شهر على اعتقال الغنوشي: حرب سعيّد تشمل الجميع
يمكن وضع بقاء رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي في السجن منذ أكثر من شهر في إطار فتح الرئيس قيس سعيّد حربًا على جميع معارضيه
دخلت عملية اعتقال رئيس حركة النهضة التونسية راشــد الغنوشي شهرها الثاني، بـــالـــتـــزامـــن مــــع الـــحـــكـــم عــلــيــه بــالــســجــن ملـــدة سنة بتهمة التحريض في ما يعرف بملف «الــــطــــواغــــيــــت». وكــــــان تــــم إيـــــــداع الــغــنــوشــي السجن فـي 17 إبريل/نيسان املـاضـي، على خـلـفـيـة تــصــريــح لــــه، خــــال اجــتــمــاع لجبهة الـــخـــاص الـــوطـــنـــي، وصـــــف بـــأنـــه تـحـريـض عـلـى الـكـراهـيـة، حـيـث تـحـدث عــن أن إقـصـاء «الــنــهــضــة» واإلســـــام الـسـيـاسـي أو الـيـسـار أو أي عــائــلــة فــكــريــة عـــن املــشــهــد الـسـيـاسـي في الباد يمكن أن يقود إلـى مشروع حرب أهـلـيـة. وكــانــت املحكمة االبـتـدائـيـة بتونس قضت اإلثنني املاضي بسجن الغنوشي عامًا واحــــدًا، مــع غــرامــة قيمتها ألـــف ديــنــار 328( دوالرًا) بتهمة التحريض في ما عرف بملف «الـــطـــواغـــيـــت». يــشــار إلــــى أن مــلــف القضية يتعلق بشكاية كان قد تقدم بها نقابي أمني ضـــــد الـــغـــنـــوشـــي، وذلــــــك بـــخـــصـــوص عـــبـــارة «طواغيت»، التي اتهم الغنوشي بالتصريح بها أثناء تأبينه أحد قيادات حركة النهضة إثــــر وفــــاتــــه، جــنــوبــي تـــونـــس قــبــل أكـــثـــر من عـــام. وكـمـا يـتـم التحقيق مــع الـغـنـوشـي في عـــدة قـضـايـا أخـــــرى، مـنـهـا مـــا عـــرف بشركة «أنــــســــتــــالــــيــــنــــغــــو» املـــخـــتـــصـــة فــــــي صـــنـــاعـــة املحتوى واالتصال الرقمي بسوسة، وأخرى أمام القطب القضائي ملكافحة اإلرهاب. واعتبر الباحث وعضو حراك «مواطنون ضد االنــقــاب» زهـيـر بـن إسـمـاعـيـل، فـي تصريح لــ «الـعـربـي الــجــديــد»، أن «اعـتـقـال الغنوشي يـعـتـبـر مــرحــلــة جـــديـــدة فـــي مــســار املــواجــهــة بني ما يمكن تسميته بالحركة الديمقراطية واالنـــــــقـــــــاب». وبــــــني أن «الــــغــــنــــوشــــي زعـــيـــم
سـيـاسـي ومـكـانـتـه وشــهــرتــه عـلـى املـسـتـوى الــدولــي أكـبـر مـمـا يحظى بــه عـلـى املستوى املـــحـــلـــي، والـــبـــعـــض كــــان يــعــتــبــر أن اعــتــقــال الغنوشي خط أحمر في إطار توازنات تبدأ من الجزائر إلى بعض شركاء تونس، كاألمم املتحدة وفرنسا. ولكن يبدو أن مـا يعتبره البعض خطًا أحمر قد تم تجاوزه». وقال بن إسماعيل إن «الحركة الديمقراطية تــــرى أن مـهـمـتـهـا إعــــــادة الــشــرعــيــة لــلــدولــة، وإنــــهــــاء األزمـــــــة، إمــــا بـــحـــوار وطـــنـــي عــــام أو ضـــمـــن دســــتــــور 2014 بـــاعـــتـــبـــار أن حــولــه إجـــمـــاعـــًا»، مـبـيـنـًا أن «مــــا فــعــلــه ســعــيــد هو الـتـدرج فـي االسـتـهـداف مـن ضــرب املرجعية وهــــي الـــدســـتـــور، ثـــم ضــــرب أهــــم املــؤســســات وهــي أســاســًا مجلس الــنــواب، ثـم استهداف القضاء، واآلن مر سعيد إلى ضرب الحريات، ألنها ستمكن في وقت ما من إعـادة التقييم والنظر في املسار ككل». وقــــال مـسـتـشـار رئــيــس «الــنــهــضــة» وعـضـو املـكـتـب الـسـيـاسـي لـلـحـركـة، بـلـقـاسـم حسن، لــ«الـعـربـي الــجــديــد»، إنــه «مـضـى شهر على اإلبقاء على الغنوشي في حالة إيداع، بسبب حضوره مسامرة رمضانية نظمتها جبهة الـــخـــاص الـــوطـــنـــي، هــــذا إلــــى جــانــب الـحـكـم الــصــادر أخــيــرًا والــقــاضــي بسجنه سـنـة في قضية أخـرى تتعلق بكلمة ألقاها في تأبني أحــد قــيــادات الحركة فـي الجنوب التونسي مـــنـــذ ســــنــــة». وأوضــــــــح أن «نــــائــــبــــي رئــيــس النهضة علي العريض ونور الدين البحيري هما أيضًا في السجن منذ أشهر، إلى جانب إيقاف قيادات أخرى في النهضة، ما يكشف االستهداف الواضح للحركة وقياداتها». وأشـــــــار حـــســـن إلـــــى أن «جـــــل االتــــهــــامــــات ال تستند إلــى حجة حقيقية، بـل جـــاءت تحت غـطـاء سـيـاسـي». وأوضـــح أن» املـقـر املـركـزي لـحـركـة الـنـهـضـة ال يـــزال خـاضـعـًا مـنـذ نحو شهر تقريبًا للتفتيش، ويمنع االجتماع في جـل املــقــرات الجهوية للنهضة بـقـرار إداري ال قضائي، وفــي ذلــك محاولة للضغط على الحركة». وأكـد أنه «مع كل ذلك فليس هناك أي إرباك، ألن النهضة لديها قيادات ومكتب تـــنـــفـــيـــذي ومـــجـــلـــس شــــــــورى، وهــــــي بــصــدد التعبير عن رأيها والتفاعل مع املستجدات في الساحة»، مشيرًا إلى أن «النهضة تعتبر أن اســتــعــادة املــســار الـديـمـقـراطـي هــي الحل والـــخـــاص، ســـواء عـلـى املـسـتـوى السياسي واالقــــتــــصــــادي واالجــــتــــمــــاعــــي، مــــع ضـــــرورة تنظيم حوار وطني شامل». وأكد أن «سجن رئـيـس الـحـركـة ملــدة شهر أو سنة لــن يــؤدي إلى االستسام أو تغيير املواقف، وإال فإن أي تعبير نضالي يواجه بالتعسف أو بالسجن يـسـتـسـلـم بـمـقــتــضــاه صـــاحـــبـــه»، مـبـيـنـًا أنــه «ســتــتــم اســـتـــعـــادة املـــســـار الــديــمــقــراطــي في نهاية األمر». وعن الداللة السياسية لعملية االعتقال، قـال حسن إن «املشهد يسير نحو مزيد من االنفراد بالرأي، ولذلك هناك تمسك أكـــثـــر بــالــديــمــقــراطــيــة ومـــحـــاولـــة اسـتـئـنـاف
الحزقي: تونس مرت من بلد يحترمه العالم لبلد االعتقاالت املــــســــار. أمــــا املـــحـــاكـــمـــات مـــن أجــــل كــلــمــة في تأبني أو تصريح في مسامرة، والتي تهدف إلـــى خـلـق مـنـاخ مـعـني مــن الــخــوف للتراجع عــن املــواقــف فـهـذا خــطــأ»، مــؤكــدًا أنـــه «ســـواء داخـــــل حـــركـــة الــنــهــضــة أو جــبــهــة الــخــاص فـــهـــنـــاك تــمــســك بــالــشــرعــيــة وبـــكـــل األشـــكـــال السلمية والقانونية لـعـودة الديمقراطية». وقــــــال عـــضـــو جــبــهــة الــــخــــاص الـــوطـــنـــي عـز الــــديــــن الـــحـــزقـــي، لــــ«الـــعـــربـــي الــــجــــديــــد»، إن «املــــشــــهــــد، بـــعـــد مـــضـــي شـــهـــر عـــلـــى اعـــتـــقـــال الغنوشي، زاد ســـوءًا، فتونس مــرت مـن بلد يحترمه الـعـالـم وتـحـتـرم فيه الـحـريـات إلى بــلــد االعـــتـــقـــاالت، ويــمــكــن اعــتــبــار ذلــــك أكـبـر خــطــأ قــــام بـــه االنـــــقـــــاب». واعـــتـــبـــر أنــــه «مــن الــعــار فــعــا وضـــع رئــيــس بــرملــان ســابــق في السجن فقط ألنه قال إنه يجب احترام جميع الـتـونـسـيـني، مــن يــســار إلـــى إســــام سياسي وعـــدم جـرهـم إلــى الـتـطـاحـن». وأضــــاف: «في املقابل، فإن من يحكم تونس وساكن قرطاج ال يـحـاسـب عـلـى تصريحاته الـتـي ال تخلو من تقسيم ودعـــوات إلـى التطاحن، وهــذا ما بـــرز تـقـريـبـًا فـــي جـــل مـــداخـــاتـــه». وتـــابـــع أن «ســجــن الـغـنـوشـي يـــدل عـلـى أن مــن وضعه ال يــمــلــك أي رؤيـــــا ولـــذلـــك هـــو قـــد يـــهـــدم كل شــيء باالعتماد على الـقـوة الصلبة للدولة فقط لتنفيذ ما يريده واعتقال معارضيه»، مضيفًا أن «هـنـاك فـرقـا بـني املـعـارضـة التي تؤمن بالحوار والعمل السلمي، وتأمل عودة تونس إلى الديمقراطية وبني من يريد بلدًا تـحـت سـلـطـة شـخـص واحــــــد». وكـــانـــت 150 شــخــصــيــة دولــــيــــة أكـــاديـــمـــيـــة وقــــعــــت، أمـــس األول األربـعـاء، على رسالة مفتوحة تطالب بـــإطـــاق ســــراح الـغـنـوشـي وبـقـيـة املعتقلني السياسيني، محذرين من أن تونس «تواجه هـجـومـًا شــرســًا يــهــدد بـإعـادتـهـا إلـــى عهود الدكتاتورية املظلمة».