قرار قضائي يؤجج األزمة السياسية في إقليم كردستان
أجج حكم محكمة أربيل الرئيسية لصالح الرئيس المشترك لحزب «االتحاد الوطني الكردستاني» الهور شيخ جنكي، األزمة السياسية في إقليم كردستان العراق
نسف قرار قضائي في أربيل األربعاء املاضي جـهـودًا أميركية، وأخـــرى أممية، بذلت طـوال الشهرين املاضين إلنهاء األزمة السياسية في إقليم كردستان بن الحزبن الرئيسن، وهما «الديمقراطي الكردستاني» الحاكم في أربيل، بزعامة مسعود البارزاني، و«االتحاد الوطني الكردستاني»، الذي تعتبر السليمانية معقله الرئيس ويترأسه حاليا بافل الطالباني، نجل مؤسسه السابق جالل الطالباني. ويـــــوم األربــــعــــاء املــــاضــــي، أصــــــدرت محكمة أربـــيـــل الــرئــيــســيــة حــكــمــًا لــصــالــح الــرئــيــس املــــــشــــــتــــــرك لـــــــحـــــــزب «االتــــــــــحــــــــــاد الـــــوطـــــنـــــي الـكـردسـتـانـي» الهـــور شيخ جنكي، يقضي بــبــطــالن إقــصــائــه مـــن رئـــاســـة الـــحـــزب، بعد تقدمه بطعن قضائي. فـي املقابل، أصــدرت محكمة فـي بـغـداد قـــرارًا يـصـادق على بقاء بـــافـــل الــطــالــبــانــي، الــحــلــيــف لـــقـــوى «اإلطـــــار التنسيقي»، رئيسًا لحزب «االتحاد الوطني الديمقراطي» وتأييد صحة إزاحــة الرئيس املشترك معه الهور شيخ جنكي. ومنذ وفاة جالل الطالبان، مؤسس «االتحاد الـوطـنـي» ثاني أكبر أحـــزاب إقليم كردستان واملــــعــــروف بــعــالقــاتــه الـــقـــويـــة مـــع إيـــــــران، في أكتوبر/تشرين األول ،2017 لم يتفق الحزب عـــلـــى رئـــيـــس جــــديــــد، وتـــــم الــــخــــروج بـصـيـغـة ترضية مـن خــالل رئـاسـة مشتركة بـن بافل، نـجـل الـطـالـبـانـي األكــبــر، وجـنـكـي ابـــن شقيق
جالل الطالباني. لكن الخالفات تواصلت على الــنــفــوذ والــــصــــدارة وســـط اتــهــامــات مـتـبـادلـة انتهت بقيام بافل الطالباني بانقالب سريع، عـــبـــر فـــــرض اإلقــــامــــة الـــجـــبـــريـــة عـــلـــى جــنــكــي، واعـــتـــقـــال مــقــربــن مــنــه وإقــــالــــة آخــــريــــن، قبل اجتماع لقيادة الحزب، في أكتوبر ،2021 قرر فيه إقالة جنكي من رئاسة الـحـزب، الــذي رد بالتقدم بشكوى للقضاء فـي أربـيـل وبـغـداد، يطعن فيها باإلجراء ات املتخذة بحقه. وقــــــــررت مــحــكــمــة مــتــخــصــصــة فــــي أربــــيــــل، األربــــــعــــــاء املــــــاضــــــي، بــــطــــالن إقـــــالـــــة جــنــكــي الفتقارها إلـى األســس الصحيحة، معتبرة أنــه مـا زال رئيسًا مشتركًا لحزب «االتـحـاد الــوطــنــي الــكــردســتــانــي». فــي املــقــابــل، أيــدت دائـــرة األحـــزاب والتنظيمات السياسية في مفوضية االنتخابات العليا ببغداد، وهي جـهـة ال صــالحــيــات قـضـائـيـة لــهــا، قانونية وشــــرعــــيــــة قـــــــــــرارات «االتـــــــحـــــــاد الــــوطــــنــــي»، املـــتـــضـــمـــنـــة إقــــالــــة جـــنـــكـــي، وتـــســـمـــيـــة بــافــل الطالباني رئيسًا عامًا للحزب. ووفقًا للقرار، الذي أرسل بخطاب رسمي إلى حـكـومـة اإلقــلــيــم، فــإنــه «لـــم يـعـد هــنــاك وجــود لـنـظـام الــرئــاســة املـشـتـركـة فــي حـــزب االتــحــاد الــــوطــــنــــي، نـــظـــرًا ألصـــولـــيـــة تـــعـــديـــل املــنــهــاج الـــداخـــلـــي لـــلـــحـــزب، وتــبــلــيــغ دائـــــــرة األحــــــزاب واملـنـظـمـات السياسية فــي املـفـوضـيـة العليا لالنتخابات بذلك رسميًا». وقــــــال قــــيــــادي بــــــارز فــــي «االتـــــحـــــاد الــوطــنــي الكردستاني»، لـ«العربي الجديد»، إنه «تقرر إلغاء االجتماع املقرر اليوم السبت بن االتحاد الوطني والـحـزب الديمقراطي الكردستاني، عــقــب إصـــــدار الــحــكــم مـــن قــبــل مـحـكـمـة أربــيــل لـصـالـح جـنـكـي، والــــذي اعــتــبــرت فـيـه األخـيـر الرئيس املشترك الشرعي لالتحاد الوطني». وأشـار إلى أن «االتحاد الوطني يتهم غريمه الديمقراطي الكردستاني باالنحياز لصالح جنكي». ووصف القيادي قرار محكمة أربيل بــأنــه «مـسـيـس مــن قـبـل الــحــزب الـديـمـقـراطـي الكردستاني، ولن يتم التعاطي معه إطالقًا». ومــــنــــذ نـــوفـــمـــبـــر/تـــشـــريـــن الــــثــــانــــي املــــاضــــي، انخرطت الـواليـات املتحدة، إلـى جانب بعثة األمم املتحدة، في وساطة لتسوية الخالفات
ألغي اجتماع اليوم بين «االتحاد الوطني» و«الديمقراطي»
بـن الحزبن، والـتـي وصلت إلــى ذروتـهـا في ديــســمــبــر/كــانــون األول املــــاضــــي، بـمـقـاطـعـة وزراء فــي حـكـومـة اإلقـلـيـم تـابـعـن إلـــى حـزب «االتحاد الوطني» االجتماعات وعودتهم إلى السليمانية. وتـــتـــضـــمـــن أبـــــــرز نــــقــــاط األزمــــــــة الــســيــاســيــة مسألة االنـتـخـابـات التشريعية فـي اإلقليم، وطــريــقــة تنظيمها وفـــق الـــدوائـــر املــتــعــددة، أو الـدائـرة الـواحـدة، إلـى جانب قضية اتهام «الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود الــــبــــارزانــــي بـــاحـــتـــكـــار الـــســـلـــطـــة، والــتــمــيــيــز فــي تــوزيــع مــشــاريــع اإلعـــمـــار والـتـنـمـيـة بن منطقة وأخـــرى بحسب مـؤشـر التأييد إلى «الديمقراطي» من عدمه، إلى جانب اتهامات
أخرى تتعلق بالتحكم في املساعدات الغربية لإلقليم، وخاصة العسكرية للبيشمركة في الحرب على اإلرهاب. ومـــســـاء الـخـمـيـس املـــاضـــي، حــــذرت املـبـعـوثـة األمـــــمـــــيـــــة الـــــخـــــاصـــــة إلــــــــى الـــــــعـــــــراق جــيــنــن بـــالســـخـــارت، فـــي إحـــاطـــة أمــــام مـجـلـس األمـــن الـــــدولـــــي بــــشــــأن األوضــــــــــاع فــــي الــــــعــــــراق، مـن املخاطر املرتبطة بالخالفات السياسية في إقليم كردستان. فـــــي هــــــذا الــــســــيــــاق، فــــــإن خــــــيــــــارات الــضــغــط األمــيــركــي لـتـحـقـيـق تــســويــة سـيـاسـيـة داخـــل اإلقليم قد تشمل التلويح بتعليق املساعدات املالية والعسكرية املقدمة لوزارة البيشمركة، فـي حــال لـم يتم الـتـوصـل إلــى حـل للخالفات الــــحــــالــــيــــة، خــــاصــــة بــــعــــد تــــلــــويــــح «االتـــــحـــــاد الوطني» بالعودة إلى اإلدارة املستقلة ملدينة السليمانية بعيدًا عن أربيل. ووفقًا ملصادر سياسية في أربيل، فإن الجانب األمــيــركــي يـتـفـهـم وقــــوع «االتـــحـــاد الـوطـنـي» تـــحـــت ضـــغـــوط الــــقــــوى الــحــلــيــفــة إليـــــــران فـي بغداد، بشأن عدة ملفات، من بينها معارضة مد أنبوب الغاز املقترح من حقول اإلقليم إلى تركيا، وكذلك مسألة توحيد قوات البيشمركة الكردية ضمن قيادة واحدة. وكـــــــــان مـــنـــســـق الــــبــــيــــت األبـــــيـــــض لــــشــــؤون الــشــرق األوســـط بـريـت مـاكـغـورك زار إقليم كـــردســـتـــان، مـــرتـــن خــــالل الــشــهــر املـــاضـــي. وأجــــرى وقـتـهـا لــقــاءات بشكل منفصل مع قـيـادات «االتــحــاد الوطني» و«الديمقراطي الكردستاني» بالتزامن مع انعقاد اجتماع لـــوفـــدي الــحــزبــن الـرئـيـسـيـن فـــي محافظة الـسـلـيـمـانـيـة لـتـطـويـق الــخــالفــات الــجــاريــة بـيـنـهـمـا، والــتــي تـثـيـر مــخــاوف األكـــــراد من تـحـولـهـا إلــــى مــواجــهــة مـسـلـحـة، أو ذهـــاب الطرفن نحو خيار اإلدارتن. وقــبــل الــعــام ،2003 كـــان هــنــاك نــظــام إدارتـــن فــي إقـلـيـم كــردســتــان، األول فــي أربــيــل بـــإدارة «الــديــمــقــراطــي الـــكـــردســـتـــانـــي»، والـــثـــانـــي في الــســلــيــمــانــيــة وأطــــرافــــهــــا بـــــــــإدارة «االتــــحــــاد الـــوطـــنـــي»، قــبــل أن يــتــم تــوحــيــدهــمــا بـــــإدارة واحدة برئاسة مسعود البارزاني، في تسوية أشرفت عليها أطـراف دولية مختلفة، أبرزها أميركا وفرنسا، أنهت فيها صفحة الصراع املسلح الذي استمر سنوات بن الطرفن. واتــــــــهــــــــم عـــــضـــــو الــــــــحــــــــزب «الـــــديـــــمـــــقـــــراطـــــي الــكــردســتــانــي» ريــبــن ســـالم حـــزب «االتـــحـــاد الوطني الكردستاني» بـ«املماطلة ومحاولة تأجيج األوضاع الحالية في اإلقليم». واعتبر، في حديث مع «العربي الجديد»، أن حزبه أبدى «مـرونـة ومساعي حثيثة لحل الخالفات من أجل مصلحة اإلقليم، كون األحزاب والجهات السياسية في بغداد تستغل الخالفات لزيادة ضغطها على إقليم كردستان». وأضاف أنه «بدال من أن يكون االتحاد الوطني عامال مساعدًا ضد الـقـرارات التعسفية التي تتخذها السلطات العراقية، وخاصة املحكمة االتـحـاديـة، يزيد مـن املشاكل والـخـالفـات في اإلقليم، ملصالح شخصية وحزبية». في املقابل، فإن القيادي في «االتحاد الوطني الكردستاني» محمد الحاج عمر، في حديث لــــ «الـــعـــربـــي الــــجــــديــــد»، اتـــهـــم «الـــديـــمـــقـــراطـــي الكردستاني» بأنه «ال يريد إنهاء الخالفات، ويـــقـــوم بــخــطــوات لـــزيـــادة الــتــفــرد بـالـسـلـطـة، وتحجيم األحزاب األخرى».