Al Araby Al Jadeed

العزلة الشرط األنسب لنظام األسد

- راتب شعبو

جـــــربــ­ـــت جـــامـــع­ـــة الــــــــ­ـدول الــــعـــ­ـربــــيــ­ــة، فــي مـــــــــ­ــارس/ أذار ،2013 ألول مــــــــر­ة فــي تاريخها، وتحت تأثير قوة احتجاجات شـعـبـيـة عــربــيــ­ة غــيــر مــســبــو­قــة، وتـأثـيـر قــوة ضغط خــارجــي، أن «تحتضن» في قمتها تمثيال لسورية أخـرى، غير التي يـمـثـلـهـ­ا نـــظـــام األســــــ­د، فــســمــع الـــرؤســ­ـاء واملــلــو­ك واألمـــــ­راء الــعــرب فــي قمتهم في الـــــدوح­ـــــة كــــالمــ­ــا ثـــقـــيـ­ــال عـــلـــى نــفــوســ­هــم مــــن املـــمـــ­ثـــل الـــــســ­ـــوري مــــعــــ­اذ الــخــطــ­يــب، الــــــــ­ـذي كــــــــا­ن قــــــد اســـــتــ­ـــقـــــا­ل مــــــن مــنــصــب رئـيــس االئــتــا­لف الـوطـنـي لــقــوى الـثــورة واملــعــا­رضــة الــســوري­ــة قـبـل يــومــن فقط، احـتـجـاجـ­ا عـلـى تــخــاذل الــعــرب أنفسهم والــعــال­ــم عــن دعـــم االنـتـفـا­ضـة الــســوري­ــة، بحسب تصريحه. وجه الخطيب حديثة لــلــزعــ­مــاء الـــعـــر­ب قـــائـــا­ل «اتـــقـــو­ا الـــلـــه فال خـيـر فيكم إن لــم تسمعوها، اتــقــوا الله في شعوبكم وحصنوا بالدكم بالعدل»، وطــــالــ­ــبــــهــ­ــم بــــــــا­إلفـــــــ­ـراج عــــــن املـــعـــ­تـــقـــلـ­ــن السياسين في بلدانهم. كان هذا صوتا نــشــازًا لــم تـألـفـه الـقـمـم الـعـربـيـ­ة، وكـانـت تلك املرة األولى واألخيرة التي «تخطئ» فيها الجامعة العربية وتستقبل ممثال فـــي الــقــمــ­ة ال يـشـبـه زعـــمـــا­ء عــديــديـ­ـن في فساده وقمعه، فيمتلك لذلك الجرأة على قول كـالم كالذي سمعوه في قاعة تكثر فيها مظاهر الفخامة واألبــهــ­ة، ويغيب عنها الــصــدق والـضـمـيـ­ر. هـكـذا كــان من األيسر لجامعة الدول العربية، بعد ذلك، أن تـواصـل عقد مـؤتـمـرات القمة بمقعد ســـــــور­ي شــــاغـــ­ـر، عـــلـــى أن تــــضــــ­م صــوتــا «شعبيا» ال غـايـة لـهـذه املـؤسـسـة أصـال سوى تغييبه. يــوجــد تـــرابـــ­ط أكــيــد بـــن غــيــاب الــصــوت الـــشـــع­ـــبـــي عــــن جـــامـــع­ـــة الــــــــ­دول الــعــربـ­ـيــة املـكـونـة مــن أنـظـمـة سياسية تـقـوم على الــفــســ­اد والــقــمـ­ـع والــضــعـ­ـف االقــتــص­ــادي وقـــــــو­ة حــــضــــ­ور وتــــأثــ­ــيــــر الـــــصــ­ـــوت غــيــر العربي فيها، فتكون املؤسسة العربية هذه ضعيفة في وجه الخارج. وقد كان مما يدعو إلـى التأمل أن الجامعة التي تريد «احتضان» نظام األسد إلبعاده عن إيــران، كما تقول، راقبت مراقبة العاجز زيارة الرئيس اإليراني إبراهيم رئيسي إلـــى دمـــشـــق، الـــزيـــ­ارة الــتــي حـصـلـت بن مـوعـد لـقـاء عـمـان لـــوزراء خارجية عرب يمهدون لعودة كرسي سورية إلى نظام األســـــد، ومـــوعـــ­د لـــقـــاء وزراء الــخــارج­ــيــة العرب في القاهرة الذي قرر، عقب زيارة الـرئـيـس اإليـــران­ـــي، «اسـتـئـنـا­ف مشاركة

وفـود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس جـامـعـة الــــدول الـعـربـيـ­ة». أي أن إيـــران جــاءت تـعـزز العالقات السياسية واالقتصادي­ة واألمنية مع نظام األسـد، على اإليـقـاع املتسارع لخطوات جامعة الــدول العربية من أجـل عــودة «سورية» إلى الجامعة. ال ينبغي البحث عـن أي تنافر فـي هذا الـــواقــ­ـع. جـــاء الــرئــيـ­ـس اإليـــران­ـــي يحتفل باالنتصار، وقد نشرت صحيفة األخبار اللبنانية القريبة من النظامن اإليراني والـــســـ­وري، فــي تغطيتها الـــزيـــ­ارة، ملفا بـــعـــنـ­ــوان (إعــــــال­ن االنـــتــ­ـصـــار اإليــــرا­نــــي – الــســوري)، معتبرة أنها بغرض تدشن «شــراكــة الـسـلـم» بـعـدمـا شــارفــت شـراكـة الحرب على النهاية (هل شارفت فعال؟). أمــا جامعة الـــدول العربية فإنها تكمل ما أنجزته إيران على األرض في دعمها العسكري وغير العسكري لنظام األسد، الـــــدعـ­ــــم الـــــــذ­ي ســــاهـــ­ـم مـــســـاه­ـــمـــة كــبــيــر­ة فـــي حــمــايــ­ة طـغـمـة األســــد مـــن الــســقــ­وط. فـتـح أبــــواب الـجـامـعـ­ة أمـــام نــظــام األســد ال يـــبـــدو، والـــحـــ­ال هـــــذه، ســــوى اعـــتـــر­اف إليـــران بـصـحـة سياستها الـقـائـمـ­ة على معاكسة تامة ومتواصلة وجدية للقرار «الــــعـــ­ـربــــي». أو بـــكـــال­م آخـــــر، اســتــطــ­اعــت إيــــــــ­ران فــــي وقـــوفـــ­هـــا الـــــجــ­ـــدي والــــحــ­ــازم مــع الـطـغـمـة األســـديـ­ــة، أن تـظـهـر للعالم أن الـــــقــ­ـــرار الــــعـــ­ـربــــي بــتــعــل­ــيــق عــضــويــ­ة سـوريـة فـي الجامعة قــرار ضعيف األثـر والــقــيـ­ـمــة، وأن تـظـهـر لـأنـظـمـة الـعـربـيـ­ة أن قرارها خاطئ، وأن تجعلها تتراجع عـــن هــــذا الــــقـــ­ـرار بــعــد حـــوالـــ­ي 12 ســنــة، ارتــكــب فيها نــظــام األســـد مــا ينبغي أن يـجـعـل الـجـامـعـ­ة، إذا أرادت أن تنسجم مــع قــرارهــا األول، أن تنتقل مــن تعليق العضوية إلى الطرد وليس إلى العودة عـن الــقــرار. غير أن الـقـرار األول بتعليق عضوية سورية في الجامعة لم يكن في أي لحظة منسجما مـع طبيعة األنظمة الـسـيـاسـ­يـة الــتــي تـشـكـل هـــذه الـجـامـعـ­ة، والـــتـــ­ي تـنـسـجـم فـــي الـــواقــ­ـع مـــع طبيعة نظام األسد القمعية والفاسدة. االنحياز لصالح االحتجاجات الشعبية ولــــصـــ­ـالــــح الـــضـــح­ـــايـــا ضــــد الــــجـــ­ـالديــــن، لـيـس مــن طبيعة أعــضــاء جـامـعـة الـــدول الـعـربـيـ­ة. هــذا مــا يـفـسـر لـنـا املـــأزق الــذي وجـــــدت األنـــظــ­ـمـــة الــعــربـ­ـيــة نـفـسـهـا فـيـه، أي اضـــــــط­ـــــــرار­هـــــــا، تــــحــــ­ت ضــــغــــ­ط قــــوة احـــتـــج­ـــاجـــات الـــســـو­ريـــن وديــمــوم­ــتــهــا، كـــمـــا تـــحـــت ضـــغـــط املـــــوق­ـــــف األوروبـــ­ــــــي واألمـــــ­يـــــركــ­ـــي، لـــلـــوق­ـــوف (حــــتــــ­ى لــــو كـــان عــلــى نــحــو شـكـلـي فــقــط) ضـــد نـــظـــام من

االنحياز لصالح االحتجاجات الشعبية ولصالح الضحايا ضد الجالدين ليس من طبيعة أعضاء جامعة الدول العربية

طينتها، يـقـمـع حــركــة احـتـجـاج تطالب بــالــديـ­ـمــقــراط­ــيــة والــــشــ­ــراكــــة الــســيــ­اســيــة وكــســر احــتــكــ­ار الـــدولــ­ـة. مـــن يــجــد نفسه فــي مـــأزق ســـوف يبحث عــن مــخــرج، وال مــخــرج مــن هـــذا املــــأزق ســـوى فــي العمل عـــلـــى تـــحـــوي­ـــل الــــحـــ­ـراك االجـــتــ­ـمـــاعـــ­ي فـي سورية إلـى صيغة غير تحررية بحيث تنسجم في طبيعتها هـذه مع مضمون األنـــظــ­ـمـــة الـــعـــر­بـــيـــة، أو فـــي الــــرجــ­ــوع عن املوقف. أنــجــزت األنـظـمـة الـعـربـيـ­ة مــا تـيـسـر لها مـــن قــتــل الــلــب الــديــمـ­ـقــراطــي فـــي الــثــورة الــســوري­ــة، ولـكـن عــوامــل عــديــدة كـــان من بن أهمها تضارب مصالح هذه األنظمة وال جـــديـــة الــــــدو­ل الـــتـــي أعــلــنــ­ت دعـمـهـا الــثــورة الــســوري­ــة، مـقـابـل جــديــة الجبهة املــســان­ــدة لـلـنـظـام وتـمـاسـكـ­هـا، أدت إلـى الـواقـع الــذي وصلت إليه سـوريـة، حيث تمكن نظام األسد من البقاء وإن بسيادة وأرض مــــنــــ­قــــوصـــ­ـتــــن. لـــــم يـــتـــبـ­ــق أمـــــام األنظمة العربية إذن ســوى الـعـدول عن «الخطأ» واالنسجام مع طبيعتها التي تفرض عليها اإلعجاب الضمني بقدرة «شقيقها» الــســوري على الـصـمـود ولو على جثة البالد. مــع ذلـــك، ال نعتقد أن هـــذا املـــآل كـــان في مـنـظـور أعــضــاء جـامـعـة الــــدول العربية حـــــن اتــــــخـ­ـــــذوا قــــــــر­ار تـــعـــلـ­ــيـــق عـــضـــوي­ـــة ســــوريــ­ــة. نـسـتـطـيـ­ع أن نـــقـــول إن هـــؤالء كــــــانـ­ـــــوا يــــنــــ­تــــظــــ­رون نـــتـــيـ­ــجـــة أخــــــــ­ـرى لــم تتحقق، ألن هـــؤالء متضاربو املصالح والـــــــ­ـــــــرؤى، فـــــضـــ­ــال عــــــن أنــــــهـ­ـــــم، بـــخـــال­ف «حـــلـــفـ­ــاء» الـــنـــظ­ـــام الـــذيـــ­ن يـــدعـــم­ـــون قــوة مـسـتـقـرة ومـــوحـــ­دة إلـــى حـــد ال بـــأس بـه، يدعمون قـوى مرتجلة ومتنافرة تنافر توجهات داعميها. ونعتقد أن السنوات الـــتـــي فـــصـــلـ­ــت بــــن تـــبـــنـ­ــي قــــــرار تـعـلـيـق الـعـضـويـ­ة والـــعـــ­ودة عـنـه، غـيـرت الكثير فــي بـنـيـة الــنــظــ­ام الـــســـو­ري وفـــي طبيعة عالقته باملجتمع الــســوري، فقد أصبح مـــن اإلجــــــ­رام والـــتـــ­جـــاوزات واالســتــ­غــنــاء بـــعـــوا­ئـــد الـــكـــب­ـــتـــاغـ­ــون، يــجــد فـــي الــعــزلـ­ـة الــــشـــ­ـرط األنــــسـ­ـــب الســــتــ­ــمــــرار­ه. وهـــــو مـا سيجعل مــن عــودتــه إلـــى جـامـعـة الـــدول الـعـربـيـ­ة عـبـئـا عـلـيـه، ذلـــك أنــهــا ستكون محال لتذكيره بالشروط التي وضعتها لــــلــــ­عــــودة، وال ســـيـــمـ­ــا أن الـــجـــا­مـــعـــة لــم تـتـجـاوز قـــرار مجلس األمـــن 2254 الـذي يطالب بكسر احـتـكـار الــدولــة الـسـوريـة. وهذا ما يفسر عدم ترحيب النظام بقرار الــجــامـ­ـعــة بـــعـــود­تـــه إلــــى مــقــعــد ســـوريـــ­ة، ورفضه تقديم تنازالت مقابل العودة.

 ?? )Getty( ?? دمية تمثل بشار األسد ويداه ملطختان بالدماء خالل مظاهرة في روما في 7 أكتوبر/ تشرين األول 2017
)Getty( دمية تمثل بشار األسد ويداه ملطختان بالدماء خالل مظاهرة في روما في 7 أكتوبر/ تشرين األول 2017

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar