أثر النجوم فائقة الكتلة
تمكن علماء فلك للمرة األولـــى مــن اكـتـشـاف األثــر الـكـيـمـيـائـي لــلــنــجــوم فــائــقــة الــكــتــلــة الـــتـــي أضــــاءت الكون الناشئ بضوء مماثل ملا ينبعث من ماليني الشموس بما يشبه «وحوشًا سماوية»، في مجرة ظهرت قبل أكثر من عشرة مليارات سنة. وقــالــت الــبــروفــيــســورة فــي عـلـم الـفـلـك لـــدى جامعة جنيف، كورين شاربونيل، في بيان: «نعتقد أننا وجدنا أول دليل على وجود هذه النجوم املدهشة». وهـــذه الـنـجـوم غير الـعـاديـة جــرى تفسيرها حتى اآلن مــن الـنـاحـيـة الـنـظـريـة فـقـط. يـفـوق حـجـم أكبر نــجــم رصــــد حــتــى الـــيـــوم مـــا يــزيــد قــلــيــال عـــن حجم 300 شمس، بينما يتخطى حجم النجم الـذي ذكر فـي الــدراســة، املنشورة فـي مجلة أسترونومي أند أستروفيزيكس، كتلة الشمس بـ5 إلى 10 آالف مرة. ووضـع الفريق الـذي تقوده عاملة الفيزياء الفلكية إلــى جانب علماء مـن جامعتي جنيف وبرشلونة ومعهد الفيزياء الفلكية في باريس نظرية لوجود هذه النجوم الضخمة عام ،2018 بهدف شرح أحد ألــغــاز علم الـفـلـك، وهــو الـتـنـوع الكبير فــي تركيبة النجوم في تجمعات نجمية كروية. تضم هذه التجمعات التي عـادة ما تكون قديمة جـــــدًا مـــاليـــني الـــنـــجـــوم ضـــمـــن مـــســـاحـــة صــغــيــرة. وكـــشـــف الـــتـــقـــدم املــــحــــرز فـــي عــلــم الــفــلــك عـــن عــدد مـتـزايـد مـنـهـا، كــنــوع مــن «الـحـلـقـة املــفــقــودة» بني الـــنـــجـــوم واملــــجــــرات األولـــــــى. وتـــضـــم مـــجـــرة درب التبانة التي تحوي أكثر من مائة مليار نجم نحو 180 تجمعًا نجميًا كـرويـًا، بحسب مـا ذكــر بيان
لجامعة جنيف. ويكمن اللغز فـي أن عــددًا كبيرًا مـــن الــنــجــوم فـــي هــــذه الــتــجــمــعــات يــحــتــوي على عناصر تتطلب درجــات حــرارة هائلة لكي تنتج، إذ قد تصل الحرارة الالزمة إلنتاج األملنيوم إلى 70 مليون درجـــة مـئـويـة. ودرجــــات الــحــرارة هذه هي أعلى بكثير من تلك التي تصل إليها النجوم في وسطها، والبالغة بني 15 إلى 20 مليون درجة مئوية كحد أقصى، كشمسنا مثال. أمــــا االحـــتـــمـــال الـــــذي اقـــتـــرحـــه الــبــاحــثــون فــهــو في «تلوث» هذه النجوم بنجم فائق الكتلة ناشئ، ألنه الـوحـيـد الــقــادر على بـلـوغ درجـــات حـــرارة مماثلة. ويــرى العلماء أن النجوم فائقة الكتلة تنشأ عقب تـصـادمـات متتالية تحصل فــي املـسـاحـة الضيقة والكثيفة جدًا للتجمع النجمي الكروي. وقالت شاربونيل، لوكالة فرانس بـرس، إن «نوعًا من بذور نجوم ستبتلع عددًا متزايدًا من النجوم، وتصبح مثل مفاعل نووي ضخم يتغذى باستمرار عـلـى مـــواد يـقـذف منها كمية كـبـيـرة» فــي التجمع الـنـجـمـي الــــكــــروي. وســـتـــغـــذي هــــذه املـــــادة الـنـجـوم
يفوق حجم أكبر نجم رُصد حتى اليوم ما يزيد عن حجم 300 شمس الــنــاشــئــة فـــي مــرحــلــة تـكـويـنـهـا بــمــا يــتــنــاســب مع «قربها من النجم الفائق الكتلة». وبما أن العثور على دليل إلثـبـات هــذه النظرية ضـــروري، اكتشفه الباحثون في مجرة تعود إلى عصور الكون األولى هي «جي إن-زي11». وكان أحد زمالء شاربونيل قد اكتشف هذه املجرة عــام ،2015 وهــي مـن بـني أبعد املـجـرات املـرصـودة، إذ تقع على بعد أكثر مـن 13 مليار سنة ضوئية، وتـــشـــكـــل تـــالـــيـــًا إحــــــدى أقــــــدم املــــجــــرات الـــتـــي كــانــت موجودة بعد 440 مليون سنة من االنفجار العظيم. وجرى التوصل، من خالل رصد هذه البقعة الحمراء الـتـي اكتشفت بـواسـطـة تلسكوب هـابـل الفضائي عبر تلسكوب جيمس ويـب، إلـى دليلني رئيسيني، يتمثالن فـي وجـــود كثافة كبيرة جــدًا مـن النجوم وكمية كبيرة من النيتروجني، وهو عنصر ال يمكن تفسير وجـــوده بهذه النسب إال مـن خــالل احتراق الــهــيــدروجــني بـــدرجـــات حــــرارة قــصــوى. وال يمكن لهذه الظاهرة أن تحدث سوى في نجم فائق الكتلة. أمــــا اآلمــــــال فـــي رصــــد نــجــم فـــائـــق الــكــتــلــة يـــومـــًا ما فــضــئــيــلــة، ألن الــعــلــمــاء يــــقــــدرون مــتــوســط الـعـمـر املــتــوقــع لـنـجـم فــائــق الـكـتـلـة بـنـحـو مـلـيـونـي سنة، وهي فترة قصيرة جدًا في الكون. إال أنهم يعتقدون أنها قد تظهر في تجمعات نجمية كروية تعود إلى مــا قبل مـلـيـاري عـــام، أي إلــى فـتـرة ليست ببعيدة نسبيًا، وأنها تركت تاليًا آثــارًا ستمكن من توفير معلومات إضافية عنها.