مساٍع لتغيير قواعد التصويت في االتحاد األوروبي
تسعى الــدول الكبرى في االتحاد األوروبــي، بتعاون بـني أملانيا وفـرنـسـا، لتغيير قواعد التصويت على الـقـرارات املهمة في االتحاد، وعـــلـــى وجــــه الـــخـــصـــوص املـــســـائـــل الــخــاصــة بالشؤون الخارجية والعقوبات. ويأتي ذلك على خلفية عرقلة دول صغيرة فـي أوروبـــا قـــرارات مهمة، ســواء تعلق األمــر بالعقوبات على روسيا أو بمعاهدات مع أقاليم أخـرى، بــاســتــخــدامــهــا حـــق الــنــقــض (الــفــيــتــو) ألجــل املساومة على مصالحها و«ابتزاز بروكسل»، كـمـا يـطـلـق عـلـى سـيـاسـات رئــيــس الحكومة املــجــريــة فـيـكـتـور أوربـــــان، وغــيــره فــي الــقــارة التي تعاني من تشتت في سياساتها. وليست برلني وحدها املنزعجة من مواصلة استخدام الفيتو في بروكسل، بل دول أخرى تشعر بغضب مـن تـكـرار استخدامه إليقاف قـرارات يعتبرها مسؤولو االتحاد األوروبـي حيوية ملصالحه. وتستضيف وزيرة الخارجية األملانية أنالينا بيربوك لقاء مع ثماني دول أخرى تريد إلغاء حق النقض لالتحاد األوروبي، االثنني املقبل، وهي مجموعة تأسست بمبادرة من الوزيرة في مطلع مايو/ أيار الحالي. وأبرز هذه الدول هي فرنسا وإيطاليا وإسبانيا باإلضافة إلى دول أصـغـر مـثـل فنلندا وبلجيكا وهـولـنـدا ولـوكـسـمـبـورغ وسلوفينيا، مــع بـقـاء الـبـاب مفتوحا لسبع عشرة دولـة من أجـل مناقشة آلية التخلص من عقبة الفيتو. ويـــدور النقاش األوروبــــي حــول االنـتـقـال من تصويت بـاإلجـمـاع إلــى «األغلبية املؤهلة»، وبـــشـــكـــل خـــــاص حــــني يــتــعــلــق األمــــــر بـتـبـنـي عــقــوبــات واتــفــاقــيــات مـــع دول أخــــرى خـــارج أوروبــــــــا. وإن كــــان مـــن غــيــر املـــتـــوقـــع تـمـريـر التغيير فــــورًا، إال أنـــه ال يـحـتـاج إلـــى إدخـــال تــعــديــالت عـلـى مــعــاهــدة االتـــحـــاد األوروبـــــي، فــهــي تـتـيـح بــالــفــعــل االنـــتـــقـــال إلــــى تـصـويـت األغـلـبـيـة املـؤهـلـة، بحيث تـصـوت بإيجابية على القرارات 55 في املائة من الدول األعضاء تمثل ما ال يقل عن 65 في املائة من إجمالي سكان االتحاد األوروبي. ومـــع ذلـــك تــبــدو اجــتــمــاعــات بــرلــني، االثـنـني املـقـبـل، حـاسـمـة لجمع أكــبــر قـــدر مــن الـــدول املـــمـــثـــلـــة لــتــلــك الـــنـــســـب املـــئـــويـــة وتـمـثـيـلـهـا
استخدام المجر المتكرر حق النقض بحرب أوكرانيا يزعج أوروبا
ألغلبية مواطني املعسكر األوروبــي (أملانيا وفــرنــســا وإيـطـالـيـا وإســبــانــيــا)، وعــلــى أمـل جذب بولندا الحقا. وتحظى هذه التحركات بــمــبــاركــة مـــن رئــيــســة املــفــوضــيــة األوروبـــيـــة أورســـــوال فـــون ديـــراليـــن ومــقــرر الـسـيـاسـات الـــخـــارجـــيـــة جــــوزيــــب بــــوريــــل. وكــــانــــت فـــون ديـــراليـــن قـــد طــرحــت مـــوضـــوع االنــتــقــال إلــى الـتـصـويـت بـاألغـلـبـيـة فـــي مــايــو ،2022 بعد قـراءة دقيقة ملواقف املجر وغيرها من الدول الصغيرة، التي بدا واضحا أنها لن تسير في اتـجـاه بروكسل ذاتــه لتضييق الخناق على موسكو بعد الغزو الروسي ألوكرانيا في 24 فبراير/ شباط .2022 وكانت املفوضية األوروبية قد أكدت أن إزالة حـــق الــنــقــض لـــن تـشـمـل الــقــضــايــا الــدفــاعــيــة، وذلــــك فـــي ســيــاق طــمــأنــة دول صــغــيــرة مثل الدنمارك املتحفظة على تلقائية التعاون في املجال الدفاعي وتريد مع غيرها االحتفاظ بحق االعتراض على قراراته والتأثير عليه. وأعلنت بـودابـسـت أخـيـرًا على لـسـان رئيس حكومتها الـقـومـي املـحـافـظ فيكتور أوربـــان أنــهــا لـــن تــدعــم فـــرض عــقــوبــات جـــديـــدة على موسكو، وذلــك بعد رفضها لها على خلفية اعتقال موسكو الناشط والصحافي الروسي فالديمير كارا مورزا. وتـــســـود خـشـيـة أوروبـــيـــة مـــن أن اســتــخــدام املـجـر املـتـكـرر حـق النقض يضعف الجبهة املـــعـــارضـــة لــروســيــا ومـــشـــاريـــع أوروبــــــا في دعــم أوكــرانــيــا، ومنها شـــراء أسلحة بقيمة 500 مليون يـورو. وكانت املساومة األخيرة التي أرادهـــا أوربـــان تتعلق بتجميد فرض العقوبات على رأس الكنيسة األرثوذكسية الـــروســـيـــة الـــبـــطـــريـــرك كـــيـــريـــل، أو تـخـفـيـف العقوبات على النفط الروسي. ومــــــع شــــعــــور دول أوروبــــــيــــــة مــخــتــلــفــة بــــأن املـسـاومـات باتت «طقوسا مـتـكـررة» تكونت لــديــهــا حـــالـــة غــضــب مــكــتــوم حـــيـــال أوربــــــان،
فــــالــــرجــــل مـــتـــهـــم بــــأخــــذ بـــعـــض االتـــفـــاقـــيـــات «رهينة» ألجل الحصول على أموال أوروبية، كــــان قـــد جــــرى تـجـمـيـدهـا لــدفــعــه إلــــى إجــــراء إصالحات والتراجع عن قوانني تنسف أسس عضوية بالده في االتحاد األوروبي. وعلى سبيل املثال ال تـزال بودابست تعرقل «اتفاقية كوتونو»، وهي اتفاقية تعاون بني االتحاد األوروبي ومجموعة دول في أفريقيا وجـزر الهند الغربية واملحيط الهادئ أو ما يسمى بدول «إيه سي بي» املبرمة منذ ،2021 حني رفضت التصديق عليها قبل الحصول على ضمانات بـأن تـتـرك لها حرية التعامل مع سياسات الهجرة والجندرة. وبعدما تبنت بودابست في إبـريـل/ نيسان املاضي االتفاقية، ظهر صداع آخر في بولندا التي رأت فرصتها في الضغط على االتحاد األوروبي بشأن املعاملة التفضيلية لواردات الـحـبـوب األوكــرانــيــة، وهـــي مــا زالـــت تخضع االتفاقية للمساومة. ويـــشـــيـــر دبـــلـــومـــاســـيـــون أوروبـــــيـــــون إلـــــى أن تــأجــيــل تــمــريــر االتـــفـــاقـــيـــة «يـــضـــر بــعــالقــات االتحاد األوروبي مع دول أفريقيا والكاريبي واملحيط الهادئ، وهو أمر سيئ حقا في وقت يكون فيه الوصول إلى الشركاء العامليني أمرًا محوريا للغاية». واملوقف ذاتـه اتخذه وزير الخارجية الدنماركي الرس لوكه راسموسن، املـــشـــارك فـــي اجــتــمــاع االثـــنـــني املــقــبــل، حيث أعلن قبل أيام عن سياسات خارجية وأمنية جديدة، محذرًا من أن موقع ومصالح أوروبا يتضرران بمثل تلك السياسات التي تتخذ من االتفاقيات «رهينة».