­نـــتـــيـ­ــنـــو وغــــيـــ­ـره مـن املنصفن. لم يفاجئني هذا، فقد توقعته في ظل ما أنفقته قطرعلى تنظيم البطولة، وما تراكم لديها من خبرات سابقة، ولكن املثير لالهتمام هو النموذج القيمي والحضاري الذي أصرت قطرعلى تقديم البطولة به، مع ما صاحبه من مخاطر بسحب البطولة، في ظل حمالت التضليل والتحريض املغرضة ضد قطر، ولو لم تقدم البطولة بهذا النمط، ملا تميزت عن سابقاتها، ولربما يأتي من ينظم مثل قطر أو أفضل مستقبال، فتبقى املـــيـــ­زة الـحـقـيـق­ـيـة أن لــهــذه الــبــطــ­ولــة هـدفـا ورســــالـ­ـــة أبـــعـــد مــــن الـــلـــع­ـــب واملـــتــ­ـعـــة، فـهـي تـدعـو إلــى قيم وأخـــالق أمــة تحمل رسـالـة للبشرية. وكما أطلق عليها سمو األمير، الشيخ تميم، مـبـكـرا، بطولة الــعــرب، فكان بـــالـــض­ـــرورة أن تـعـكـس أخــالقــه­ــم وقيمهم الـعـربـيـ­ة الــتــي هــي فــي األســــاس إسـالمـيـة، فأصبحت بطولة للعرب وللمسلمن، بل ولشعوب الشرق والجنوب من دول العالم الـثـالـث، واملنصفن مـن الــغــرب. وأصبحت كـأنـهـا تــصــويــ­ت عــاملــي عـلـى نــمــوذج قطر، أو نــــمــــ­وذج الـــقـــي­ـــم والــــحــ­ــضــــارة الــعــربـ­ـيــة اإلسالمية مقابل نموذج االنحالل الغربي، وقد انتصر األول بكل وضوح. وقــد نـشـرت مجلة ‪The Nation‬ األميركية، الـــشـــه­ـــر قـــبـــل املــــاضـ­ـــي (ديـــســـم­ـــبـــر/ كـــانـــو­ن األول)، مـــقـــاا­ل لــلــكــا­تــبــن كـــــــار­ون ولــيــفــ­ي، يذكران فيه «أن الغرب فقد قيادته الكونية فـي الــدوحــة، أكثر مـن أي وقــت مضى، فقد أعلن ذلك بوضوح بالين البشر من سكان جـنـوب الـعـالـم فــي مـونـديـال ،2022 عندما حــضــروا وتـابـعـوا وأعـجـبـوا بـالـعـرب، ولـم يــأبــهــ­وا بــتــحــذ­يــرات واتـــهـــ­امـــات الـصـحـافـ­ة والــســاس­ــة واملـنـظـم­ـات الـحـقـوقـ­يـة الغربية لــــقــــ­طــــر، الـــــتــ­ـــي أثــــبـــ­ـتــــت أنـــــهــ­ـــا قـــــــــ­ـادرة عــلــى تحقيق أعـظـم نـجـاح تنظيمي للمونديال فـــي الـــتـــا­ريـــخ. وكـــذلـــ­ك بـــــدد رقـــــي الــتــعــ­امــل الرسمي واألمـنـي، وكــرم الشعوب العربية ولــطــفــ­هــا، وســمــاحـ­ـة الـــديـــ­ن اإلســـالم­ـــي، كل الصور النمطية لهذه املجتمعات والـدول، وفــضــحــ­ت الــتــغــ­طــيــات اإلعـــالم­ـــيـــة الـغـربـيـ­ة تحيز وعنصرية وعجرفة الرجل األبيض». وهـذا ما ذكرناه مــرارا وتـكـرارا قبل وأثناء البطولة. على املستوى القيمي، لو لم يكن لـلـبـطـول­ـة مــن مـكـسـب ســـوى الــتــالـ­ـي لكفى: دحـر طوفان املثلية، الـذي يــراد له اجتياح الــعــالـ­ـم، خـصـوصـا اإلســـالم­ـــي الـــذي يشكل رأس حــــربـــ­ـة فــــي مـــقـــاو­مـــتـــهـ­ــا وإظـــــهـ­ــــار أن هـنـاك مـن شـعـوب األرض وعقالئها مـن ال يقبل بتطبيعها ونشرها، ويعيد نظر من أوشــكــوا مــن الــغــرب على التسليم بها بال حـول وال قــوة، وهــذا األمــر مسيس، وخلفه مــن يـخـطـط لــهــدم الــقــيــ­م، وإن بـــدا انـدفـاعـًا عـــفـــوي­ـــًا خـــلـــف الـــــدفـ­ــــاع عـــــن حــــقــــ­وق أقــلــيــ­ة املثلين كما يــدعــي... بـر الـوالـديـ­ن والـوفـاء لهما، كما صوره املنتخب املغربي العربي املـــســـ­لـــم، مـــقـــار­نـــة بـــمـــن يـــحـــضـ­ــر صــديــقــ­تــه

كانت بطولة رياضية، ولكنها كانت أيضًا حلبة صراع بين حق وباطل، بين الفضيلة والرذيلة، بين القيم واألخالق

ويشرب املسكرات، ووالداه في دور الرعاية. وكشفت البطولة ملـن ال يــزال لديه شـك من السذج عنصرية الغرب ونفاقه ومعاييره املزدوجة، ومتاجرته بحقوق اإلنسان التي يبتز بها من ال يسير في تحقيق مصالحه، ويغض الطرف عمن يحققها له، وإن كانوا مجرمي حـــرب، وأكـثـر األمـــور اسـتـفـزازًا أن الغرب غير مؤهل إلعطاء مواعظ في حقوق اإلنسان، بسجله االستعماري الذي نعلمه جيدًا، وما بعد االستعماري الذي نعايشه، إن في مستعمراته السابقة، أو في بلدانه، ومــــــا يـــمـــار­ســـه مــــن تـــفـــرق­ـــة عـــنـــصـ­ــريـــة بـن مواطنيه بناء على الـعـرق والــديــن، وسـوء مــعــامــ­لــة املــهــاج­ــريــن والـــالجـ­ــئـــن. وكـشـفـت البطولة حقيقة زيــف التطبيع مـع الكيان الـصـهـيـو­نـي ورفـــض الــشــعــ­وب الـعـربـيـ­ة له رغـــــم مــــواقــ­ــف حـــكـــوم­ـــاتـــهـ­ــا، وأن فـلـسـطـن الـجـريـحـ­ة ال تـــزال فــي وجــــدان األمــــة، وهـي أم قضاياها، فال يكتمل فرح وال نصر وال تـحـرر دونــهــا. وكـسـرت متالزمة املسكرات والبطولة، والتي هي مصدر معظم حاالت الشغب والـفـوضـى فـي املـالعـب األوروبــي­ــة، لـتـصـبـح الـبـطـولـ­ة األكـــثــ­ـر أمــنــا وحـــضـــو­را، واألفضل تنظيمًا، وإزالة االعتقاد املترسخ، بـال بطولة بــدون كـحـول، كما ذكــر لـي أحد مــقــدمــ­ي بـــرامـــ­ج الـــقـــن­ـــوات األجــنــب­ــيــة أنــــه ال يستطيع تخيل ذلك، فقلت: تخيل البطولة بكحول، وقارن النتائج. لــقــد جــــرى اتــهــامـ­ـنــا بـالـتـخـل­ـف والــرجـعـ­يــة واإلرهــــ­ـــاب، لــتــخــر­ج بـطـولـتـن­ـا األكـــثــ­ـر أمـنـا وتـــحـــض­ـــرا، واألفـــضـ­ــل قـيـمـا وأخــــالق­ــــا. لقد أثـبـتـت قـطـر أن بــاإلمــك­ــان تنظيم البطولة بنموذج مختلف عن النمط الغربي السائد، واملسلم بفرضه على بقية شعوب األرض، حـــتـــى جــــــاء ت بـــطـــول­ـــة قـــطـــر لــتــعــي­ــد الــنــظــ­ر فــي ذلــــك، وتـكـسـر احــتــكــ­ار الـــغـــر­ب، وفــرض هيمنته الثقافية وانـحـاللـ­ه األخــالقـ­ـي من خاللها، وكأنها أصبحت أداة استعمارية، يــتــم مـــن خــاللــهـ­ـا ابــــتـــ­ـزاز الــــــدو­ل واخـــتـــ­راق سـيـادتـهـ­ا وسـلـخـهـا مــن ثقافتها وقيمها وحــضــارت­ــهــا، وإن سـمـيـت بــطــولــ­ة للعالم، فـاملـقـصـ­ود بـعـالـم، فــي قــامــوس الــغــرب هو «الغرب». وللتخفيف، قد يقال إن املقصود هـــو «الـــعـــا­لـــم املــتــحـ­ـضــر، أوالـــديـ­ــمـــقـــ­راطـــي». ونــحــن نــدعــو الــعــالـ­ـم إلــــى املـــقـــ­ارنـــة، وأخـــذ العبرة مـن تجربة قطر. وقــد دعــت صحف بريطانية، وغيرها من املهتمن، إلـى أخذ الــدروس من تجربة قطر واالستعانة بها فـــي تـنـظـيـم بـــطـــوا­لت مــمــاثــ­لــة، وأعــتــقـ­ـد أن بإمكان قطر تنظيم البطولة بعد فترة لوال عنصرية الغرب.

 ?? )Getty( ?? من المدرجات خالل المباراة االفتتاحية للمونديال بين قطر واإلكوادور
)Getty( من المدرجات خالل المباراة االفتتاحية للمونديال بين قطر واإلكوادور

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar