Al Araby Al Jadeed

في الغناء على «مقامات المسرة»

دخول الطرب الحلبي من باب صبري مدلَّل فيلم المخرج السوري محمد ملص، الذي يصور فيه «شيخ الطرب الحلبي»، أعيد عرضه مؤخرًا في لندن ضمن «مهرجان الثقافة والفنون السورية»

- لندن ـ العربي الجديد

في مطلع فيلم «حلب: مقامات املسرة» ،)1997( تــلــتــق­ــي الـــكـــا­مـــيـــرا «صــــدفـــ­ـة» باملمثل عمر حـجـو، أحــد أكثر الوجوه الحلبية شهرة على شاشات التلفزيون. يتحدث حجو 1931( - ،)2015 في واحد من األزقة الضيقة في حلب القديمة، عن تـعـلـق أهـــل املـديـنـة بـالـغـنـا­ء، وعـــن كـون الـكـثـيـر مـنـهـم «يـــــــؤد­ون»، أي يـدنـدنـون ويـــغـــن­ـــون، تــمــامــًا مــثــل الـــحـــج­ـــار الـــذي يصدح وهو يطرق على حجارته. كيف يمكن الدخول إلى عوالم الغناء في املدينة؟ لم يكن املخرج السوري محمد ملص ليجد بابًا للحديث عن موضوعه أفـــضـــل مـــن شـخـصـيـة املـــغـــ­نـــي واملــنــش­ــد الحلبي صـبـري مــدلــل 1918( - ،)2006 «شيخ الطرب»، كما يسميه الحلبيون. فـــي إطــــار «مــهــرجــ­ان الــثــقــ­افــة والــفــنـ­ـون السورية - سقف» ،)SACF( الــذي تقام دورتـــــه الـثـانـيـ­ة فـــي لــنــدن بـــني الــحــادي عشر والثالث والعشرين من أيار/ مايو الجاري، عرض أخيرًا فيلم ملص الذي يصور فيه صبري مدلل، آخر األحياء، حـيـنـهـا، مـــن الــشــاهـ­ـديــن عـلـى تأسيس الـــطـــر­ب الــحــلــ­بــي، بــعــد أشـــخـــا­ص مثل معلمه عـمـر الـبـطـش، وبــكــري الــكــردي، وغيرهما. يفتتح العمل، كما أشـرنـا أعـــاله، بهذه «الصدفة» التي رتبها املخرج السوري فــي شـريـطـه الـوثـائـق­ـي مــع املـمـثـل عمر

ّّ حـــجـــو، يـلـيـهـا لـــقـــاء تــقــديــ­مــي آخــــر مع امللحن محمد رجب، الذي يعطي صورة عن التراث املوسيقي الحلبي، وينصح املخرج بالذهاب لاللتقاء بصبري مدلل، أحـــد أفـضــل املـطـربـن­ي الحلبيني بـرأيـه، وألنــه من «املخضرمني». وهـو يتحدث عـــــن مــــعــــ­رفــــة، لـــيـــس فـــقـــط كـــمـــوس­ـــيـــقــ­ـي يــفــهــم فـــي مــهــنــت­ــه، بـــل أيـــضـــًا كشخص عــرف مـدلـل عندما كـانـا صغيرين، في ثالثينيات القرن املاضي. الــلــقــ­اء مـــع صــبــري مـــدلـــل سـيـكـون عبر األذان، الـــــذي يــرفــعــ­ه املــنــشـ­ـد واملــغــن­ــي الـحـلـبـي مـــن غــرفــتــ­ه فـــي بـيـتـه الحلبي الـقـديـم، وهــو خـيـار دال إلــى حــد بعيد، خصوصًا أن املخرج يلتقط هنا واحدة مـــن «ثــــوابــ­ــت» الـــطـــر­ب الــحــلــ­بــي: دخـــول كثير من املغنني لعالم الغناء انطالقًا من اإلنشاد الديني واألذان، وعدم ذهابهم بعيدًا فـي الـشـهـرة و«الـنـجـومـ­يـة» لهذا الـسـبـب بـالـتـحـد­يـد، أي ألســبــاب دينية ومحافظة ــ وهـي قاعدة كسرها مـؤذن ومـنـشـد واحــــد تــحــول الحــقــًا إلـــى مغن معروف، حتى أن الناس ال تعرف اليوم أنه كان مؤذنًا مثل كثير من أقرانه في حلب، وأبرزهم صباح فخري. سـيـخـبـرن­ـا املــنــشـ­ـد الـــراحــ­ـل كــيــف صــار مؤذنًا في صغره، وكيف اجتمع الناس مـــــــرة فــــي الــــشـــ­ـارع بــيــنــم­ــا كـــــان يــــــؤذن، مـسـتـمـتـ­عـني بـــصـــوت­ـــه، قــبــل أن يــأخــذه والطرب الحلبي، ليتعلم ّعلى يديه. والده إلى عمر البطش، عراب املوشحات لـكـن والـــد صـبـري مــدلــل لــن يـرضـى عن دخـــولـــ­ه عـــالـــم الـــغـــن­ـــاء والـــــرا­ديـــــو، وهــو مـــا ســيــبــع­ــده عـــن املــسـتــ­قـبــل الـــــذي كــان ينتظره، ليتخصص أكثر باإلنشاد مع فـرقـة سينشئها ويــشــارك فيها بعض

من أصـوات اإلنشاد والطرب الالحقني، مثل حسن حفار. يــعــرفــ­نــا الــفــيــ­لــم عــلــى شـخـصـيـة مــدلــل انـــطـــا­لقـــًا مـــن أمـــاكـــ­ن كـــثـــيـ­ــرة: مـــثـــال، من حــــديـــ­ـثــــه عـــــن طـــفـــول­ـــتـــه ووالــــــ­ــــــده وعــــن موهبته بـالـغـنـا­ء، والــتــي يحيلها إلـى دعـــاء أبــيــه، أثــنــاء حــجــه، أن يــرزقــه الله «عــــشــــ­رة صـــبـــيـ­ــان بـــــأصــ­ـــوات جــمــيــل­ــة». كـان صبري واحــدًا من اثنني صوتهما

لم يرض والده على دخوله عالم الغناء والراديو، فصار منشدًا

جميل بني العشرة، في حني توفي أخوه اآلخر مبكرًا. كما يحدثنا الفيلم عن مدلل من أماكن أخرى: من مهنته، وهو الذي كان ما يزال يذهب إلى محله في حلب القديمة لبيع الصابون - وهي مهنة حلبية بامتياز. كما ســنــراه فــي الـشـريـط وهــو يتوضأ، ويـتـمـشـى، ويـتـعـطـر، ويـسـلـم عـلـى هـذا وذاك. كأننا معه في حياته اليومية. خــــالل الـــشـــر­يـــط الـــــذي يــنــاهــ­ز الــســاعـ­ـة،

ّّ يغني صبري مـدلـل، يغني وينشد بال تـــوقـــف، وحــــده وهـــو يـتـمـشـى فــي بيته ويـحـضـر صينية الـــشـــا­ي، أو مــع فرقة إنـشـاده خــالل حفل. لكنه ينشد وكأنه لــــم يـــكـــن حــيــنــه­ــا ثــمــانــ­يــنــيــًا، بــــل شــابــًا عشرينيًا، يـحـب الـدنـدنـة مــع كــل شيء يقوم به، مثل أبناء مدينته.

 ?? ?? لوحة بعنوان «صبري مدلل» للتشكيلي السوري سعد يكن. أكريليك وزيت على قماش، 2002
لوحة بعنوان «صبري مدلل» للتشكيلي السوري سعد يكن. أكريليك وزيت على قماش، 2002

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar