Al Araby Al Jadeed

هل «استعادة العرب» ممكنة؟

- محمد أبو رمان

لعل السؤال الرئيس؛ إلى أي مدى يمكن بالفعل أن تكون قمة جدة بداية جديدة ملحاوالت إعادة بناء النظام اإلقليمي العربي، بعدما تفكك وانعطب، وترك ذلك فراغا استراتيجيا كبيرًا؟ جاءت بنود «إعالن جدة» رتيبة تقليدية، ال تحمل أي تصور جديد أو مبشر إلدراك جديد لحجم املتغيرات الخارجية والداخلية التي يمر بها النظام الرسمي العربي. ومن الواضح أن لغة التسكني (سكن تسلم) طاغية عليه في كل امللفات التي تناولها، ولم يكن هنالك منظور جديد يعيد قراءة تحديات األمن القومي العربي وكيفية حل املشكالت التي تواجهه، وال حتى تطوير منظور أكثر واقعية للمصالح العربية املشتركة والتعاون بني الدول العربية. مع ذلك، من الضروري القول إن انعقاد القمة في هذه اللحظة وجمع القادة العرب في مكان واحد، وإعادة التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، تحمل رسـائـل يـحـاول ولــي العهد الـسـعـودي، مهندس القمة األخـيـرة ورئيسها، محمد بن سلمان، تقديمها للعالم، خاصة بعد االتفاق السعودي اإليراني، وإعادة سورية إلى جامعة الدول العربية (وقف قرار تجميد األنشطة)، ما قد يحمل بذورًا لعملية استدراك رسمية عربية على ما حدث منذ عقدين من تراجع متسارع في تماسك النظام اإلقليمي العربي وقدرته على القيام بوظائفه. بالطبع، ال اللغة وال األفكار الــواردة في اإلعــالن الختامي تمثل %1 مما يرغب فيه املواطنون العرب، في كل مكان، فمحاولة التماسك والوقوف مرة أخرى على الخريطة اإلقليمية، وقول كلمة: نحن هنا للعالم، تحتاج إلى «فكر استراتيجي» جديد، وقدرة على مخاطبة اآلخرين بلغة مختلفة عن اللغة التقليدية، وإقناع األطراف األخرى بأن هنالك تصورًا جديدًا للمصالح املشتركة العربية، وليست املسألة مجرد مقال إنشائي ال قيمة واقعية أو عملية له. من الواضح أن السعودية تسعى لتكون املركز الرئيس في النظام اإلقليمي العربي اليوم، وهي تشق طريقا مختلفا تماما الـدور التقليدي للرياض في النظام اإلقليمي، ومن الواضح أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أراد إرسال رسالة إلى العالم أن هنالك ترتيبات جديدة في املنطقة، وأن الدول العربية مشاركة فيها، وما قام به من خطوات استباقية نحو إيـران وسورية يأتي في هذا السياق، لكن املهم أن تكون هنالك حلول ممكنة واقعية، مرتبطة بحوار استراتيجي مع كل من إيران وتركيا على السواء. امللفات السورية والليبية واليمنية والسودانية عاجلة بحاجة إلى خريطة طريق يتفق عليها العرب مع القوى الدولية واإلقليمية، فمن الواضح أن سيناريو التقسيم أقرب إلى عدد من هذه الحاالت لآلسف الشديد، وربما يحتاج األمر إلى أن يدرك القادة العرب أن ترميم النظام العربي لن يكون من خالل الديناميكي­ات السلطوية التي أدت إلى إضعافه وانهياره من الداخل، والخارج، ثم أوصلت هذه الدول إلى مرحلة خطيرة من الحروب الداخلية! إذا لـم تترافق مــحــاوال­ت «اسـتـعـادة الــعــرب» كنظام إقليمي، والــقــدر­ة على الجلوس على الطاولة طرفا مفاوضا وليس متفاوضا عليه، لن يتأتى إال في مراجعة عميقة لـأوضـاع الداخلية، واملطلوب أن يكون هنالك جهد مـــواز تماما للجهود الخارجية داخليا، للوصول إلى «معادالت» مقبولة، ليس فقط في الدول التي تعاني من حروب وأزمـات أمنية وسياسية عاصفة، بل حتى التي تعيش استقرارًا هشا على صفيح ساخن من االستبداد وقمع الحريات وإلغاء اعتبارات حقوق اإلنسان وكرامته. يأتي العالم العربي في املرتبة األولى على مستوى العالم اليوم في نسب النازحني والالجئني، وإهـدار (واستنزاف) الثروات املادية والبشرية العربية مرتبط باإلصرار على خيار السلطوية واالستبداد لدى جميع الدول العربية، وهو خيار لن يكون مفتاحا ملستقبل أفضل، بل أسوأ بكثير وتكرار سيناريوهات املاضي البائسة. وإذا كانت الديمقراطي­ة عملية تاريخية ومرحلية، فلنبدأ بما يمثل رسائل مرتبطة بفلسفة الحكم العربي تعيد الثقة لإلنسان العربي بأن ما هو قادم سيكون أفضل وليس أسوأ وأخطر. وتتمثل هذه املسألة األخيرة في تقديم تصورات عملية واقعية في التكامل اإلقليمي العربي، وهو أمر من املفترض أنه أسهل من السياسي، واملصالح االقتصادية ستكون القاطرة إلعادة تصميم املصالح السياسية املشتركة بني الشعوب والحكومات، فعلى األقل هذه الخطة يمكن تنفيذها واقعيا وبأقل تعقيد من الجوانب األخرى.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar