الليرة السورية العاجزة رغم التطبيع العربي
مع دوران عجلة التطبيع بني النظام السوري والدول العربية يزداد وضع الليرة السورية سوءًا حيث المس سعر الصرف في السوق الــســوداء حاجز 9000 ليرة أمــام الـــدوالر على الـرغـم مـن األخبار الــــواردة التي يفترض أن تسعف االقـتـصـاد الـسـوري فـي محنته. وبينما هبطت أسقف البيوت على الناس خالل الزلزال املدّمر في 6 فبراير / شباط املاضي انتعشت الليرة قليال بفضل املساعدات املالية واملادية املخصصة لالستجابة الطارئة للزلزال. ومــن جملة مـا قــام بـه مصرف سـوريـة املـركـزي إجـــراء تغيير في سياسته النقدية لتصبح أكثر مرونة مع سعر السوق الرائج بهدف تقليص عـدد نشرات أسعار الصرف ضمن مساعيه لتوحيدها، حيث يصدر عن املركزي يوميًا 3 نشرات لسعر صرف الليرة أمام العمالت األجنبية وهي سعر الصرف الرسمي ونشرة املصارف ونــشــرة الـــحـــواالت، وســبــق وألــغــى نــشــرة رابــعــة متعلقة بـالـبـدالت العسكرية، وجاءت هذه السياسة بعد سنوات من التشبث بأسعار صرف عديدة وبعيدة عن سعر السوق السوداء. ومــا بـني مـسـاعـدات الــزلــزال ورفـــع العقوبات بشكل مـؤقـت وقــرار توحيد أسعار الصرف وقــرار عــودة سورية للجامعة العربية، لم تستقر الليرة ودخلت في مستويات قياسية جديدة. فما جدوى قـــرارات النظام النقدية وآثــار عــودة سورية للجامعة العربية على الليرة؟ تشير رؤيـة املصرف املركزي السوري في بـاب السياسة النقدية لـ«الحفاظ على االستقرار النقدي واملـالـي، بما يسهم في تحقيق أهــــداف الـسـيـاسـة االقــتــصــاديــة الـكـلـيـة، وتــقــوم عـلـى بناء سياسة نقدية فاعلة ومؤثرة تستهدف الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة السورية، ومعدل تضخم منخفض ومستقر، وتسهم في توفير البيئة املالئمة لالستثمار ودعم النمو االقتصادي». إال أن املتابع لسياسات املـصـرف املــركــزي واملــســار الهابط لليرة واالقتصاد يجد عكس كل ما ذكر في رؤية املصرف، حيث خفض املـركـزي قيمة الليرة مـن 50 ليرة لـلـدوالر إلـى 9100 ليرة بشكل دوري لتفقد %99.45 من قيمتها منذ ،2011 وارتفع معدل التضخم السنوي ألسعار املستهلك إلى أكثر من %600 في منتصف 2022 مقارنة بعام 2019 كما وصـل معدل التضخم الغذائي ألكثر من %670 خـــالل الــفــتــرة نـفـسـهـا، بـحـسـب املـــركـــز الـــســـوري لبحوث الــســيــاســات ألســـعـــار املـسـتـهـلـك فـــي ســـوريـــة لـلـفـتـرة بـــني تشرين األول/أكتوبر 2020 وحزيران/يونيو .2022 ومع دخول املصرف املركزي تحت رادار العقوبات األميركية واألوروبية وتعرض النظام املصرفي في لبنان ألزمـة مالية خانقة لم يوفر النظام أي طريقة للحصول على دوالرات من أي جهة، فاستغل املساعدات الخارجية من خالل إجبار وكاالت األمم املتحدة على استخدام سعر الصرف الرسمي في التصريف وهو أقل من سعر صرف السوق السوداء بطبيعة الحال، ليحقق النظام ما يقرب من 60 مليون دوالر في عام 2020 وحدها من خالل جمع 0.51 سنت من كل دوالر مقدم عبر املساعدات اإلنسانية املرسلة إلى سورية. وإذا تم تضمني الرواتب وبرامج املساعدات النقدية واملساعدات األخرى فقد يحقق املصرف املركزي مئات املاليني من الدوالرات بحسب دراسة ملركز الدراسات االستراتيجية والدولية ومركز أبحاث العمليات والسياسات، وباتت املساعدات األممية املتدفقة إلى سورية شريان حياة للنظام وإحدى القنوات الرئيسية في التهرب من العقوبات وإنعاش خزائن العملة الصعبة التي يستخدمها في أعمال العنف والقمع، فوقع املجتمع الدولي في تضارب بني عقوبات مفروضة لحرمان النظام من املوارد املالية وبني استغالله للمساعدات اإلنسانية للتهرب من العقوبات. كـمـا حــــول ســوريــة إلـــى دولــــة مـــخـــدرات تــصــدر إلـــى األردن ودول الخليج والــعــالــم، وصـــار مـخـدر الـكـبـتـاغـون بمثابة شــريــان حياة للمصرف املركزي في ظل العزلة والعقوبات املفروضة عليه، حيث يشير خبراء إلى أن حجم التجارة في هذا العقار املخدر بلغ 5.7 مليارات دوالر في عام .2021 ومع تزايد االحتياجات وتفاقم أزمة الطاقة والحبوب في سورية وانخفاض وتيرة املساعدات من إيران وروسيا، باتت هناك حاجة أكبر للعملة الصعبة الستيراد السلع واملواد األساسية، فاعتمد مع بداية العام الحالي سعر صرف قريب من سعر السوق السوداء، ورفع سعر الصرف في نشرة املصارف من 4522 ليرة للدوالر إلى ،6532 ودوالر الحواالت من 4500 إلى .6500 وعقب الزلزال وقرار وزارة الخزانة األميركية إعفاء سورية من العقوبات املفروضة بموجب قانون قيصر ملدة 6 أشهر لجميع املعامالت املتعلقة باالستجابة للزلزال، قرأ النظام القرار األميركي بشكل يتوافق مـع آلـيـات استغالل ّاملـسـاعـدات والـتـأكـد مـن مـرور املساعدات املالية عبر قنواته، ولم يدخر جهدًا في توفير أي طريق لتسهيل دخول األموال إلى خزائنه، فدمج سعر الحواالت والصرافة بسعر واحــد، وباتت عملية رفـع سعر الصرف تتم بشكل يومي لالقتراب من سعر صرف السوق السوداء حيث ارتفع إلى 6650 ليرة ومن ثم إلى 7250 تباعًا لتصل إلى 7800 في 16 أيار/مايو .2023 ليشكل اعــتــراف الـنـظـام بـأثـر الـسـوق الــســوداء على سعر الصرف وحصة العملة الصعبة منها، وحجم األزمـة النقدية التي تعيشها الـلـيـرة، واالبـتـعـاد ألول مــرة عـن الحلول األمنية وتهديد املتالعبني بالسعر بالسجن والعقوبات والـغـرامـات املالية، وبهذا سعى املصرف إلـى ضمان امتصاص العملة الصعبة إلـى قنواته واالستفادة منها تحت أي بند تدخل من خالله إلى سورية، وهو ما حصل بالفعل حيث أسفرت هذه الحركة عن زيادة حصة املركزي من الحواالت بشكل كبير بحسب مدير مديرية العمليات املصرفية ملدى مصرف سورية املركزي، وبـات أصحاب الحواالت يتجهون إلى السوق الرسمية بدال من السوق السوداء. على الرغم من قرارات الـبـنـك املــركــزي ومـسـاعـي الـنـظـام ومـــن ثــم قـــرار الـجـامـعـة العربية إعــادة مقعد النظام في الجامعة، ووعــود الــدول العربية في تقديم دعم مالي للنظام، إال أن ذلك كله لم يجد نفعًا في تصحيح مسار الليرة الـتـي واصـلـت الهبوط وشكلت فـجـوة مـقـدارهـا 1325 ليرة بني سعر السوق السوداء وسعر املصرف املركزي لتكسر حاجز 9100 ليرة أمام الــدوالر. ستبدو خطوة الـدول العربية نحو النظام السوري مجدية اقتصاديًا بالنسبة للنظام إذا رافقها رفع العقوبات املفروضة من قبل الدول العربية على سورية والتي تضمنت: وقف التعامل مع البنك املركزي، ووقف التبادالت التجارية الحكومية مع النظام السوري، وتجميد األرصـدة املالية مع النظام، ووقف جميع التعامالت مع البنك التجاري السوري، ووقـف تمويل أية مبادالت تجارية حكومية من قبل البنوك املركزية العربية مع البنك املركزي السوري، وتجميد تمويل إقامة مشاريع على األراضي السورية من قبل الدول العربية.