Al Araby Al Jadeed

هل يتعلّم السوريون من االنتخابات التركية؟

- عمار ديوب

أجيال كاملة في سورية لم تمارس االنتخاب الــديــمـ­ـقــراطــي. كــانــت تــتــدبــ­ر شـــؤونـــ­هـــا، كــأن تــحــصــل عـــلـــى وظـــيـــف­ـــة أو بــعــثــة أو تـسـيـيـر مـعـامـلـة مـــا، عــبــر آلـــيـــا­ت الــفــســ­اد واإلفـــسـ­ــاد؛ فـــهـــو الــــقـــ­ـانــــون املـــســـ­يـــطـــر عـــلـــى مـــؤســـس­ـــات الــدولــة الــســوري­ــة، أمـــا املـتـحـكـ­م الفعلي بها، فهي األجــهــز­ة األمـنـيـة، وعـبـر األخــيــر­ة، تـدار الـــدولــ­ـة الــســوري­ــة بـاملـعـنـ­ى الــواقــع­ــي، وطبعًا يــرأس املؤسسات واألجـهـزة الرئيس املطلق الصاحيات والسلطات، وال أهمية حقيقية للدستور، وللقوانن، وبالطبع ال استقالية ألي ســـلـــطـ­ــات فــــي بــــادنــ­ــا. بـــالـــت­ـــأكـــيـ­ــد، ذهــــل الـسـوريـو­ن الــذي هــجــروا، أو اخــتــارو­ا تركيا لـــإقـــا­مـــة، مـــن املــــســ­ــاواة فـــي مـــمـــار­ســـة الــحــق االنتخابي. إن الكتل السياسية، والتحالفات، تـــصـــرح وتــخــتــ­لــف وتــــؤكــ­ــد وتـــرفـــ­ض وتـــعـــد وتحجم، وذلك كله عبر برامجها االنتخابية والــتــصـ­ـريــحــات اإلعـــامـ­ــيـــة. وهـــــذه الــحــقــ­وق ال تـخـص كتلة حـــزب الــعــدال­ــة والـتـنـمـ­يـة، بل كــذلــك األحــــــ­زاب املـــعـــ­ارضـــة. رأى الــســوري­ــون ذلـــك كــلــه، وهــــذه لـيـسـت املـــــرة األولـــــ­ى طبعًا، وأن االنتخابات التي جرت مورست من دون صدامات بن األهالي، ومن دون طبل وزمر ودبــكــات ونـــخ عـلـى الــركــب ومـــن دون تـدخـل

أمـنـٍّي، واألهـــم مـن دون خــوٍف مـن املقترعن. يا للخوف الـذي كنا نعيشه، حينما تقترب االنــتــخ­ــابــات الــرئــاس­ــيــة بــالــتــ­حــديــد، فـأغـلـب املـــعـــ­ارضـــن كــــانـــ­ـوا يــقــبــع­ــون فــــي مــنــازلـ­ـهــم، ويأكلهم القلق والـخـوف سـاعـات وسـاعـات، ولـطـاملـا قــام أقـــارب هـــؤالء باالنتخاب عنهم من دون معرفتهم؛ من وقاحات أجهزة األمن، أنها كانت تفرض االنتخاب على املعتقلن السياسين وفي معتقاتهم! حـن تـوفـي حـافـظ األســـد، حــدث فـــراغ رهيب فــــي مـــؤســـس­ـــات الـــــدول­ـــــة، وتـــعـــط­ـــلـــت، وحــتــى الـــشـــر­طـــة لــــم تـــعـــد تـــقـــوم بــــواجــ­ــبــــات تـنـظـيـم الـــســـي­ـــر. هـــكـــذا تـــكـــون الـــبـــا­د حــيــنــم­ــا تغيب الــــحـــ­ـقــــوق عـــــن الــــشـــ­ـعــــب، ويـــصـــب­ـــح الـــحـــا­كـــم «إلـــهـــًا». هـــل سـيـتـعـلـ­م الـــســـو­ريـــون شـيـئـًا من العملية الديمقراطي­ة في تركيا، وقد شهدوا االنتخابات، والتحول نحو النظام الرئاسي فـي تركيا مـن قـبـل، والــصــرا­ع بـن املعارضة وحزب العدالة والتنمية حول ذلك، وعايشوا املـنـافـس­ـة الـديـمـقـ­راطـيـة بــن الـكـتـل عـلـى أدق التفاصيل. هل سيعترفون لآلخر بحقه في املـــمـــ­ارســـة، واالخــــت­ــــاف، والــــدفـ­ـــاع عـــن رؤاه، وبـرنـامـج­ـه، وفـــي مختلف الـقـضـايـ­ا، وحتى فـــي املــمــار­ســة الــديــنـ­ـيــة، قـــبـــوا­ل أو رفـــضـــًا. ال يــتــعــل­ــم املـــــرء بــشــكــل جــــاد إال فـــي املــمــار­ســة. ســـارع الشيخ أكـــرم راجـــح، شيخ قـــراء الشام «املعارض»، واملجلس اإلسامي السوري إلى تصدير بـيـانـات لتأييد أردوغــــا­ن وائـتـافـه، وأن واجــــب الــســوري­ــن املـجـنـسـ­ن انـتـخـابـ­ه. هـــــذا فـــعـــل خــــاطـــ­ـئ، ويــــوضــ­ــح أن الـــســـو­ريـــن لــــم يـــتـــعـ­ــلـــمـــ­وا ضــــــــر­ورة عــــــدم إشــــــــ­راك الـــديـــ­ن فـــي الـــســـي­ـــاســـة. وهـــنـــا­ك شــخــصــي­ــات أخــــرى، ومجموعات إسامية سورية قامت بالفعل ذاته. عاقة الدين بالسياسة والدولة، سيما بقضية ممارسة الديمقراطي­ة واالنتخابا­ت قضية شائكة، وهـنـاك نـقـاش كبير لـم ينته بـــأن االنـتـخـا­بـات الـتـي تــوافــق عليها الـقـوى اإلســـامـ­ــيـــة هـــي انـــتـــخ­ـــابـــات املــــــّرة الــــواحـ­ـــدة، أي تــوصــلــ­هــم إلــــى الــحــكــ­م، ومــــن ثـــم تـتـحـكـم بالسلطة وبـالـعـبـ­اد. هــذا لـم يعد قائمًا كما يـبـدو، وهـنـاك أغلبية مـن الـقـوى اإلسامية، تـؤكـد على املـمـارسـ­ة االنتخابية، والعملية الـــديـــ­مـــقـــرا­طـــيـــة، وإن كـــانـــت مــــا لــــــزال تـــؤكـــد أن الــشــريـ­ـعــة هـــي املـــصـــ­در االول لـلـدسـتـو­ر؛ أردوغـــان وحــزب، وهناك في الضفة األخـرى املـــواجـ­ــهـــة لـــه إســـامـــ­يـــون أيـــضـــًا، والــجــمـ­ـيــع يــؤكــد ضــــرورة االنـتـخـا­ب وإبــعــاد الــديــن عن السياسة، ولم نشاهد تدخا دينيًا تركيًا في االنتخابات األخيرة. أن يعيش السوريون أكثر من خمسة عقود من دون ممارسة الديمقراطي­ة، وبصمت إجباري عـــن قـــول كــلــمــة: ال، فــهــذا يـعـنـي أن عاقتهم

باالنتخابا­ت والتنافس «الشريف» واحترام حـــق اآلخـــــر بـــاالخــ­ـتـــاف فـــي غـــايـــة الـتـعـقـي­ـد، والقصد أنهم لم ينتقلوا بعد بتفكيرهم من عقلية الــرعــاي­ــا إلـــى املــواطــ­نــن، مــن االعـتـمـا­د عـلـى األســــرة والـجـمـاع­ـة الـديـنـيـ­ة والـعـشـيـ­رة واملنطقة والقومية إلــى االعـتـمـا­د إلــى العقل واالختيار الفردي وممارسة االختاف. قـــــام الــــســـ­ـوريــــون بــــثــــ­ورة كـــبـــيـ­ــرة فــــي ،2011 لكنهم لم يكونوا على دراية جيدة بالعملية الديمقراطي­ة، وتجربة ما بعد ذلك العام وإلى ،2023 لـم تكن فيها أي انتخابات تـذكـر في مــؤســســ­ات الـــثـــو­رة واملـــعــ­ـارضـــة؛ كـلـهـا كانت تجرى بالتزكية أو كانت هامشية، وقواها هامشية كذلك. ووجود ماين السورين في تركيا وأوروبــــ­ا وأغلبية الــــدول، ومنهم من صـــار يـنـتـخـب، ويــبــكــ­ي، نـعـم يـبـكـي، حينما يــفــعــل ذلـــــك، أقــــــول: سـتـفـيـد تــلــك املـــشـــ­اركـــات الــســوري­ــن بــالــتــ­أكــيــد، لــكــن هــــؤالء أصـبـحـوا أتراكًا أو أملانًا أو فرنسين، أو أو، وبالتالي لن تعود أغلبيتهم إلى الباد، ولن يمارسوا االنـــتــ­ـخـــابـــ­ات فــيــهــا، بـيـنـمـا مـــن ســيــعــو­د قد ال يـتـعـلـم الــكــثــ­يــر عـــن الـعـمـلـي­ـة االنـتـخـا­بـيـة والديمقراط­ية والتنافس واالختاف وسواه. لن تكون ساعة العودة إلى سورية من دون مـمـارسـة االنـتـخـا­بـات، والـتـعـاي­ـش املـشـتـرك، وقد حدث في الباد ما يعيد الحرب األهلية مـــّراٍت ومـــرات؛ فهل يستفيد، من في الخارج أو الــداخــل، مـن االنـتـخـا­بـات الـتـركـيـ­ة، ويعي أهــمــيــ­ة الــديــمـ­ـقــراطــي­ــة واالنـــتـ­ــخـــاب واحـــتـــ­رام االخـــتــ­ـاف؛ عـبـر هـــذه الــحــقــ­وق واملــمــا­رســات تتشكل الدول الحديثة وأنظمتها السياسية، وتقوى وتتقدم في مختلف مجاالت الحياة وتجد املخارج ألزماتها، والسوريون أحوج ما يكونون إليها؟

هل يستفيد، من في الخارج أو الداخل، من االنتخابات التركية، ويعي أهمية الديمقراطي­ة واالنتخاب واحترام االختالف؟

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar