نجاح قطر في إرساء نموذجها القيمي في كأس العالم
ذكــــــــــرت ألحـــــــد مــــقــــدمــــي بـــــرامـــــج الــــقــــنــــوات األجنبية قبل انطالق مونديال قطر، وهو يحاورني بشأن االنتقادات الغربية لقطر: سترى أفضل البطوالت تنظيما في تاريخ كأس العالم. .. فقال: ال يمكننا الحكم بذلك اآلن، فلننتظر ونر. وقـــد ذكـــــرت مـــع اشـــتـــداد حــمــالت الـتـشـويـه والهجمات العنصرية ضد قطر مع اقتراب البطولة أنها يجب أال تزعجنا كثيرًا، فهي ستأتي بنتائج عكسية، فستجذب االنتباه واالهــتــمــام أكــثــر بـالـبـطـولـة وبـقـطـر، وذلــك مـــاّ كــنــا نــبــغــي، وسـيـكـشـف ذلــــك زيــــف ّتلك االدعــــــــاء ات، والـــصـــورة الـنـمـطـيـة املـشـوهـة الــتــي يـــــراد إلـصـاقـهـا بــالــعــرب واملـسـلـمـن، وســـتـــجـــذب أكـــثـــر نـــحـــو قــيــمــنــا وثــقــافــتــنــا وحـــضـــارتـــنـــا وقـــضـــايـــانـــا، وهـــــو مــــا حـــدث بـالـفـعـل. لــم تـكـن هـــذه بـطـولـة كسابقاتها، ولــم تكن عــاديــة أبـــدًا، فقد حـشـد إلفشالها خـصـوم أقــويــاء، إلثـبـات أن قطر الصغيرة بحجمها، والــفــخــورة بقيمها، واملستقلة بقرارها، غير مؤهلة لتنظيم هذه البطولة العاملية الكبيرة، حتى أن رئـيـس االتـحـاد الدولي لكرة القدم (فيفا) السابق جوزيف بــالتــر نـكـص عـلـى عـقـبـيـه، نــفــاقــًا. وحسنًا فعل، فقد نجحت البطولة وخسر هو ومن راهــن على فشلها، فما كـان ينبغي ملنافق نيل فضل وال منة خلف نجاح بطولة قطر. كــانــت صــراعــًا ثـقـافـيـًا وال أقــــول حـضـاريـًا، فــلــم أر فـــي صـــــراع الـــغـــرب حــــضــــارة. نــعــم، كانت بطولة رياضية، ولكنها كانت أيضا حلبة صراع بن حق وباطل، بن الفضيلة والرذيلة، بن القيم واألخالق، بن البعض في الغرب ممن يستعلي ويفرض انحالله وشرق يستذكر حضارته ويذود عن قيمه، ولكن الله غالب على أمره، فنظمت البطولة فــــي قـــطـــر ونـــجـــحـــت بـــكـــل املـــقـــايـــيـــس، عـلـى املستوىين التنظيمي والقيمي. عــلــى املــســتــوى الـتـنـظـيـمـي، مــكــنــت كــفــاءة البنى التحتية ووسائل املوصالت واألمن والــنــظــام الـجـمـاهـيـر مــن حــضــور أكــثــر من مـــبـــاراة فـــي يــــوم واحــــد والــتــنــقــل بـسـالسـة وسالم ومن دون مشقة، وزاد حسن تعامل أهل قطر وقاطنيها مع زوارهم حبا وتعلقا بها، وتقبال لنموذجها القيمي والحضاري للبطولة، فكانت البطولة األفضل تنظيما فـــي تـــاريـــخ كــــأس الـــعـــالـــم، بــشــهــادة رئـيـس «فـــيـــفـــا» جـــيـــانـــي إنـــفـــانـــتـــيـــنـــو وغــــيــــره مـن املنصفن. لم يفاجئني هذا، فقد توقعته في ظل ما أنفقته قطرعلى تنظيم البطولة، وما تراكم لديها من خبرات سابقة، ولكن املثير لالهتمام هو النموذج القيمي والحضاري الذي أصرت قطرعلى تقديم البطولة به، مع ما صاحبه من مخاطر بسحب البطولة، في ظل حمالت التضليل والتحريض املغرضة ضد قطر، ولو لم تقدم البطولة بهذا النمط، ملا تميزت عن سابقاتها، ولربما يأتي من ينظم مثل قطر أو أفضل مستقبال، فتبقى املـــيـــزة الـحـقـيـقـيـة أن لــهــذه الــبــطــولــة هـدفـا ورســــالــــة أبـــعـــد مــــن الـــلـــعـــب واملـــتـــعـــة، فـهـي تـدعـو إلــى قيم وأخـــالق أمــة تحمل رسـالـة للبشرية. وكما أطلق عليها سمو األمير، الشيخ تميم، مـبـكـرا، بطولة الــعــرب، فكان بـــالـــضـــرورة أن تـعـكـس أخــالقــهــم وقيمهم الـعـربـيـة الــتــي هــي فــي األســــاس إسـالمـيـة، فأصبحت بطولة للعرب وللمسلمن، بل ولشعوب الشرق والجنوب من دول العالم الـثـالـث، واملنصفن مـن الــغــرب. وأصبحت كـأنـهـا تــصــويــت عــاملــي عـلـى نــمــوذج قطر، أو نــــمــــوذج الـــقـــيـــم والــــحــــضــــارة الــعــربــيــة اإلسالمية مقابل نموذج االنحالل الغربي، وقد انتصر األول بكل وضوح. وقــد نـشـرت مجلة The Nation األميركية، الـــشـــهـــر قـــبـــل املــــاضــــي (ديـــســـمـــبـــر/ كـــانـــون األول)، مـــقـــاال لــلــكــاتــبــن كـــــــارون ولــيــفــي، يذكران فيه «أن الغرب فقد قيادته الكونية فـي الــدوحــة، أكثر مـن أي وقــت مضى، فقد أعلن ذلك بوضوح بالين البشر من سكان جـنـوب الـعـالـم فــي مـونـديـال ،2022 عندما حــضــروا وتـابـعـوا وأعـجـبـوا بـالـعـرب، ولـم يــأبــهــوا بــتــحــذيــرات واتـــهـــامـــات الـصـحـافـة والــســاســة واملـنـظـمـات الـحـقـوقـيـة الغربية لــــقــــطــــر، الـــــتـــــي أثــــبــــتــــت أنـــــهـــــا قــــــــــادرة عــلــى تحقيق أعـظـم نـجـاح تنظيمي للمونديال فـــي الـــتـــاريـــخ. وكـــذلـــك بـــــدد رقـــــي الــتــعــامــل الرسمي واألمـنـي، وكــرم الشعوب العربية ولــطــفــهــا، وســمــاحــة الـــديـــن اإلســـالمـــي، كل الصور النمطية لهذه املجتمعات والـدول، وفــضــحــت الــتــغــطــيــات اإلعـــالمـــيـــة الـغـربـيـة تحيز وعنصرية وعجرفة الرجل األبيض». وهـذا ما ذكرناه مــرارا وتـكـرارا قبل وأثناء البطولة. على املستوى القيمي، لو لم يكن لـلـبـطـولـة مــن مـكـسـب ســـوى الــتــالــي لكفى: دحـر طوفان املثلية، الـذي يــراد له اجتياح الــعــالــم، خـصـوصـا اإلســـالمـــي الـــذي يشكل رأس حــــربــــة فــــي مـــقـــاومـــتـــهـــا وإظـــــهـــــار أن هـنـاك مـن شـعـوب األرض وعقالئها مـن ال يقبل بتطبيعها ونشرها، ويعيد نظر من أوشــكــوا مــن الــغــرب على التسليم بها بال حـول وال قــوة، وهــذا األمــر مسيس، وخلفه مــن يـخـطـط لــهــدم الــقــيــم، وإن بـــدا انـدفـاعـًا عـــفـــويـــًا خـــلـــف الـــــدفـــــاع عـــــن حــــقــــوق أقــلــيــة املثلين كما يــدعــي... بـر الـوالـديـن والـوفـاء لهما، كما صوره املنتخب املغربي العربي املـــســـلـــم، مـــقـــارنـــة بـــمـــن يـــحـــضـــر صــديــقــتــه
كانت بطولة رياضية، ولكنها كانت أيضًا حلبة صراع بين حق وباطل، بين الفضيلة والرذيلة، بين القيم واألخالق
ويشرب املسكرات، ووالداه في دور الرعاية. وكشفت البطولة ملـن ال يــزال لديه شـك من السذج عنصرية الغرب ونفاقه ومعاييره املزدوجة، ومتاجرته بحقوق اإلنسان التي يبتز بها من ال يسير في تحقيق مصالحه، ويغض الطرف عمن يحققها له، وإن كانوا مجرمي حـــرب، وأكـثـر األمـــور اسـتـفـزازًا أن الغرب غير مؤهل إلعطاء مواعظ في حقوق اإلنسان، بسجله االستعماري الذي نعلمه جيدًا، وما بعد االستعماري الذي نعايشه، إن في مستعمراته السابقة، أو في بلدانه، ومــــــا يـــمـــارســـه مــــن تـــفـــرقـــة عـــنـــصـــريـــة بـن مواطنيه بناء على الـعـرق والــديــن، وسـوء مــعــامــلــة املــهــاجــريــن والـــالجـــئـــن. وكـشـفـت البطولة حقيقة زيــف التطبيع مـع الكيان الـصـهـيـونـي ورفـــض الــشــعــوب الـعـربـيـة له رغـــــم مــــواقــــف حـــكـــومـــاتـــهـــا، وأن فـلـسـطـن الـجـريـحـة ال تـــزال فــي وجــــدان األمــــة، وهـي أم قضاياها، فال يكتمل فرح وال نصر وال تـحـرر دونــهــا. وكـسـرت متالزمة املسكرات والبطولة، والتي هي مصدر معظم حاالت الشغب والـفـوضـى فـي املـالعـب األوروبــيــة، لـتـصـبـح الـبـطـولـة األكـــثـــر أمــنــا وحـــضـــورا، واألفضل تنظيمًا، وإزالة االعتقاد املترسخ، بـال بطولة بــدون كـحـول، كما ذكــر لـي أحد مــقــدمــي بـــرامـــج الـــقـــنـــوات األجــنــبــيــة أنــــه ال يستطيع تخيل ذلك، فقلت: تخيل البطولة بكحول، وقارن النتائج. لــقــد جــــرى اتــهــامــنــا بـالـتـخـلـف والــرجـعـيــة واإلرهـــــــاب، لــتــخــرج بـطـولـتـنـا األكـــثـــر أمـنـا وتـــحـــضـــرا، واألفـــضـــل قـيـمـا وأخــــالقــــا. لقد أثـبـتـت قـطـر أن بــاإلمــكــان تنظيم البطولة بنموذج مختلف عن النمط الغربي السائد، واملسلم بفرضه على بقية شعوب األرض، حـــتـــى جــــــاء ت بـــطـــولـــة قـــطـــر لــتــعــيــد الــنــظــر فــي ذلــــك، وتـكـسـر احــتــكــار الـــغـــرب، وفــرض هيمنته الثقافية وانـحـاللـه األخــالقــي من خاللها، وكأنها أصبحت أداة استعمارية، يــتــم مـــن خــاللــهــا ابــــتــــزاز الــــــدول واخـــتـــراق سـيـادتـهـا وسـلـخـهـا مــن ثقافتها وقيمها وحــضــارتــهــا، وإن سـمـيـت بــطــولــة للعالم، فـاملـقـصـود بـعـالـم، فــي قــامــوس الــغــرب هو «الغرب». وللتخفيف، قد يقال إن املقصود هـــو «الـــعـــالـــم املــتــحــضــر، أوالـــديـــمـــقـــراطـــي». ونــحــن نــدعــو الــعــالــم إلــــى املـــقـــارنـــة، وأخـــذ العبرة مـن تجربة قطر. وقــد دعــت صحف بريطانية، وغيرها من املهتمن، إلـى أخذ الــدروس من تجربة قطر واالستعانة بها فـــي تـنـظـيـم بـــطـــوالت مــمــاثــلــة، وأعــتــقــد أن بإمكان قطر تنظيم البطولة بعد فترة لوال عنصرية الغرب.