Al Araby Al Jadeed

ماذا قدمت قمة العرب لألسد؟

- فاطمة ياسين

حضر بشار األسـد ممثا للنظام السوري في قمة جــدة، ومكما كـل مراسم العودة السياسية إلى عضوية جامعة الدول العربية، وقد رحب بهذه العودة بعض الزعماء العرب الذين تناوبوا على إلقاء الكلمات في جلسة االفتتاح، أما ما نغص على ترسيم األسد مرة أخرى بوصفه كامل العضوية في الجامعة وجود الرئيس األوكــران­ــي، فلوديمير زيلينسكي، الــذي ظهر في جلسة االفتتاح، وأملــح إلـى أن بعض الحاضرين يوافق على سياسة فاديمير بوتني العدوانية ويدعمها. وهو تصريح مــوارب ال يسمي األسـد مباشرة، لكن ذلك يمكن استنتاجه بسهولة. وكما اعتبرت هـذه القمة كسبًا سياسيًا لألسد، يمكن أن تعتبر أيضًا كسبًا سياسيًا لزيلينسكي، حيث تحظى روسيا بدعم خفي من بعض الدول العربية ودعـم ظاهر من دول أخـرى، منها سورية. وكانت فرصة سانحة لزيلينسكي ليضع قضيته على طـاولـٍة يجتمع حولها قــادة عـرب وترعاها السعودية التي يـحـاول ولــي العهد فيها محمد بـن سلمان أن يسلك طريقًا وسيطًا يلعب به دور حمامة السام، وقد مهد لهذا الدور طويا، وتجلى ذلك في اتفاق الرياض مع إيران، بما يعني أن الكثير من بؤر توتر املنطقة مرشحة للتخامد نظرًا إلى ارتباطها، بشكل أو بآخر، بالخاف بني السعودية وإيران، وبما أن هذين القطبني قد وجدا مكانًا للتفاهم، يمكن لبؤر التوتر أن تجد طريقها إلى بعض االستقرار. هذه هي املـرة الثالثة التي تعقد فيها القمة العربية في السعودية خال خمس سنوات، لكنها تعقد هذه املرة بعناوين مختلفة كليًا عن التي أعلنت في القمم السابقة، فقد التأمت قمة عربية في الظهران عام ،2018 وسميت قمة القدس، وأطلقت تلك القمة مواقف عنيفة تجاه إسرائيل ورفضًا للقرار األميركي نقل العاصمة إلى القدس. ولم ينس حينها البيان الختامي املوقف العربي التقليدي من إيــران، فرفض تدخلها في الشؤون العربية، ثم عقدت قمة أخـرى في مكة املـكـرمـة بعد عـــام، كـانـت مـكـرسـة لبحث االعــتــد­اء اإليــرانـ­ـي على سفن تجارية إماراتية، والهجوم الحوثي على أهداف في السعودية، وجاء البيان الختامي منددًا باعتداءات إيران. بعد أربع سنوات، وخال اليومني الفائتني، عقدت القمة العربية التي تحمل الرقم 32 تحت عناوين الـتـوافـق واالسـتـيـ­عـاب، فقد أعقبت تقاربًا إيـرانـيـًا سعوديًا، وشهدت دخول النظام السوري إلى قاعة اجتماعات القمة العربية ألول مرة منذ قّمة سـرت التي جـرت برعاية معّمر القذافي عـام .2010 عكست القمم الثاث التي جرت في السعودية مواقف متفاوتة، وقد تحولت السعودية من جهة تتبنى موقفًا، وتحشد الـدول العربية دعمًا له، إلى دولـة راعية للتفاهمات في اإلقليم، وعلى مستوى العالم أيضًا، حيث لعبت دورًا بني أوكرانيا وروسيا مهد إلطاق متبادل لألسرى، وحضور زيلينسكي في هـذه القمة تأكيد لرغبة السعودية في التمسك بهذا الدور حتى النهاية، كما يعتبر توسط السعودية وقيادة حملة إلعادة األسد ضمن جهود تسوية مشكات املنطقة وصوال إلى تصفيرها. لم يستفد النظام السوري من هذه الجهود، وقد ال تساوي مكاسبه متاعب رحلة الطائرة التي قادت رئيسه إلى جدة، وبدوره لن يضمن زيلينسكي انتصاره على بوتني وال حتى تغيير مواقف دول الجامعة تجاهه. يتجه العالم نحو استقطاب شديد تقوده الصني والواليات املتحدة وتشارك فيه روسيا بالطبع، وتستثمر به كل الدول املذكورة سياسيًا، ومن املشكوك فيه أن تثمر الجهود املبذولة تصفير املشكات، ألن مؤتمر قمة واحدًا بحضور بشار األسد أو بغيابه لن يكون قادرًا على غض النظر عن عقود من التوتر والخافات، وسبق القمة الـ 32 عدد كبير من القمم التي لم تسهم في زحزحة مشاكل املنطقة، وهذه القمة يمكن وضعها إلى جانب أخواتها السابقات، ووضع بيانها الختامي فوق كومة البيانات األخـرى، ليرجع األسد إلى دمشق بالطائرة نفسها، وربما بطرق فيها تمويه كبير لضمان حمايته، لكن من املؤكد أنه عاد كما أتى.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar