نظرية السحلية

ما جعل املعلومات العلمية الدقيقة حول مكونات البيئة والتنوع الحيوي تصل إلينا وترسخ في ذاكراتنا، أن أحد علمائنا البارعني امتلك طريقة ساحرة وساخرة في التعليم واإلعالم. فلغة البروفيسور محمد عبد الله الـريـح البسيطة والقريبة مـن الكوميديا توحي بأنه يسخر من اإلنسان الذي ال يستطيع التعلم من الكائنات األخرى الذين يشاركونه الحياة على األرض، ويتناسى رغم أنه صاحب العقل املميز القادر على اكتساب املعرفة والسلوك، أن الفطرة تضاهي غالبًا املعرفة املكتسبة. تعلم استراتيجيات الـخـروج مـن األزمـــات واحــد مـن األمـــور التي ظل معلمنا يذكرنا بها عبر ربطها بنظرية السحلية التي ال تدخل مكانًا إال عند ضمان العثور على مخرج آمن، وتفضل، إذا دعا األمر، التخلص من ذيلها في حركة مفاجئة تربك العدو املهاجم، ريثما تجد املخرج، إذ تكسر ذيلها عند مستوى منطقة ضعيفة، ما يشكل ظاهرة البتر الذاتي للذيل، فالبقاء على قيد الحياة أكثر أهمية من فقدان الذيل، رغم أهمية هذا العضو الطرفي في حفظ التوازن إلى جانب كونه مخزنًا لعناصر غذائية، لكنه ينمو مجددًا. وتستخدم سحال طرقًا أخرى للدفاع عن نفسها، مثل االنتفاخ، لتبدو أكبر من حجمها، وهو ما تفعله األفاعي. أما السحالي الصحراوية املعروفة باسم «العالجيم املقرنة»، فتقذف تيارًا رقيقًا من الـدم من عينيها نحو متر إلخافة العدو وإرباكه. هل خيار التخلص من الذيل يشبه حالة اإلنسان حني يوافق على بتر أحـد أطرافه حني تتهدد حياته بكاملها بسبب اإلصابة بمرض ما؟ علمًا أنـه بني األمــراض التي ينتج منها بتر لألطراف أو أجــزاء منها، أمـراض األوعية الدموية، ومرض السكري. فأمراض األوعية الدموية تعرقل تدفق الـدم، أما مرض السكري، فيؤثر في قـدرة الجسم على معالجة أي قصور يحدث. أيضًا تتعلق إصابات بحوادث مرورية أو صناعية وبعض األورام، وأيضًا ببعض التشوهات الخلقية. في الطبيعة حولنا الكثير من الظواهر واملعجزات التي تدعو إلى التأمل والتبصر والتعلم منها، لكن كثيرين ال يقفون عندها، وقـد يكتفي البعض بإظهار دهشة وتعجب، أما العلماء فلم ولن تفتر همتهم في البحث عن إجابات عن األسئلة الناتجة من عمليات مراقبة سلوكيات الحيوانات، ومحاوالت ربطها باحتياجات اإلنسان. وفي شأن ظاهرة تخلص السحالي من ذيولها اكتشف العلماء وجــود خاليا جذعية خاصة في بعض الزواحف تجدد الحبل الشوكي، وقد تساعد الحقًا في التعامل مع مشاكل استعادة النخاع الشوكي لـدى البشر الذين يتعرضون إلصابات. وإذا كان البروفيسور يعلمنا التوقف والتأمل، فهو يدفعنا إلى محاولة إيجاد أمل في التأمل.

(متخصص في شؤون البيئة)