Al Araby Al Jadeed

الجنينة... المدينة التي تح ـترق بالصراع السوداني

بعد اندالع القتال في الخرطوم بين الجيش و»الدعم السريع»، انتقلت النيران إلى مدن أخرى على رأسها مدينة الجنينة، عاصمة والية غرب دارفور. ونظرًا لموقعها االستراتيج­ي، تتعرض الجنينة ألبشع مظاهر الحرب، مع حرب إبادة مقصودة بحق السكان

- الخرطوم ـ أيمن إبراهيم

«لــــــم يـــكـــن الـــشـــي­ـــطـــان يــــومـــ­ـًا فــــي الــــســـ­ـودان أسود ذا قـرون، بل كان مشيرًا في الجيش، وضــــابــ­ــطــــًا فــــي الــــجـــ­ـهــــاز، وجـــنـــج­ـــويـــدًا فـي الــــخـــ­ـالء»، بـــهـــذه الــكــلــ­مــات لـــخـــص الـــروائـ­ــي السوداني بركة ساكن اإلجـابـة على سؤال من يشعل الحروب في السودان في روايته «مسيح دارفــور»، حيث يشتعل اآلن صراع عـــنـــيـ­ــف بــــن الـــجـــي­ـــش الــــســـ­ـودانــــي وقــــــوا­ت «الــدعــم الـسـريـع» طـاولـت آثـــاره كـل واليــات البالد الـ81.

نيران الخرطوم تطاول الجنينة

بعد اندالع القتال في الخرطوم بن الجيش و«الـــدعـــ­م الــســريـ­ـع» فـــي 15 إبــريــل/نــيــســا­ن املاضي، انتقلت النيران إلى مدن أخرى على

رأسها مدينة الجنينة، ُعاصمة والية غرب دارفور. وعلى الرغم من بعدها عن الخرطوم 1200 كيلومتر، لكنها كـانـت األكــثــر تـأثـرًا بما جرى في العاصمة، فتعرضت للتدمير والـحـرق، وسقط أكثر من 280 قتيال فيها، وما يزيد على 160 جريحًا خالل يومي 12 و31 مايو/أيار الحالي فقط، بحسب نقابة أطــبــاء الـــســـو­دان، فيما يـقـول مــواطــنـ­ـون إن العدد أكبر بكثير. ويــــرى مــراقــبـ­ـون فــي الـــســـو­دان أن الجنينة بـــمـــوق­ـــعـــهــ­ـا االســــتـ­ـــراتــــ­يــــجــــ­ي أقــــصـــ­ـى غــــرب الـــســـو­دان، تمثل مـديـنـة ذات أهـمـيـة كبيرة لــــلــــ­خــــرطـــ­ـوم، خـــصـــوص­ـــًا فـــــي ظـــــل الــــصـــ­ـراع الـحـالـي، نسبة لوقوعها على الــحــدود مع دولــــة تــشــاد ويــمــكــ­ن أن تـمـثـل مــركــز إمـــداد عـــســـكـ­ــري ولـــوجـــ­ســـتـــي لـــــ «الــــدعــ­ــم الـــســـر­يـــع» واملــلــي­ــشــيــات املـــســـ­انـــدة لــــه، وبـــابـــًا لــدخــول مليشيات مــن دول الـــجـــو­ار، مـشـيـريـن إلـى أن املـديـنـة ظـلـت تـتـأثـر بـــأي فـشـل سياسي وأمني أو صراع يندلع في الخرطوم. املـــواطـ­ــن أبـــو بــكــر عـــبـــاس، مـــن ســكــان مدينة الـــجـــن­ـــيـــنــ­ـة، قــــــال لـــــ«الــــعـــ­ـربــــي الـــــجــ­ـــديـــــ­د»، إن االشـــتــ­ـبـــاكـــ­ات بــــــدأت بــــن الـــجـــي­ـــش و«الــــدعــ­ــم السريع» يـوم 24 إبريل املـاضـي، ثم انسحب الجيش وتـرك املدينة تحت رحمة مليشيات الجنجويد املساندة لـ«الدعم السريع» حتى احـتـرق كـل شــيء. وتـابـع: حتى هــذا الـيـوم لم تـتـدخـل أي جـهـة حـكـومـيـة. وأضــــاف عـبـاس: هناك طوابير طويلة من أجل الحصول على املياه داخل األحياء، مع تكدس كبير للجثث فـي الـــشـــو­ارع، وهـنـاك صعوبة فـي الحصول عـــلـــى املــــيــ­ــاه واألدويـــ­ــــــة وخــــدمــ­ــات الــكــهــ­ربــاء واإلنترنت، مع توقف كل التدخالت اإلنسانية واألمنية وخروج النظام الصحي عن الخدمة، وهـنـاك إصـابـات وحـــاالت وفـيـات، متابعًا أن «الوضع في الجنينة كارثي وسيئ للغاية».

ترويع وحرب إبادة

إنــــعـــ­ـام الـــــنــ­ـــور، وهـــــي صـــحـــاف­ـــيـــة ونــاشــطـ­ـة حـــقـــوق­ـــيـــة فـــــي قـــضـــاي­ـــا املـــــــ­ــرأة بــالــجــ­نــيــنــة، فقدت 12 من أفـراد أسرتها، وحـرق منزلها وأصـــيـــ­بـــت بــشــظــي­ــة هـــي ووالـــــد­هـــــا. وقــالــت لـ«العربي الجديد»، إنهم منذ بداية الحرب في الخرطوم تخوفوا من تحولها للجنينة، مـؤكـدة أن سياق الـصـراع ليس قبليًا هنا، كما يقال. وأضـــــــ­ـافـــــــ­ـت: انـــــدلـ­ــــعـــــ­ت االشـــــت­ـــــبــــ­ـاكـــــات بــن الجيش و«الدعم السريع» وتطور الصراع ودخـــلـــ­ت مــلــيــش­ــيــات مــتــحــا­لــفــة مـــع «الـــدعـــ­م الـــــســ­ـــريـــــ­ع»، وشـــــنــ­ـــت هـــجـــوم­ـــًا كـــبـــيـ­ــرًا عـلـى األحــــيـ­ـــاء الـــجـــن­ـــوبـــيـ­ــة، وهـــــي املــنــطـ­ـقــة الــتــي تــضــم املـــؤســ­ـســـات الــحــكــ­ومــيــة واملــنــظ­ــمــات اإلنــســا­نــيــة ومـــراكــ­ـز إيـــــواء الـــنـــا­زحـــن، وتــم تدمير مستشفى الجنينة ونهبه بالكامل كما املستوصفات. وتابعت أنه تم الهجوم على الصيدليات ومخازن الـدواء واإلغاثة، ثــــم هـــاجـــم­ـــوا املــــواط­ــــنــــن، واقـــتـــ­حـــمـــوا حـي التضامن الذي أسكن فيه وقتلوا نحو 135 شخصًا، وحرقوا البيوت في الحي. وأوضــحــت الــنــور أنــه يــوم 25 إبــريــل قتلوا مـــواطـــ­نـــي الـــحـــي فــيــمــا هـــــرب الــــبـــ­ـاقــــون، ثـم انتقلوا إلى أحياء الزهور والثورة واالمتداد وحــــي املــجــلـ­ـس، وكـــذلـــ­ك تـــم تـدمـيــر وسـرقـة املصارف، وأصبحت الهجمات يومية، وفر املـــواطـ­ــنـــون نــحــو األحـــيــ­ـاء الــشــمــ­الــيــة الـتـي تعتبر أكثر أمـانـًا، ولــم تكن هناك إمكانية إلسعاف الجرحى وسـاء الوضع اإلنساني بشكل ال يصدق. واعتبرت أن «مـا حـدث إبــادة جماعية، ألن املدينة تضم مختلف القبائل لهذا ما يحدث إبــادة وطــرد للسكان من أراضيهم، وهناك خطاب كراهية أصــا نواجهه باستمرار»، مضيفة أن «كــل يــوم هـنـاك سلب وقـتـل في الشوارع بوجود القوات النظامية جميعها وهـــــروب حـكـومـة الـــواليـ­ــة والــــوال­ــــي، وصـــار عدد القتلى في ازدياد». وكــشــفــ­ت الـــنـــو­ر أنــهــا تــعــرضــ­ت ملـضـايـقـ­ات وتـــم حــصــار مـنـزلـهـا مــن «الـــدعـــ­م الـسـريـع» قبل االشتباكات، ثم رفـض والدها بقاءها فــــي املــــنــ­ــزل. وتـــابـــ­عـــت: اتـــصـــل بــــي شـخـص وهددني إذا أصدرت منظمتنا النسوية أي بيانات أو كتبت أنـا تقارير صحافية عما يـحـدث، فاضطررنا للمغادرة إلــى األحياء الشمالية. وأضاف أنه «يوم الهجوم قتل 9 من أفــراد أسرتي بمن فيهم شقيقي، قتلوا أبـنـاء عمومتي وأزواج إخـواتـي وخـاالتـي، وبـــعـــد­هـــا بــــيــــ­وم قـــتـــلـ­ــوا ثــــاثـــ­ـة آخــــريــ­ــن مـن األسرة فبات العدد .»12 وأشارت النور إلى أنها علمت بوقوع حــاالت اغتصاب بحكم عملها وعلى الرغم من معاناتها تواصلت مع الضحايا، فجاء ها اتصال في ذات اليوم وحذرها من معاداتهم. وأضافت: «قـال لي مثلما قتلنا أهلك نعلم أين أنت اآلن وبقية أسرتك، وصـرت أتلقى تهديدات متواصلة باغتصابي أنا وأخواتي».

وضع إنساني كارثي

مــــن جـــهـــتـ­ــه، قـــــال مــــديـــ­ـر إحـــــــد­ى املــنــظـ­ـمــات اإلنسانية في املدينة، لـ«العربي الجديد»، إن الـوضـع كـارثـي بكل معنى الكلمة، وإنـه تم تدمير النظام الصحي بالكامل، وتدمير املستشفى وسرقة األجهزة الطبية. وأضاف املسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه لحمايته وطاقمه، أن السوق دمر بشكل كامل وكذلك الصيدليات، ودخل األهالي اآلن في مشكلة األمـن الغذائي، ألن كل البضائع إمـا نهبت أو حـــرقـــت واملـــديـ­ــنـــة مـــحـــاص­ـــرة وال يمكن دخول بضائع جديدة. وأفـــاد املـسـؤول اإلنساني بــأن أغلب مراكز إيـــــواء الـــنـــا­زحـــن تــــم حــرقــهــ­ا وهــــي حــوالــي 108 مـــراكـــ­ز، تــم تـدمـيـر 70 مـنـهـا، والـبـاقـي عبارة عن منازل صغيرة، ولكن كل املراكز التي تؤوي اآلالف احترقت، وأصبح الناس يفترشون األرض ويلتحفون الـسـمـاء، وال مأوى حيث الجميع في الساحات واملساجد وبعض املنازل. وأضـــــــ­ـــاف: «هــــنــــ­اك تـــهـــدي­ـــد مــســتــم­ــر حـيـث يأتي املسلحون ويطالبون الناس بإخاء الساحات ومغادرة املدينة»، موضحًا أنهم تـمـكـنـوا عــقــب الــهــجــ­مــات األولـــــ­ى مـــن جمع بعض الجثث من الشوارع، ولكنهم فشلوا في الوصول إلى بقية الجثث بعد الهجوم الـثـانــي. وتــابــع: «نـسـقـنـا مــع املسلحن في املــرة األولـــى وجمعنا بعض الجثث، ولكن اآلن نـحـاول التنسيق ثانية للوصول إلى الجثث الجديدة». وأكد املسؤول اإلنساني أن مكتبهم تــم تــدمــيــ­ره، لكنهم بــــدأوا بما لـديــهــم مـــن إمــكــانـ­ـيــات شـحـيـحـة فـــي نصب مـراكـز إسـعـاف للجرحى وعــيــادا­ت جـوالـة، مبينًا أن بعض املنظمات التي لديها أشياء بـسـيـطـة تــقــوم بــاملــسـ­ـاعــدة ألنــهــا تـعـرضـت أيــضــًا لــلــســر­قــة، كــمــا تـعـمـل مـنـظـمـتـ­هـم مع اليونيسف (منظمة األمم املتحدة للطفولة) لنقل املياه بالشاحنات. وختم بقوله: «حتى لـــو أرادت جــهــة مـــا تــقــديــ­م شــــيء فسيكون صعبًا لتعذر الوصول إلى املدينة حتى من أقرب املناطق لها».

 ?? (أشرف شاذلي/ فرانس برس) ?? نازحة بمخيم الرياض في الجنينة، فبراير 2017
(أشرف شاذلي/ فرانس برس) نازحة بمخيم الرياض في الجنينة، فبراير 2017

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar