إسرائيل تدمر منزل طه بغزة للمرة الثالثة
للمرة الثالثة، دمر االحتالل اإلسرائيلي منزل عائلة طه ليشرد أفرادها ويقتل ذكرياتهم وأحالمهم مجددًا
28 إبــــريــــل/ نـــيـــســـان املــــاضــــي بـــرفـــقـــة والـــــده الـذي أجـرى عملية جراحية قبل شهر واحد ووالدته وإخوته الثالثة، لـ «العربي الجديد»: «غادرنا منزلنا في منطقة األزهــري، جنوب الــخــرطــوم، فــي 17 إبــريــل/ نـيـسـان، وبسبب الحالة الصحية لوالدي أمضينا يومني في مدينة رفاعة التي تبعد نحو 150 كيلومترًا عن الخرطوم، ثم انتقلنا إلى ود مدني حيث لـم يكن مـن السهل العثور على سكن فيها، بعدما امتألت املدينة حتى فاضت بالناس، فـــقـــررنـــا مـــواصـــلـــة الـــرحـــلـــة إلـــــى الـــقـــضـــارف، وكــــانــــت صــدمــتــنــا قـــاســـيـــة حــــني وجــــدنــــا أن اإليـجـار الشهري ألقـل منزل يتسع ألسرتنا 600 دوالر». يــضــيــف: «اضـــطـــررت إلـــى دفــع مقدم شهر واحـد، وحاليًا أعيش مع أسرتي على حـد الكفاف، فـي ظـل ارتـفـاع فـي أسعار املـــواد الـغـذائـيـة، وعـــدم وجـــود مـصـدر دخــل، علمًا أنـنـي اتـقـاضـى 250 دوالرًا شهريًا من عملي في مدرسة خاصة، لكنني لم أحصل بعد على راتب شهر مارس/ آذار، وأنا أتوقع أن تتوقف إدارة املدرسة عن صرف املرتبات للمعلمني، فــاملــدارس الـخـاصـة تـدفـع رواتــب أثـــنـــاء الـــعـــام الــــدراســــي فـــقـــط، والــــــذي تـوقـف حـــالـــيـــًا». ويـــقـــول شـــهـــود إن آالفـــــًا مـــن األســـر تـعـيـش أوضـــاعـــًا مــأســاويــة فــي شـبـه الــعــراء بالقضارف، بسبب الزيادة الكبيرة في قيمة ايجارات الشقق السكنية واملنازل الشعبية. ويـخـبـر سـلـيـمـان مــخــتــار، وهـــو أحـــد سـكـان
يحدد المالكون وحدهم قيمة اإليجار في ظل انعدام القانون
يتقاضى مالكو الشقق مقدم شهرين لتسليم المفاتيح للمستأجرين الـــقـــضـــارف، «الـــعـــربـــي الـــجـــديـــد»، بــــأن قيمة اإليــجــارات زادت خمسة أضعاف عما كانت عليه وصوال إلى أرقام تراوح بني 300 400و دوالر. ويــبــرر أحــد مالكي الشقق املفروشة بــــالــــقــــضــــارف الــــــزيــــــادة الـــكـــبـــيـــرة فـــــي قــيــمــة اإليــجــارات، فـي حديثه لـ«العربي الجديد»، بــــأن «الـــقـــطـــاع تـــعـــرض إلــــى خــســائــر كـبـيـرة بسبب ارتـفـاع أسعار مــواد البناء والرسوم الكبيرة التي تفرضها السلطات فـي مقابل ضــعــف اإلقـــبـــال عــلــى الــشــقــق املـــفـــروشـــة، لــذا نعتبر أن انـــدالع االشتباكات فـي الخرطوم فـرصـة للتعويض قليال عـن الخسائر التي تراكمت علينا». ال تنجو بلدة بيت الهيا الواقعة شمال قـطـاع غـــزة مــن نــيــران جـيـش االحـتـالل االســـرائـــيـــلـــي. وخــــالل كــــل عـــــدوان على القطاع، تتعرض أهداف مختلفة فيها لــلــقــصــف، األمـــــر الـــــذي يــلــحــق أضـــــرارًا باملساكن ومصادر الـرزق، وخصوصًا فــــي األراضــــــــي الــــزراعــــيــــة الـــتـــي تـشـكـل مـــصـــدر رزق أســـاســـيـــا لــلــســكــان إذ إن غالبيتهم مـزارعـون. وكانت عائلة طه آخر املتضررين. قصفت طـائـرات االحـتـالل اإلسرائيلي منزل عائلة طه يوم الجمعة املوافق لـ 12 مايو/ أيار الجاري، ودمـرت املبنى املؤلف من ثالث طبقات والـذي يعيش فيه 15 فـــردًا بـالـكـامـل. وهـــذه هـي املـرة الثالثة الذي يدمر فيها منزل العائلة. فـــي عـــــدوان عـــام ،2012 دمـــر االحــتــالل منزلهم جزئيًا، ثم دمـر بالكامل خالل عدوان عام .2014 يعمل معظم أفراد العائلة في الزراعة. لـكـن اضــطــر الـبـعـض للبحث عــن مهن أخــــــرى فــــي ظــــل تـــضـــرر املـــــزارعـــــني فـي الـــبـــلـــدة مـــن االنـــتـــهـــاكـــات اإلســرائــيــلــيــة املـــتـــكـــررة والـــحـــصـــار الـــــذي أثــــر بشكل كبير عـلـى املـــزارعـــني. خـسـر سمير طه 63( عامًا) منزله ومزروعاته التي كان يـنـتـظـر حـــصـــادهـــا. ويـــقـــول إنــــه مـسـاء الــخــمــيــس 11( مـــايـــو الــــجــــاري)، تلقى ابــــن عــمــه اتـــصـــاال مـــن الــجــيــش وطـلـب مـــنـــهـــم إخـــــــالء املـــبـــنـــى بــــاإلضــــافــــة إلـــى منازل الجيران، وتوجهوا إلى الشارع ومــــكــــثــــوا فـــيـــه حـــتـــى مـــنـــتـــصـــف الــلــيــل يـنـتـظـرون الــقــصــف، ثــم تـلـقـوا اتــصــاال آخــــــر وطــــلــــب مـــنـــهـــم الـــجـــيـــش الــــعــــودة إلــى املــنــزل إلــى حــني إخـبـارهـم بموعد القصف، ليصابوا بالقلق. ويوضح سمير في حديثه لـ «العربي الــجــديــد»: «يـــوم الـجـمـعـة وبــعــد صـالة الــــظــــهــــر، تـــلـــقـــت الـــعـــائـــلـــة اتـــــصـــــاال مـن الجيش وطلب منهم اإلخــالء. سارعت العائلة إلعــالم الـجـيـران بـاألمــر. وبعد أقـــــــل مـــــن ســـــاعـــــة، قـــصـــفـــت الــــطــــائــــرات اإلسرائيلية املنزل بصاروخ تحذيري ثـــم صـــاروخـــني كــبــيــريــن أحـــدثـــا دمــــارًا كبيرًا في املنزل والحّي». يضيف وهـو يبكي: «لـم نفرح باملنزل بـــــعـــــد. بـــــذلـــــت جـــــهـــــدًا كــــبــــيــــرًا لـــبـــنـــائـــه وتأسيسه مـن جـديـد. أنــا رجــل متقدم في العمر ولم يعد لدي طاقة. أحفادي األربعة فقدوا كافة أغراضهم املدرسية. جــاءت حفيدتي لتخبرني أنــه لـم يعد لـــديـــهـــا زي مــــدرســــي إال أنـــنـــي وقــفــت عـاجـزًا أمـامـهـا. مـــاذا يمكنني أن أقـول لــهــا غــيــر الــصــبــر، لـكـنـهـا لـــن تــفــهــم ما أعنيه». بعد تدمير املنزل، قرر سمير وأبـــــنـــــاؤه إنــــشــــاء خـــيـــمـــة عـــلـــى مــقــربــة مـــن أنـــقـــاض املــــنــــزل، إذ إنــــه لـــن يشعر بـــاالرتـــيـــاح فـــي حــــال ذهــــب إلــــى مــنــزل أقـاربـه، فيما توجهت زوجته وأبناؤه وأحـــــفـــــاده إلـــــى مـــنـــزل أقـــاربـــهـــم لـلـنــوم وقضاء حاجياتهم. منير محمد طه 54( عامًا) وهو شقيق سمير، كان يعمل فنيًا كهربائيًا، إال أنه عاطل عن العمل منذ أكثر من عام، علمًا أنـه انتقل للعمل في الـزراعـة. ويحاول قضاء الوقت مع أبنائه. لكن بعد تدمير املنزل، ال يعلم مصيره ومصير أبنائه، وال يـرى أن املــال الــذي سيحصل عليه قـد يعوضه عـن قيمة املـنـزل الحقيقية وخصوصًا املعنوية. أعاد تدمير املنزل ذكـــريـــاتـــهـــم األلـــيـــمـــة عـــــام ،2014 حـني دمــر االحــتــالل منزلهم لـلـمـرة الثانية. ويقول لـ «العربي الجديد»: «كنا داخل املنزل عام ،2014 وجاء مختار العائلة ليخبرنا أن الجيش اإلسرائيلي هاتفه وأخبره أنه يأمرهم باإلخالء السريع. وبـــعـــد دقـــائـــق دمــــــروا املــــنــــزل. فـــي ذلــك اليوم، تركت كل أوراقــي الرسمية وكل ما أملك. كان منزال جميال وفيه الكثير من الذكريات. ولـدت فيه وعشت أيامًا مع أشقائي. ما زلت أذكر شجرة التوت وغــيــرهــا مـــن األشــــجــــار. لــكــن فـــي غـــزة، اعــتــدنــا أن شـيـئـًا ال يـبـقـى عــلــى حـالـه بسبب االحتالل». أمــــا الــشــقــيــق الــثــالــث خـمـيـس طـــه 52( عـــامـــًا)، فـيـعـمـل مـــزارعـــًا لـكـنـه ال يعمل في الوقت الحالي. ويقول إن االحتالل مـــــارس ضــغــوطــًا نــفــســيــة كــبــيــرة عـلـى أفـــراد العائلة عندما دفعهم للخروج إلـــى الـــشـــارع بـعـد تــهــديــدهــم، ثـــم طلب مـنـهـم الـــعـــودة إلـــى املـــنـــزل. عــــادوا إليه ليعيشوا ســاعــات صعبة جـــدًا، وكـأنـه حكم مؤجل باإلعدام واملصير هو املوت الـحـتـمـي». ويـذكـر اسـتـهـداف منزلهم خـالل عــدوان عـام ،2012 عندما لحقت أضرار جزئية به بعد قصفه بصاروخ طـــــائـــــرة اســــتــــطــــالع إســــرائــــيــــلــــيــــة. كـــان األمــر مفاجئًا حينها، بعدما شاهدوا حـــجـــم الــــدمــــار الــــــذي أحــــدثــــه صـــــاروخ طائرة االستطالع في املنزل. ويقول لـ «العربي الجديد»: «عشنا أيامًا صعبة في كل عــدوان. كـان الـعـدوان األول عام 2008 ـ 2009 كارثيًا على سكان البلدة، ونـزح معظم السكان ونحن أيضًا. في ذلــك الــوقــت، وجـدنـا الـنـوافـذ واألبـــواب محطمة لكن أصلحناها بسرعة. إال أن التدمير األخير شـرد حوالي 15 أسرة وتضررت ثمانية منازل جزئيًا». ويقول خميس إن االحتالل يعمد إلى إبـالغ الناس باإلخالء لتبرير جرائمه والــــقــــول إنـــــه إنـــســـانـــي أمــــــام املــجــتــمــع الـــــدولـــــي، مــضــيــفــًا: «يــــخــــدع االحـــتـــالل الــعــالــم بــتــبــريــرات فـــارغـــة. كــيــف يـدمـر منزال فيه ذكـريـات وتعب وتضحيات وأصـــحـــابـــه يــعــيــشــون أزمـــــــات نـفـسـيـة واجتماعية وانغالقًا، ثم يقول للعالم الخارجي إنه جيش إنساني؟». يضيف أنه يعتمد «القتل البطيء».