Al Araby Al Jadeed

نازحو السودان

جشع زيادة اإليجارات في كل مكان

- الخرطوم ـ محمد عبد الباقي

فـــي 10 إبــــريــ­ــل/ نــيــســا­ن املــاضــي خـــضـــع أيــــمـــ­ـن 62( عـــــامــ­ـــا)، الــــذي اكتفى بذكر اسمه األول، لجلسة غـــســـيـ­ــل كـــلـــى فــــي املــــركـ­ـــز الـــصـــح­ـــي الـــوحـــ­يـــد املــتــخـ­ـصــص بـــعـــاج هــــذا املـــــرض فـــي مـديـنـة ود مـدنـي بـواليـة الـجـزيـرة، وســط الــســودا­ن. وبعدها حصل على جلسة ثانية في 23 من الشهر نفسه، وهــو فعليا مـن بـن أشخاص كـثـيـريـن مــن ذوي الــوضــع الـصـحـي الـدقـيـق الذين غيرت ظروف االشتباكات التي نشبت بن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 إبريل/ نيسان كل تفاصيل حياتهم. خال الفترة السابقة قطع أيمن، وهو صاحب دخـل محدود للغاية، مسافة 173 كيلومترًا لـــلـــوص­ـــول مـــرتـــن إلـــــى مـــركـــز غــســيــل الـكـلـى بمدينة ود مدني، حيث أصبح زبونا معروفا لدى صاحب شقق مفروشة في املدينة أجره شقة بمبلغ 150 دوالرًا. وخـال املـرة الثانية لـــوجـــو­د أيــمــن فـــي الــشــقــ­ة املــســتـ­ـأجــرة، طــرق صــاحــب الــعــقــ­ار بــــاب الــشــقــ­ة، فـاعـتـقـد أيـمـن للوهلة األولــــى أن األمـــر زيــــارة عــاديــة، لكنه تـلـقـى مــفــاجــ­أة صــاعــقــ­ة تـمـثـلـت فـــي مطالبة صاحب العقار إياه بإخاء الشقة ألن زبونا جديدًا أراد أن يستأجرها بمبلغ 1700 دوالر.

ود مدني غير المرغوبة

قبل اندالع الحرب في الخرطوم، كان اإلقبال مـــحـــدو­دًا عــلــى الــشــقــ­ق املــفــرو­شــة وتــلــك غير املفروشة في مدينة ود مدني التي ال تعتبر وجــهــة مـهـمـة لـغـيـر سـكـانـهـا وســكــان الـقـرى واألريـــا­ف املـجـاورة، لـذا يتدنى الطلب كثيرًا على الشقق املـفـروشـ­ة فيها، إال مـن مرضى يــأتــون مــن مـنـاطـق بـعـيـدة، وهـــو حـــال أيمن اليوم. ويكشف سكان في ود مدني أن أجرة الشقق السكنية املفروشة كانت تـــراوح بن 150 250و دوالرًا شهريا، وتلك غير املفروشة بـــن 100 180و دوالرًا شــهــريــ­ا، أمــــا املــنــاز­ل الشعبية، وجميعها غير مفروشة، فتراوح قـيـمـة إيــجــاره­ــا بــن 80 دوالرًا 100و دوالر شهريا. لكن خــال األيـــام األولـــى مـن املعارك التي اندلعت في 15 إبريل/ نيسان املاضي، فّر آالف األشخاص إلى ود مدني، معظمهم لـجـأوا إليها للمرة األولـــى فـي حياتهم، لذا شهدت املدينة نقصا غير مسبوق فـي عدد املــســاك­ــن، وهـــو مــا لــم تـشـهـده فــي تاريخها، ما دفـع أصحاب الشقق املفروشة والفنادق إلى رفع إيجار الغرفة الواحدة من 5 دوالرات إلى 60 دوالرًا يوميا في بعض املناطق. وردًا على طلب اإلخـــاء حـــاول أيـمـن، بـا جــدوى، إقناع صاحب الشقة بأن لديه جلسة غسيل كلى سيجريها بعد 48 ساعة قبل أن يغادر ويـسـلـمـه مــفــتــا­ح الــشــقــ­ة. ويـــقـــو­ل لـــ«الــعــربـ­ـي الــجــديـ­ـد»: «يــبــدو أن قـيـمـة اإليـــجــ­ـار الـيـومـي الـــتـــي تــضــاعــ­فــت أكـــثـــر مـــن 10 مـــــرات يـومـيـا أصابت البعض بالذعر، فهذه ثروة لم تهبط سابقا على مالكي العقارات في ود مدني». ويـتـابـع: «لــم يظهر أحــد أي رحـمـة، وفــي ظل غـيـاب السلطات الرسمية وانــعــدا­م القانون الـــــــر­ادع، أصــبــح قــــرار تــحــديــ­د قـيـمـة اإليــجــا­ر اليومي في أيــدي مالكي العقار وحدهم ألن السلطة الـرسـمـيـ­ة تـاشـت بسبب الــذعــر من االشتباكات». واضطر أيمن إلـى قضاء مدة االنـتـظـا­ر داخـــل ممر فــي مـركـز غسيل الكلى مــعــرضــ­ا حــيــاتــ­ه لــلــخــط­ــر، ألنــــه ال يستطيع مواكبة أسعار املساكن في ود مدني.

تائهون

وعــمــومـ­ـا امـــتـــأ­ت الــطــرقـ­ـات الـضـيـقـة فـــي ود مدني بفارين من االشتباكات، وسار بعضهم ثاثة أيــام مـن دون وجهة مـحـددة بحثا عن مأوى. تقول مريم إسحاق لـ «العربي الجديد»: «ركبت مع بناتي الثاث من الخرطوم مركبة لنقل البضائع، وحـن وصلنا إلـى ود مدني لم نعرف أحــدًا فيها، فأمضينا يومنا األول في مبنى مدرسي جـرى تجهيزه على عجل ليستقبل نــازحــن، لكننا لـم نستطع البقاء فــتــرة طـويـلـة فــي فــنــاء مـبـنـى املـــدرسـ­ــة الــذي اكــتــظ بـمـواطـنـ­ن مــن كــل األعـــمــ­ـار، وغــادرنــ­ا لـلـبـحـث عـــن مـــــأوى بـــاإليــ­ـجـــار واملـــكــ­ـوث فيه فـي انتظار أن يلحق بنا زوجــي واثـنـان من أبنائي الذين لم يستطيعوا مرافقتنا لعدم توفر املال الازم لشراء تذاكر للجميع». تتابع: «اعتقدنا في البدء بأنه يمكن العثور على منزل معروض لإليجار بسعر مناسب في أحد األحياء النائية، ثم تأكدنا بعد رحلة بحث مضنية استمرت أكثر من 10 ساعات، أن هذا األمر يخالف ما توقعناه، ألن جنون زيـــادة قيمة اإليــجــا­رات انتشر فـي كـل مكان، وباتت مسألة العثور على منزل، مهما بلغت حالته من بؤس أو وجوده في حي ناء وبعيد جدًا عن وسط املدينة، شبه مستحيلة». وفــيــمــ­ا لـــم يــكــن الــبــقــ­اء فـــي مــركــز إيـــــواء غير مجهز بطريقة مثالية أمـرًا مقبوال بالنسبة إلـــى مــريــم وبـنـاتـهـ­ا الـــثـــا­ث، وأصــغــره­ــن في الــ41 من العمر وأكبرهن في الــ22 من العمر، ألنــهــا تــريــد وضـعـهـن فــي مــكــان أكــثــر أمــانــا، كررت األم البحث عن شقة لإليجار في اليوم الـتـالـي، ثـم اكتشفت أن قيمة اإليــجــا­ر تــزداد يـومـيـا، إذ ارتـفـعـت قيمة استئجار جــزء من مــنــزل مـتـوسـط الــحــال وال يتضمن خـدمـات كـــافـــي­ـــة إلـــــى نـــحـــو 500 دوالر شـــهـــري­ـــا، مـع مطالبة أصـحـاب الـعـقـارا­ت بالحصول على مقدم شهرين على األقل لتسليم أي شقة. وتـقـول مـريـم: «اسـتـغـال أصـحـاب الـعـقـارا­ت غير مسبوق، في وقت ال يتجرأ فيه أحد على الــتــدخـ­ـل إلعــادتــ­هــم إلـــى الـــصـــو­اب وإلــزامــ­هــم بــتــقــا­ضــي الـــحـــد األدنـــــ­ى مـــن ســعــر اإليـــجــ­ـار، فالسلطات الرسمية شبه غائبة. وحن حاول بـعـض املــســؤو­لــن رد األمــــور إلـــى نصابها، وجــدوا صعوبات كثيرة ألن تنفيذ القانون مــهــمــة عـــســـيـ­ــرة أثــــنـــ­ـاء الـــــحــ­ـــرب». ومـــــن أجـــل املــســاه­ــمــة فـــي تـخـفـيـف أزمــــة الــســكــ­ن، قـــررت وزارة التربية والتعليم فـي واليـــة الجزيرة إنهاء العام الدراسي في منتصفه، وتحويل املدراس واملقار التابعة لها إلى مراكز إليواء النازحن. وانتهى األمر بمريم بقبول البقاء فــي مــدرســة جـــرى تحويلها عـلـى عـجـل إلـى مــركــز إيـــــواء، واقـتـسـمـ­ت مـــع بـنـاتـهـا الـثـاث غـرفـة ضيقة مــع ثـــاث نـسـاء وأربــعــة أطـفـال افترشوا األرض على بطانيات بالية تبرع بها سكان الحي الذي توجد فيه املدرسة.

القضارف تفيض بالناس

ليست ود مدني املدينة الوحيدة التي وجد فيها النازحون من االشتباكات عناء ومشقة كــبــيــر­ة فـــي الـــحـــص­ـــول عــلــى مــســاكــ­ن يــــأوون إلـيـهـا، فـفـي مـديـنـة الــقــضــ­ارف قـــرب الـحـدود اإلثــيــو­بــيــة كـــان الـــوضـــ­ع أكــثــر ســـــوءًا. وفيما قـــدرت إحــصــاءا­ت غير رسمية بأكثر مـن 15 ألفا عدد الهاربن من الخرطوم الذين وصلوا إلى القضارف، إضافة إلى نحو 6800 أجنبي، بدأ نحو 16 ألفا منافسة حادة للحصول على مـسـاكـن فــي املــديــن­ــة الــتــي تـشـيـر إحــصــاء ات رسمية إلى أنها تضم 10 فنادق فقط أكبرها مـؤلـف مـن 4 طـوابـق فقطـ، إضـافـة إلــى نحو 200 شقة، 200و منزل تتألف من طابق أرضي فقط. ووسـط تنافس آالف األشخاص الذين قطعوا مسافة 413 كيلومترًا بن الخرطوم والـقـضـار­ف للهرب مـن الـقـتـال، يـقـول جعفر مـــنـــصـ­ــور، وهــــو مــعــلــم فـــي مــرحــلــ­ة األســــاس بـالـخـرطـ­وم، الـــذي وصـــل إلـــى الــقــضــ­ارف في

 ?? (فرانس برس) ?? تعاني مدن في السودان حاليًا من نقص غير مسبوق في المساكن
(فرانس برس) تعاني مدن في السودان حاليًا من نقص غير مسبوق في المساكن

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar