Al Araby Al Jadeed

قواعد أميركية لتطويق روسيا

لن يطول الوقت حتى تحقق واشنطن هدفها المباشر في أوروبا، وهو تطويق روسيا، وهذا ما يفسر وجود 50 قاعدة أميركية في القارة

- لندن ـ بشير البكر

أحـــــدث الـــقـــو­اعـــد الــعــســ­كــريــة األمـــيــ­ـركـــيـــ­ة في أوروبـــــ­ـــــــا هـــــي «ريـــــــد­زيـــــــك­ـــــــوو»، الـــــتــ­ـــي جــــرى تـدشـيـنـه­ـا رسـمـيـا مـنـذ حــوالــي شـهـريـن في بـــولـــن­ـــدا، ولــكــنــ­هــا تـعـمـل مــنــذ بـــدايـــ­ة الــحــرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط ،2022 واســتــضـ­ـافــت قــرابــة ألــفــن مــن جنود مــشــاة الــبــحــ­ريــة «مـــاريـــ­نـــز»، الـــذيـــ­ن تنحصر مهمتهم فــي تسيير نـظـام دفـــاع صـاروخـي متطور ضد هجمات الصواريخ الباليستية، وهو معروف باسم «آيجيس» .Aegis بـــــدأ بـــنـــاء الـــقـــا­عـــدة فــــي عـــــام 2016 لـضـمـان دفــــــاع بـــولـــن­ـــدا والـــــــ­ـدول األعــــضـ­ـــاء فــــي حـلـف شمال األطلسي (ناتو)، وهي تقع في شمال بـولـنـدا، على بعد أقــل مـن 200 كيلومتر من كــالــيــ­نــيــنــغ­ــراد، الــجــيــ­ب الــــروسـ­ـــي عــلــى بحر البلطيق. قررت الواليات املتحدة إنشاء هذه القاعدة في شـرق أوروبـــا بعد حـرب روسيا على أوكرانيا، في إطــار حسابات وخيارات وتداعيات الحرب. وتمتلك القوات األميركية وجـــودًا فـي أوروبـــا الشرقية بمواقع عديدة إلـى جانب حلف الناتو، ولديها مجموعات قــتــالــ­يــة مـــتـــعـ­ــددة الــجــنــ­ســيــات فـــي بــلــغــا­ريــا، إسـتـونـيـ­ا، املــجــر، التـفـيـا، لـيـتـوانـ­يـا، بـولـنـدا، رومــانــي­ــا، وسـلـوفـاك­ـيـا. فــي حــن أن الـقـواعـد الـــخـــا­صـــة والـــحـــ­صـــريـــة لـــلـــقـ­ــوات األمــيــر­كــيــة تتمركز في غرب أوروبـا، وأغلبها يعود إلى حقبة الحرب الباردة. ويعد عدد القواعد العسكرية األميركية في أوروبا كبيرًا، إذ تجاوز 50 قاعدة، ولكنه قليل باملقارنة مع عددها الكبير عبر العالم خارج الواليات املتحدة، والذي يتجاوز 750 قاعدة، مــوزعــة عـلـى كـافـة الـــقـــا­رات. وبـحـسـب قياس مـسـتـوى الـتـحـديـ­ات الـدفـاعـي­ـة والهجومية، ينشر الجنود واألسلحة وتقسم املهام بن الــقــواع­ــد، فـهـنـاك قــواعــد تستضيف أسلحة الطيران والـقـاذفـ­ات االستراتيج­ية، وأخــرى املشاة والـقـوات املنقولة والبحرية والبرية، وغـــيـــر­هـــا مــتــخــص­ــصــة بـــالـــص­ـــواريـــ­خ والـــــرد على الـصـواريـ­خ الباليستية، ويمتد توزيع االختصاصات حتى األسلحة النووية. يدخل في حساب ذلك موقع البلد الجغرافي وطبيعته بن البر أو البحر، ومدى قربه من روسيا والصن ومناطق التهديد املحتملة، وبالعاقات التي تربط الـدولـة املستضيفة بــالــوال­يــات املــتــحـ­ـدة األمــيــر­كــيــة مـنـذ الـحـرب العاملية الثانية. وتتولى القواعد األميركية فـي أوروبـــا تأمن مظلة دفاعية للقارة ضد كافة املخاطر بصورة عامة، ولكنها مصممة مـنـذ الــحــرب الـعـاملـي­ـة الـثـانـيـ­ة عـلـى مواجهة تـــهـــدي­ـــدات مـــحـــدد­ة، تــلــك الــتــي كــــان يشكلها االتــــحـ­ـــاد الــســوفـ­ـيــيــتــ­ي، ومــــا تـمـثـلـه روســيــا حـــالـــي­ـــا. يــــتــــ­وزع الـــثـــق­ـــل األســــاس­ــــي لــلــقــو­اعــد الــعــســ­كــريــة األمـــيــ­ـركـــيـــ­ة فـــي ثــــاث دول، هي أملانيا التي تضم 21 قاعدة تشمل كافة أنواع األسلحة واالختصاصا­ت، وبريطانيا التي تستقبل 13 قـاعـدة أغلبها جوية وتستقبل قــاذفــات استراتيجية، وإيطاليا الـتـي تضم عـــــــددًا مـــمـــاث­ـــا مــــن الــــقـــ­ـواعــــد الــــتـــ­ـي هــــي فـي أغـلـبـهـا بـحـريـة. وهــنــاك قــاعــدتـ­ـان بحريتان أخـريـان في إسبانيا وواحـــدة في البرتغال، عدد القواعد العسكرية األميركية في أوروبا تجاوز الخمسين

وأخرى في جزيرة كريت اليونانية. وبحسب التقارير العسكرية، فإنه يتمركز حوالي 70 ألـف جندي أميركي بشكل دائــم فـي أوروبـــا. وتستضيف أملانيا حوالي نصفهم. وفي الوقت الـذي يجرى فيه تعزيز الوجود التقليدي األمـيـركـ­ي فــي أوروبــــا الـــذي سبق انـهـيـار االتــحــا­د السوفييتي، يتركز الجهد األميركي على نشر قوات واستحداث قواعد في أوروبـا الشرقية، ولكنه يجرى حتى اآلن فــي إطـــار «الــنــاتـ­ـو»، ويـمـكـن رصـــد ذلـــك على نــحــو خــــاص فـــي دول الــبــلــ­طــيــق، الـــتـــي بــات وضعها حساسا جـدًا بعد الحرب الروسية عــلــى أوكـــرانـ­ــيـــا، كــمــا أخــــذت واشــنــطـ­ـن تـعـزز حـــضـــور­هـــا فــــي دول أخــــــرى مـــثـــل رومـــانــ­ـيـــا وبــــولــ­ــنــــدا، كــونــهــ­مــا تـــشـــتـ­ــركـــان بــــحــــ­دود مـع أوكرانيا من جهة الغرب. وباإلضافة إلى القواعد الثابتة والحصرية، يــوجــد 7 آالف جــنــدي أمــيــركـ­ـي إضـــافـــ­ي في

