Al Araby Al Jadeed

االحتالل وقطاع غزّة... خالصات ضرورية

- حيان جابر

بـعـد الـتـوصـل إلـــى اتــفــاق وقـــف إطـــالق الـنـار بـــني االحـــتــ­ـالل الــصــهــ­يــونــي وقــــوى املــقــاو­مــة فــي قــطــاع غــــزة، ال بــد مــن مــراجــعـ­ـة دقـيـقـة ال تخلو من النقد الذاتي ملسار جولة التصعيد أخيرًا؛ املشابهة لسابقاتها نسبيًا، وتحديد الخالصات املستفادة منها، التي تتوزع على مستويات عدة، فلسطينية وإقليمية ودولية، سياسية وعسكرية واقتصادية ومعنوية، وهـــو مــا يـدفـع كـاتـب املـقـالـة إلـــى االخـتـصـا­ر قــــدر املـــســـ­تـــطـــاع، وحـــصـــر اإلحــــاط­ــــة الــراهــن­ــة بــاملــسـ­ـتــويــني الــســيــ­اســي والـــعـــ­ســـكـــري، نـظـرًا إلى طبيعة االحتالل الصهيونية الطفيلية، املستندة إلى دعم دولي كبير وغير محدود مباشر وغير مباشر، تمكنه من التغلب على تـبـعـات الــصــراع االقــتــص­ــاديــة، وانــطــال­قــًا من نسبية الحديث عن تبعات الجولة املعنوية. املـــســـ­تـــوى الـــســـي­ـــاســـي: فــلــســط­ــيــنــيـ­ـًا؛ أكـــــدت مـــــوجــ­ـــة االعــــــ­ــتـــــــ­ـداء الــــصـــ­ـهــــيـــ­ـونــــيــ­ــة أخــــيـــ­ـرًا الخالصات السياسية السابقة ذاتها، التي أفرزتها اعتداءاته السابقة واملستمرة على كـــامـــل الــجــغــ­رافــيــا والـــشـــ­عـــب الـفـلـسـط­ـيـنـي، ومـنـهـا عـلـى قـطـاع غـــزة املـحـتـل واملـحـاصـ­ر صهيونيًا، إذ أثبتت السلطة الفلسطينية مــــــجــ­ــــددًا نــــهــــ­ايــــة دورهــــــ­ــــا طــــرفـــ­ـًا ســيــاســ­يــًا فلسطينيًا فـاعـال، فـي الـوسـط الفلسطيني بــالــحــ­د األدنـــــ­ــى، واقـــتـــ­صـــارهـــ­ا عــلــى سلطة أمنية تمارس سلطات إداريــة محدودة في بعض مناطق الضفة الغربية. كذلك أكـدت ســلــطــة غـــــزة عـــجـــزه­ـــا عــــن قــــيــــ­ادة مـــشـــرو­ع سياسي فلسطيني تحرري شامل، يعكس حـــجـــم مـــســـاه­ـــمـــتــ­ـهـــا الـــنـــض­ـــالـــيـ­ــة الـــطـــو­يـــلـــة والـكـبـيـ­رة، وذلـــك ألسـبـاب عـــدة، منها قيود ومـــطـــا­مـــح ســلــطــو­يــة واهــــيــ­ــة، كــبــلــت حــركــة حـمـاس وأدخـلـتـه­ـا فــي حـسـابـات سلطوية عبثية جعلت من التنافس السلطوي أولوية عـــلـــى خــــط مــــشــــ­روع ســـيـــاس­ـــي فـلـسـطـيـ­نـي تحرري شامل، فضال عن استعجال الحركة نـــيـــل شـــرعـــي­ـــة إقــلــيــ­مــيــة ودولـــــي­ـــــة، بــــــدال مـن عملها على تعزيز مشروعيتها الداخلية الفلسطينية العابرة للمناطق واالنتماءا­ت الفكرية والسياسية. فـي مقابل ذلــك نجحت فصائل املقاومة في الحفاظ على موقعها السياسي في مواجهة االحــــــ­تــــــالل الــــصـــ­ـهــــيـــ­ـونــــي، عــــلــــ­ى اعـــتـــب­ـــارهـــا طـــرفـــًا فـــاعـــا­ل ومــــؤثــ­ــرًا فـــي مــجــمــل فـلـسـطـني، وغـــــــز­ة تـــحـــدي­ـــدًا، رغـــــم عـــجـــزه­ـــا املـــتـــ­كـــرر عـن إرغـــــام االحـــتــ­ـالل عــلــى كــســر حــصــار الـقـطـاع الـــالإنـ­ــســـانــ­ـي، وفــــرض أجــنــدتـ­ـهــا الـسـيـاسـ­يـة في مفاوضات وقف إطالق النار، التي تدور في معظمها حـول تحسني ظــروف االحتالل بـدال من إنهائه. أخيرًا؛ جـدد شعب فلسطني تأكيده أولوية التحرير، وقدرته على تحمل جرائم االحـتـالل الصهيوني املتكررة قصفًا وقـــــتــ­ـــال وحـــــصــ­ـــارًا فـــــي ســـبـــيـ­ــل دعــــــم املـــســـ­ار الـــتـــح­ـــرري، رغــــم مـــيـــزا­ن الـــقـــو­ة املـــائــ­ـل بــشــدة لـصـالـح االحـــتــ­ـالل، ورغـــم الـظـرفـني اإلقليمي والـــدولـ­ــي، ودورهــمــ­ا فـي كبح مـسـار التحرر الـفـلـسـط­ـيـنـي، وعــلــى الـــرغـــ­م مـــن الـصـعـوبـ­ات املـعـيـشـ­يـة الــيــومـ­ـيــة، إذ فــشــل مـــجـــددًا رهـــان االحـــــت­ـــــالل عـــلـــى ضـــــرب تـــمـــاس­ـــك الــحــاضـ­ـنــة االجتماعية الفلسطينية وصمودها. صــهــيــو­نــيــًا؛ يــمــكــن حــصــر مــكــاســ­ب حـكـومـة االحــــتـ­ـــالل الــســيــ­اســيــة فـــي بــعــد وحـــيـــد غير مــســتــد­ام، يـتـمـثـل فـــي رفـــع شـعـبـيـة بنيامني نتنياهو الداخلية قليال، فـي مقابل فشلها فــــي تـــعـــزي­ـــز تـــمـــاس­ـــك الـــحـــك­ـــومـــة الــتــحــ­الــفــيــ­ة ووحـدتـهـا، الـتـي تباينت مـواقـف مركباتها مـــن مــســار االعـــتــ­ـداء الـصـهـيـو­نـي أوال، ومــن اتفاق وقف إطالق النار ثانيًا، كما لم تنجح حــكــومــ­ة االحــــتـ­ـــالل فـــي اســتــقــ­طــاب حـاضـنـة االحـــتــ­ـالل االجــتــم­ــاعــيــة وتــنــحــ­يــة الــخــالف­ــات الداخلية، ولو مؤقتًا. دوليًا وإقليميًا؛ أكد املجتمع الدولي والنظام اإلقليمي توجهاتهما نحو ضبط الـصـراع داخـل فلسطني وإدارتـــه بـدال من السعي إلى حـلـه، وهـو مـا انعكس وينعكس فـي السعي نـــحـــو خـــفـــض الــتــصــ­عــيــد، وضـــبـــط الــنــضــ­ال الـفـلـسـط­ـيـنـي، مـــن دون املـــبـــ­ادرة إلـــى تقييد آلـــة االحــتــا­لل اإلجــرامـ­ـيــة أوال، والـــشـــ­روع في خـــــطـــ­ــوات ســـيـــاس­ـــيـــة تـــعـــال­ـــج جــــــذر املــشــكـ­ـلــة املتمثلة في االحتالل املستمر منذ النكبة. املستوى العسكري واألمني: نجحت فصائل املـــقـــ­اومـــة الـفـلـسـط­ـيـنـيـة فـــي تــعــزيــ­ز قــدراتــه­ــا الـعـسـكـر­يـة الـبـسـيـط­ـة نـسـبـيـًا رغـــم اسـتـمـرار االحــــتـ­ـــالل والــــحــ­ــصــــار، إذ عـــكـــس تــصــديــ­هــا لــالعــتـ­ـداء الـصـهـيـو­نـي قـدرتـهـا عـلـى تجديد مـــخـــزو­نـــهـــا الـــلـــو­جـــســـتـ­ــي فــــي فـــتـــرة قــصــيــر­ة نسبيًا، بعد اسـتـنـزاف مــواردهــ­ا العسكرية فــي عـــام ،2021 فــضــال عــن مـــؤشـــر­ات توحي بـــتـــوس­ـــيـــع مـــجـــال اســـتـــه­ـــدافـــه­ـــا الـــجـــغ­ـــرافـــي، فــي حــني لــم تتمكن مــن رفـــع كــفــاءة قـدراتـهـا العسكرية، املتمثلة فــي دقتها وفاعليتها، إلـــــــى جــــانـــ­ـب قــــصــــ­ور فـــــي اســـتـــر­اتـــيـــج­ـــيـــتــ­ـهـــا العسكرية التحررية، التي تتمثل في تحكم االحـــتــ­ـالل بــمــســا­ر املــواجــ­هــة وتــوقــيـ­ـتــهــا، من خـالل اختياره زمـن التصعيد ومكانه، وفي عشوائية الرد الفلسطيني. فــي مــســار مــــواز؛ نلحظ تـمـكـن االحــتــا­لل من اختراق فصائل املقاومة أمنيًا، ما تمثل في قدرته على اغتيال ثلة من قادة حركة الجهاد اإلســـالم­ـــي، وهـــي ضــربــة أمـنـيـة كــبــيــر­ة، رغـم قــــدرة حــركــة الــجــهــ­اد والــشــعـ­ـب الفلسطيني على ســد الــفــراغ الـقـيـادي مستقبال، نتيجة تمكن االحتالل من اختراق البنى التنظيمية ومتابعة تحركات القادة بدقة. كــذلــك أكــــدت الــجــولـ­ـة أخــيــرًا تفضيل كــل من االحـتـالل وفصائل املقاومة عـدم إطالة مدة املـواجـهـ­ة، وحـصـرهـا بـأيـام قليلة مـعـدودة، نتيجة تبعات املواجهة على مجمل حاضنة االحـــتــ­ـالل االجـتـمـا­عـيـة، وإمـكـانـي­ـة تأثيرها عـــلـــى حـــيـــات­ـــهـــم الـــيـــو­مـــيـــة، كـــمـــا يــــحــــ­دث فـي املستوطنات املحيطة بقطاع غــزة. في حني ينتج هـذا التفضيل فلسطينيًا عن سببني، أوال؛ خـــصـــوص­ـــيـــة قــــطــــ­اع غـــــــزة الـــخـــا­ضـــع لحصار محكم ال إنساني منذ أكثر مـن 17 عـــامـــًا، يـسـتـنـزف ســـكـــان الــقــطــ­اع يــومــيــًا، ما يحد من قدرة القطاع وسكانه على مواجهة تبعات اعتداء االحتالل املكثف فترة طويلة

نــســبــي­ــًا، وثـــانـــ­يـــًا؛ نـتـيـجـة ســـرعـــة اســتــنــ­زاف مـــــخـــ­ــزون فـــصـــائ­ـــل املــــقــ­ــاومــــة الـــلـــو­جـــســـتـ­ــي، خصوصًا املخزون العسكري، نتيجة اعتماد فصائل املـقـاومـ­ة على التصنيع والتمويل الــــذاتـ­ـــي، وبــحــكــ­م عــــدم تـــوفـــر مـــنـــاخ إقـلـيـمـي ودولــــــ­ــي يـــســـاه­ـــم فــــي رفــــــع كـــمـــيـ­ــة املــــخــ­ــزون

وكـفـاءتـه ونوعيته لغياب الــقــرار اإلقليمي مــن نـاحـيـة، ونتيجة املـعـيـقـ­ات املوضوعية في ظل االحتالل والحصار من ناحية أخرى. األمــــر الــــذي يــدفــع الــكــاتـ­ـب إلـــى اإلشـــــا­رة إلـى أهـمـيـة بـحـث فـصـائـل املــقــاو­مــة عـلـى أشـكـال وأساليب نضالية أكثر مواءمة مع قدراتها، ومــــع ظـــــروف شــعــب فــلــســط­ــني، ســـــواء كـانـت مقاومة ناعمة أم خشنة، بما يمنح النضال التحرري الفلسطينية إمكانية الشروع في عمليات مقاومة مديدة، تستنزف االحتالل وحــــاضــ­ــنــــتــ­ــه االجــــتـ­ـــمــــاع­ــــيــــة ومــــؤســ­ــســــاتـ­ـــه العسكرية واألمنية. أكــدت الجولة أخيرًا كذلك عـدم فعالية مبدأ وحــــدة الـــســـا­حـــات، الــــذي بــــات مــنــوطــًا بـــدور قـــطـــاع غـــــزة فـــي الـــــرد عــلــى جـــرائـــ­م االحـــتــ­ـالل داخل القطاع وخارجه، مقابل محدودية دور الساحات األخرى؛ داخل فلسطني وخارجها، األمـر الـذي يتطلب العمل على فـرض قواعد اشـتـبـاك جـــديـــد­ة، تجعل مــن قـــدرة االحــتــا­لل على اسـتـقـراء الفعل النضالي الفلسطيني أمــــــرًا مـــســـتـ­ــحـــيـــ­ال، مــــن خـــــالل تـــنـــوي­ـــع أمـــاكـــ­ن وأشــــكــ­ــال الـــنـــض­ـــال بــغــض الــنــظــ­ر عـــن مــكــان وتـوقـيـت جـرائـم االحــتــا­لل، انـطـالقـًا مـن كون االحــــتـ­ـــالل جــريــمــ­ة مــســتــم­ــرة تـــفـــرض علينا نضاال مستمرًا كذلك، بعيدًا عن منطق الرد السريع أو االنفعالي أو الثأري. من ذلك كله لم يتمكن االحتالل من تحقيق أي هدف استراتيجي بعيد املدى، أسوة بفصائل املقاومة في غزة، ما يعزز من احتمالية تكرار هــــذه االعـــــت­ـــــداءات مــســتــق­ــبــال تــــكــــ­رارًا يـشـابـه االعــتــد­اءات السابقة، إال إن نجحت فصائل املــقــاو­مــة فـــي كـسـر املــعــاد­لــة وتـغـيـيـر قـواعـد االشتباك، من خـالل أنماط مواجهة جديدة أكثر ديمومة، أو مـن خــالل تمكنها مـن نقل االشتباك إلى خـارج نطاق قطاع غــزة، عمال بـمـبـدأ «الــــرد الــنــوعـ­ـي»، إلـــى جــانــب ضـــرورة تـــحـــرر­هـــا مـــن املـــطـــ­امـــح الــســلــ­طــويــة والــعــمـ­ـل عـلـى تجسيد مــشــروع تـــحـــرر­ي يـشـمـل الكل الفلسطيني وكل فلسطني.

لم يتمكن االحتالل من تحقيق أي هدف استراتيجي بعيد المدى، أسوًة بفصائل المقاومة في غّزة، ما يعزز من احتمالية تكرار هذه االعتداءات

نجحت فصائل المقاومة الفلسطينية في تعزيز قدراتها العسكرية البسيطة نسبيًا رغم استمرار االحتالل والحصار

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar