زالوجني: الخروج من الجلباب السوفييتي
مساء 12 مايو/ أيــار الحالي، أجــرى مقدم البرامج األوكــرانــي، دميترو كـومـاروف، مقابلة مع قائد الجيش األوكراني، فاليري زالوجني، ضمن برنامج «العالم من الداخل إلى الخارج». كانت مقابلة مختلفة بعض الشيء مع شخص ولد حني كان االتحاد السوفييتي ال يزال حيًا، لكنه ال يتورع في كل سانحة على العمل ملحوه من اإلرث األوكراني بالكامل. بدا زالوجني هادئًا معظم املقابلة، التي دامت 50 دقيقة، ساعيًا، في الوقت نفسه، إلى إظهار قدرته على فهم لعبة اإلعــالم. ربما في زمـن آخر كان ليقال إن من النادر أن نجد سوفييتيًا غير بارد في مقابلة مليئة بالتعابير اإلنسانية عن الضحايا األوكرانيني. خالل املقابلة، شدد زالوجني مـرارًا على عاملني ال ثالث لهما: إزالــة كل رواســب العهود السوفييتية، تحديدًا من ذهنية الجيش األوكـرانـي، وتحويل أوكرانيا إلى قلعة محصنة بالسالح بعد رحيل الروس. في العامل األول، شرح أن تغيير هيكلية األوامر داخل الجيش األوكراني ساهم في تسريع عمليات اتخاذ القرارات عمالنيًا، إذ بات صغار الضباط والجنود قادرين على التواصل مع رأس الهرم العسكري، من دون املرور بتراتبية عسكرية. ومع أنه رفض التهجم على أسالفه في قيادة جيش أوكرانيا بعد استقاللها في عام ،1991 غير أن زالوجني أصر على أن مهمته تكمن في جعل املوروثات السوفييتية من املاضي. وفي العامل الثاني، كان واضحًا أن هدفه في جعل الجيش األوكراني قوة ال يستهان بها، خصوصًا أنه أثبت شكيمته في الغزو الروسي، ال بد من أن تستند إلى الدعم الغربي. وبالتالي، يـدور سياق تحول الجيش األوكـرانـي إلـى جيش في فلك محور حلف شمال األطلسي، تجاوز الحاجة إلى ورقة موقعة وعقود انضمام، فخالل 15 شهرًا من الحرب، تخلص األوكرانيون من األسلحة السوفييتية، ثم الروسية، وصار السالح الغربي ركيزة ترسانتهم. لم يكتف زالوجني بهذا الحد، بل تطرق إلى ما أسماها «االختالفات الثقافية» بني روسيا وأوكـرانـيـا. وهـو في واقــع الحال إشكالية ال يمكن نقاشها في 50 دقيقة. األكيد أن الخلفية السالفية للروس واألوكرانيني والبيالروسيني مشتركة بني أجنحة الشعب الواحد، املنبثق من كييفان روس (االسم القديم لكييف)، وكذلك فإن التاريخ الحديث، بشقه السوفييتي، بما تضمنه من عمليات ترانسفير ديمغرافية على أسس قومية وإبــادات ممنهجة وأساليب التعليم املـوحـدة، يفترض أن يكون قد رسـخ في عقول كل من يخُرج عن طاعة موسكو، بأنه ينتمي إليها، ولو لم يكن روسيًا، إال أن زالوجني شدد على وجود ثقافة أوكرانية منفصلة «ال تشبه الروس» وفقًا له. وبهذه الواقعية غير املتطيرة، اختصر زالوجني كل الصراعات األوكرانية ـ الروسية، بــدءًا من االنتفاضة الشعرية ألهـم شعراء أوكـرانـيـا، تــاراس شيفتشنكو، وصـوال إلى ما يكتب بالدم على الجبهات الشرقية والجنوبية من أوكرانيا في هذه األيـام. وعلى الرغم من كونه العدو رقم اثنني ملوسكو، بعد عدوها األول، الرئيس األوكراني زيلينسكي، إال أن زالوجني يحظى باحترام أعدائه، من البروباغانديني الـروس إلى مؤسس «فاغنر» يفغيني بريغوجني. وحتى إنه ال يتأخر عن التأكيد أن «الشخص الوحيد الـذي يقدره في روسيا هو فاليري غيراسيموف»، قائد األركــان الروسي. وخالل املقابلة، تطرق زالوجني إلى اتصال ورده عند الساعة الخامسة من فجر 24 فبراير/ شباط ،2022 تاريخ بدء الغزو الروسي ألوكرانيا، موضحًا أن االتصال أتى من خارج البالد. وقال له محدثه: «أنا آسف». لم يكشف زالوجني عن املتصل، لكنه أكد أنه «بعد انتصار أوكرانيا»، سيفصح عن االسم. هل يكون غيراسيموف؟ ربما. مـــاذا عــن انـتـصـار أوكــرانــيــا؟ األكــيــد أن تشييد الــواليــات املـتـحـدة أكـبـر مستشفى عسكري في قاعدة رامشتاين األملانية، بقيمة 1.1 مليار دوالر، وأن اإلنتاج املشترك للدبابات لشركتي راينميتال األملانية وأوكروبورونبروم األوكرانية في كييف، يؤكدان أن الروس عاجزون عن التقدم، وأن أوكرانيا «ستثبت» ثقافتها بعيدًا عن روسيا.