أوروبـــــ­ـــا فــــي عــمــلــي­ــات نـــشـــر دوريــــــ­ـة أقـــصـــر، كجزء من مهمة دعم حلف األطلسي املسماة «أتـــانـــ­تـــيـــك ريـــســـو­لـــف». ويــشــمــ­ل ذلــــك قسم طـــيـــرا­ن يــضــم 85 طـــائـــر­ة هـلـيـكـوب­ـتـر وفــرقــة مـــدرعـــ­ة بـمـدفـعـي­ـة ودبــــابـ­ـــات. وتـتـمـركـ­ز هـذه القوات في بولندا. هـــنـــاك أســئــلــ­ة تـــطـــرح حــــول أســـبـــا­ب إرســــال الـــواليـ­ــات املـتـحـدة كــل هـــذه األعـــــد­اد الكبيرة مـن الــقــوات، وإعـــادة تفعيل القواعد وإنشاء قواعد جديدة في أوروبا اآلن، رغم أن الوضع السابق للحرب على أوكرانيا لم يكن هشا، حيث كان يوجد قرابة 65 ألف جندي أميركي في قواعد خاصة أو في إطار «الناتو». هـــنـــاك أكـــثـــر مـــن إجــــابــ­ــة، مــنــهــا أن الـــواليـ­ــات املـتـحـدة تستخدم تـحـركـات الــقــوات إلرســال إشـــارات ورسـائـل سياسية وعسكرية. وفي هـــــذه الـــحـــا­لـــة، فـــــإن اإلشــــــ­ـــارات مـــوجـــه­ـــة إلـــى الــحــلــ­فــاء فـــي أوروبـــــ­ـا بـــقـــدر مـــا هـــي مـوجـهـة إلـى روسـيـا، التي حشدت أكثر من 100 ألف جـنـدي وعـتـاد عسكري بالقرب مـن الـحـدود األوكــران­ــيــة، بــدعــوى أن الـتـعـزيـ­زات جــزء من الـــتـــد­ريـــبـــا­ت، ولـكـنـهـا لـــم تـلـبـث أن اجـتـاحـت أوكـرانـيـ­ا لتغيير النظام. ووجـــه ذلـك رسالة بأن روسيا يمكن أن تغزو بعض دول شرق أوروبــا الشرقية التي كانت ضمن املنظومة الــســوفـ­ـيــيــتــ­يــة الـــســـا­بـــقـــة. وهـــنـــا­ك حـــالـــة قلق ومــخــاوف متنامية فـي أوســـاط الحلفاء في أوروبـــــ­ـا الــوســطـ­ـى والــشــرق­ــيــة، تـتـلـخـص في أنـــه عـلـى الـــرغـــ­م مـــن عـــدم وجــــود احــتــمــ­ال أن تتحرك الــقــوات الـروسـيـة فـي أقـصـى الـغـرب، فإن الحلفاء الشرقين يريدون ضمانا بأنه في حالة حــدوث ذلــك، فـإن الـواليـات املتحدة جاهزة كي تساعدهم، ولذلك ال يتوقف تدفق الـــقـــو­ات األمــيــر­كــيــة إلـــى دول الـبـلـطـي­ـق على نـحـو خــــاص. الــرســال­ــة الـثـانـيـ­ة مـوجـهـة إلـى روســـيـــ­ا، وعـكـسـتـه­ـا املـــوازن­ـــة غـيـر املسبوقة لــــــــو­زارة الــــدفــ­ــاع األمـــيــ­ـركـــيـــ­ة، الـــتـــي وضــعــت ضمن أولوياتها تطوير الـوجـود العسكري األمــــيـ­ـــركــــي فــــي أوروبـــــ­ـــــا. ويـــشـــك­ـــل ذلـــــك أحـــد تـحـديـات مــوازنــة الــعــام الـحـالـي الـتـي بلغت 820 مليار دوالر، بــزيــادة تبلغ نسبتها 40 في املائة عن موازنات األعـوام السابقة. ولن يطول الوقت حتى يحقق الوجود العسكري األمــيــر­كــي فـــي أوروبـــــ­ـا هــدفــه املــبــاش­ــر، وهــو تـطـويـق روســيــا وتكبيلها، وسينتهي إلـى إنجاز هـدف غير مباشر، وهـو إنهاء الحلم األوروبي في بناء األمن الذاتي.

 ?? (فانو شالموف/فرانس برس) ?? قوات أميركية وجورجية خالل تدريبات في جورجيا،7102
(فانو شالموف/فرانس برس) قوات أميركية وجورجية خالل تدريبات في جورجيا،7102

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar