Al Araby Al Jadeed

في ذكرى النكبة... فلسطين تقود

- لميس أندوني

فـــــي الــــــذك­ــــــرى الــــخـــ­ـامــــســ­ــة والــــســ­ــبــــعــ­ــن لـــهـــا، تستمر نـكـبـة فلسطن بــاســتــ­مــرار املــشــرو­ع االســتــي­ــطــانــي الـصـهـيـو­نـي الــعــنــ­صــري، لكن صــــمــــ­ود الـــشـــع­ـــب الــفــلــ­ســطــيــن­ــي ومـــقـــا­ومـــتـــه يــفــرضــ­ان اســتــحــ­قــاقــات عــلــى الــجــمــ­يــع. فمن إقــــــرا­ر األمـــــم املــتــحـ­ـدة بــجــريــ­مــة الــنــكــ­بــة، إلــى إعـــان جــــدة، حـتـى لــو كـــان لفظيًا، بمركزية الـــقـــض­ـــيـــة الــفــلــ­ســطــيــن­ــيــة، يـــعـــنـ­ــي أن ال أحـــد يستطيع تجاهل اسـتـمـرار مـقـاومـة الشعب الفلسطيني، بمختلف أشـكـالـهـ­ا، وإصـــراره على نيل حقوقه الوطنية والتاريخية. ال تـرسـم هــذه السطور صـــورة ورديـــة، وهـذا لــيــس تـــهـــرب­ـــًا مـــن واقـــــع اســـتـــم­ـــرار الـتـطـبـي­ـع وخـــطـــر­ه عــلــى الـقـضـيـة الـفـلـسـط­ـيـنـيـة وعـلـى األمـن القومي العربي، لكنها دعـوة إلى عدم االسـتـسـا­م، بـل ولـاعـتـرا­ف بكل فعل مقاوم وكــل إصـــرار على الـصـمـود، وبـــأن الترسانة العسكرية الصهيونية املـمـولـة أمـيـركـيـًا لم ولن تكون العامل الحاسم في تقرير مصير الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل التحرر. تبقى النكبة ذكرى وواقعًا أليمًا، وتذكيرًا بفقدان وطـــن، الجـــئ يحتفظ بمفتاح دار، لـوعـة على عقود من االنتظار، ففلسطن قريبة من حيث املسافة، بعيدة عـن الـتـوق للدفن فـي أحضان ترابها. هي ذكرى وواقع من يعيش في سخنن والناصرة والنقب، ويقاوم األسرلة وعزله عن بقية الشعب الفلسطيني. هي ذكرى وواقع في رام الله ونابلس، فالتمدد االستيطاني تجسيد عملي وموجع للنكبة املستمرة، وظهور أجيال تقاوم وتقض مضاجع حكام ورؤساء، أي لوال هذا الضجيج لكانت كلمة فلسطن قد حذفت

من قاموس القمم العربية، ومن األمم املتحدة والعالم بأجمع. تذكرنا فداحة النكبة بـأن رد العالم هزيل وضعيف، وأحيانًا يفتقر إلى أدنى مستويات التعاطف اإلنساني. ولكن من الخطأ التقليل مــن أهـمـيـة تـأثـيـر اســتــمــ­رار الـنـضـال، بالرغم من االنقسامات، وشراسة قمع الجيش الـصـهـيـو­نـي. فــاعــتــ­راف األمـــم املـتـحـدة بـذكـرى النكبة لن يحرر فلسطن، لكنه اعتراف ضمني بجريمة إقــامــة الـــدولــ­ـة الصهيونية، ودخـــول الـنـكـبـة كمصطلح إلـــى اإلعـــــا­م الــغــربـ­ـي مهم، فحرب املصطلحات في أهمية املقاومة املسلحة وغير املسلحة، فجزء من هدف املقاومة تحدي الرواية الصهيونية وتكسيرها وتعريتها. عــربــيــًا، لـــن يـــحـــرر اإلقــــــ­رار بــمــركــ­زيــة القضية فـــلـــسـ­ــطـــن، ولـــــن يــــوقـــ­ـف عـــمـــلـ­ــيـــات الــتــطــ­بــيــع، لكنه دلـيـل على أنــه ال يمكن تجاهل الشعب الفلسطيني، ودليل على أن األنظمة العربية، حـــتـــى املـــطـــ­بـــعـــة مـــنـــهـ­ــا، تـــقـــر وتــــعـــ­ـتــــرف، ولـــو ضـــمـــنـ­ــيـــًا، أنــــــه رغــــــم تــبــعــي­ــة مـــعـــظـ­ــم األنـــظــ­ـمـــة لواشنطن، فإن تمسكها اللفظي (بغض النظر عن صدقه من عدمه) بالقضية الفلسطينية مــصــدر قـــوة وحــمــايـ­ـة لــهــا، ال حـبـًا بالقضية والــــقــ­ــدس، بـــل خـــوفـــًا مـــن عـــواقـــ­ب اســتــشــ­راس الحكومة اإلسرائيلي­ة وتطرفها، وإطاق عنان املستوطنن. لذا، هو تطور مهم، لكنه ال يرقى إلى خطورة التهديد اإلسرائيلي، فمعاهدات التطبيع نفسها تشكل خرقًا أمنيًا واقتصاديًا لن تفلت منه أي دولة عربية بإعان التزامها مركزية القضية الفلسطينية. عليه، الشعب الفلسطيني، وال أقــول السلطة الفلسطينية، أكـثـر حـريـة وتـــحـــر­رًا مــن سـطـوة الصهيونية األيديولوج­ية من معظم األنظمة العربية، ألنه استطاع تحويل نكبته املستمرة إلى مقاومة

مستمرة، ترفض الخنوع والخضوع والتخلي عــن حقوقه وتــراثــه وتـاريـخـه وروايـــتـ­ــه، فيما انـجـّرت أنظمة، وحتى عـدد مـن املثقفن، إلى فــخ اسـتـعـمـا­ر الــعــقــ­ول، بمصطلحات تزييف الحقيقة، فحديث بعضهم عن «حـوار أديـان» و«سام وإخاء» بن أبناء النبي إبراهيم أكبر أكذوبة، تهدف إلى نسيان فلسطن وهويتها. الـقـضـيـة لـيـسـت ديــنــيــ­ة، وإن كــانــت إسـرائـيـل ســـعـــت وتـــســـع­ـــى إلشــــعــ­ــال حـــــرب ديـــنـــي­ـــة، مـع املسلمن بشكل خاص، مستثمرة في تيارات اإلسـامـوف­ـوبـيـا واالســتــ­شــراق االسـتـعـم­ـاري، وكـأن مشروعها الكولونيال­ي لم يقتلع أبناء فلسطن املسيحين ويــشــرده­ــم أو يقتلهم.. فـــي ذكـــــرى الــنــكــ­بــة، يـــخـــوض الـفـلـسـط­ـيـنـيـون أكثر من معركة من رفض فلسطينيي الداخل )1948( أسرلة هويتهم الثقافية والوطنية، بل بدورهم في تحقيق وحـدة ساحات املقاومة، فهبة الكرامة عام 2020 املكملة لهبة أيـار في حي الشيخ جراح في القدس وكل مدن الضفة الغربية وقراها، واملقاومة املسلحة في قطاع غــزة، فمفهوم وحــدة الـسـاحـات كــان محصلة وحـــــدة الـفـلـسـط­ـيـنـيـن فـــي هـــبـــة أيـــــار ،2020 فالشعب الفلسطيني يواجه خطرًا واحدًا هو خطر مـصـادرة أراضيهم وبيوتهم، أي خطر اقتاعهم من وطنهم. ال يـــخـــفـ­ــف ذلـــــك مــــن مــصــيــب­ــة مــــجــــ­ازر جـيـش االحتال في حوارة وعقبة جبر وغزة وجنن ونابلس، واعـتـراف األمـم املتحدة ليس كافيًا مقابل هذه التضحيات املهولة وال بيان قمة جـــــدة، كـلـهـا هــزيــلــ­ة أمـــــام تــضــحــي­ــات الـشـعـب الــفــلــ­ســطــيــن­ــي، لـــكـــن، ال بـــد أن نـــقـــر بـــأنـــه لــوال مقاومة الشعب الفلسطيني، ملا كان هناك إقرار بالنكبة، وهــو إنـجـاز كبير قاومته إسرائيل عقودًا، فكلمة «النكبة» لوصف ما تحتفي به إسرائيل على أنه عيد استقالها بحد ذاتها تشكيك وتقويض أخاقي للدولة الصهيونية، فـــا قــــــرار­ات مـجـلـس األمــــن وال دعــــم أمـيـركـي يستطيع منح إسـرائـيـل الشرعية األخاقية التي طاملا كـان يتحدث عنها رئيس الـــوزراء اإلسرائيلي ورئـيـس الكيان الـراحـل شمعون بيريز. نعود هنا إلى اتفاقيات التطبيع بن دول عربية وإسرائيل. فمن منظور إسرائيل، ال تـهـدف هـــذه االتـفـاقـ­يـات إلـــى فـــرض هيمنة الكيان الصهيوني على املنطقة فحسب، بل إلى إضفاء شرعية أخاقية على دولة دخيلة على املنطقة، فدمج إسرائيل في املنطقة الذي تسعى له أميركا ال يعني االستسام لقوتها العسكرية فحسب، بل يتطلب نسيان القضية الـفـلـسـط­ـيـنـيـة بـــل واســــم فـلـسـطـن. ومــــن هنا يجب أن ال نقلل من قيمة أي إقــرار عربي في زمــن التطبيع بمركزية القضة الفلسطينية،

بل واتخاذه حافزًا ومحرضًا ملقاومة التطبيع. ليس هناك أوهام حيال نتائج قمة جدة، ولم تكن واشـنـطـن بعيدة عــن أجـــواء الـقـمـة. وفي الـــوقـــ­ت نــفــســه، الـــدفـــ­ع األمـــيــ­ـركـــي، والــضــغـ­ـوط املستمرة من أجل الوصول إلى اتفاقية تطبيع علنية بن إسرائيل والسعودية مؤشر ودليل على أن كــا مـن واشنطن وتــل أبيب تحمان على أي إحياء ملركزية قضية فلسطن في أي من القمم العربية، وتـؤكـدان أنـه غير مقبول، ولذا تتصاعد األصوات في أميركا وإسرائيل مطالبة إدارة الـرئـيـس جــو بــايــدن بالتخلي عـــن الــتــريـ­ـث فـــي جــعــل الــســعــ­وديــة تــدخــل في االتفاقيات اإلبراهيمي­ة. واشنطن وتل أبيب ال تهتمان باألفعال فقط، بــل تـعـمـان عـلـى تغيير الـخـطـاب السياسي، أكان صادقًا أم كاذبًا، تجاه فلسطن، فالخطاب السياسي العلني، وفقًا للرؤية االستراتيج­ية األميركية، يساهم في تشكيل الوعي الجمعي الــعــربـ­ـي، ولــــذا، تـعـمـل أمــيــركـ­ـا عـلـى التخلص من طغيان مصطلحات العداء إلسرائيل، وإن كانت مشاهد التطرف العنصري الصهيوني في فلسطن تعرقل كل عملية تشويه للوعي العربي، وتدفع األنظمة إلى العودة، ولو شكليًا، إلى مواقف تقر بمركزية القضية الفلسطينية. قد ال يتفق معي بعضهم، لكن، بما أن التحرر هو نتيجة عملية نضالية تراكمية، فالشعب الفلسطيني فـــي ذكــــرى نـكـبـتـه، وبــالــرغ­ــم من املعاناة الرهيبة من قساوة القتل اإلسرائيلي ألطـفـال غــزة ووحشيته، يقود العالم العربي بفعل الصمود والفعل املقاوم، وهذا يعني أن إسرائيل ستزداد وحشية وهمجية في عقاب شعب يرفض النسيان.

تذكرنا فداحة النكبة بأن رّد العالم هزيل وضعيف، وأحيانًا يفتقر إلى أدنى مستويات التعاطف اإلنساني

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar