Al Araby Al Jadeed

علكة الوزير اللبناني وتكثيف سياسة االستهتار

- باسل. ف. صالح

لم يكن الحدث بالنسبة إلينا نحن في لبنان، فـــي كـــل الــقــمــ­ة الــعــربـ­ـيــة فـــي جـــــدة، إال تكثيفًا لـــخـــبـ­ــر واحـــــــ­د مــــفــــ­اده بـــــأن وزيــــــر الــخــارج­ــيــة واملغتربن اللبناني عبد الله بوحبيب كان مشغوال بمضغ العلكة في أثناء إلقاء رئيس حـكـومـة تـصـريـف األعـــمــ­ـال الـلـبـنـا­نـيـة نجيب ميقاتي كلمة لبنان الـرسـمـيـ­ة. فمن دون أي مراعاة لقواعد البروتوكول، وألبسط شروط الرسمية في أعلى اجتماع دبلوماسي يشهده العالم الـعـربـي، ال سيما فـي قمة استثنائية يــعــيــد الـــنـــظ­ـــام الـــعـــر­بـــي إنــــتـــ­ـاج نــفــســه فــيـهــا، وصــــــوا­ل إلــــى إعــــــاد­ة ضـــم الــطــاغـ­ـيــة الـــســـو­ري إلـــيـــه­ـــا، فـــضـــا عـــن تــزامــنـ­ـهــا مـــع إلـــقـــا­ء كلمة لبنان، والتي حـاول فيها ميقاتي حث الدول األعـضـاء، ال سيما السعودية، على مساعدة لبنان فيها، تقفز جزئية مضغ الوزير للعلكة لتسيطر على كل املشهد، لتسيطر على صورة لبنان في السياسة الخارجية، وعلى الصورة واالنطباع الذي تتركه هذه السلطة عن لبنان. بـمـعــزل عـــن تـفـاصـيـل تــلــك الــقــمــ­ة، ومـــا يمكن أن يـوجـه مــن نقد إلـيـهـا، إال أن مــا زاد الطن بلة أن الوزير لم يتنبه لحراجة املوقف ولكل هــــذا االنـــتــ­ـهـــاك الـــــذي يــمــارسـ­ـه إال حـــن وجـــه املــنــظـ­ـمــون إلـــيـــه، عــبــر الــســفــ­يــر الــلــبــ­نــانــي في الـسـعـودي­ـة، رسـالـة الفـتـن انتباهه فيها إلى ضــرورة التخلص من العلكة. فتم توثيق كل هـــذه الــخــفــ­ة عـلـى الــشــاشـ­ـات فــي لــبــنــا­ن، وفـي الـعـالـم الـعـربـي، وفــي مجمل الــــدول. وهـــذا إن دل على شــيء، فعلى الـضـرورة التي بـات من املفترض أن تهيمن على السياسة الدولية إزاء لبنان، وهي أنه ال إمكانية للمراهنة على هذه السلطة والطبقة الحاكمة، فالوضع ال يكف عن االزدياد سوء ا إلى درجة أنه لم يعد من املمكن التصرف وكأن لبنان قابل، ولو بالحد األدنى، للحياة ولاستمرار بالطريقة التي تمارس فيه السلطة والطبقة الحاكمة خفتها تجاه شعبها وتجاه بقية الدول. ال تنحصر الخفة، وقلة الحيلة، وقلة املسؤولية، واالستخفاف واالســـتـ­ــهـــتـــ­ار بـــالـــت­ـــعـــامـ­ــل مــــع الـــقـــض­ـــايـــا، فـي الصورة التي ترسمها السلطة اللبنانية بن الــدول حصرا، بل هي استكمال لاستخفاف باللبنانين، وبمستقبلهم، وبالخطر الداهم الــذي يـرافـق مسار حياتهم وتـاريـخ دولتهم. إن هـــذه الـخـفـة لـيـسـت بــاألمــر الـــعـــا­رض، ولـم تكن وليدة تقدير خاطئ للحظة حرجة على مستوى العاقات الدولية، بل هذا السلوك هو ما تتميز أجهزة الـدولـة اللبنانية وإداراتـهـ­ا وكل القوى السياسية التي تهيمن عليها به. فهل يمكن نسيان االستخفاف بالتعامل مع صندوق النقد الدولي، والذي يتبدى بتاعب الـــوفـــ­ود الــرســمـ­ـيــة الـلـبـنـا­نـيـة بــــاألرق­ــــام الـتـي يفاوضونه بشأنها، ًوالتي يفترض أن ترسم سياسة اإلصاح وفقا لها؟ وهل يمكن إغفال الـتـاعـب مـع املجتمع الــدولــي، واالستخفاف بــضــرورة الـقـيـام بــاإلصــا­حــات املـطـلـوب­ـة، بل اإلمعان في طلب مزيد من املساعدات واملنح بــــدون أي مـقـابـل إصــاحــي وال مـحـاسـبـة أي طـرف مسؤول عن عملية النصب التي جرت خال السنوات األخيرة؟ وهل يمكن التغاضي عما يجري اليوم لناحية عـدم توقيف حاكم مـــــصـــ­ــرف لــــبــــ­نــــان ريــــــــ­ـاض ســـــامــ­ـــة املـــطـــ­لـــوب لـإنـتـربـ­ول الــدولــي، بحجة عــدم الــقــدرة على إيـجـاده، قبل ساعات من تمكن قناة العربية من الحصول على حديث خاص معه؟ كــل حــادثــة مــن هـــذه الـــحـــو­ادث، بـاإلضـافـ­ة إلى كثير غيرها، تضع املجتمع املحلي، ومن خلفه املجتمعان العربي والــدولــ­ي، أمـــام معادلة لم يــعــد بـــاإلمــ­ـكـــان الــتــغــ­اضــي عــنــهــا، أن الـطـبـقـة اللبنانية الحاكمة ال يمكن أن تشكل أي فارق في عملية اإلصــاح التي ال بد من القيام بها إن كان الهدف هو نهضة وإعادة تمكن الدولة وفق الشروط الدولية الحالية، أو إن كان تأدية أي دور في عملية كبح االنهيار وإعـــادة بناء االقـــتــ­ـصـــاد، وتـحـقـيـق الـــعـــد­الـــة الـــتـــي يـفـتـرض أن تــكــون فـــوق كــل اعــتــبــ­ار. لـكـن العقلية التي تـــمـــار­س الـطـبـقـة الــحــاكـ­ـمــة سلطتها بــهــا هي

مصدر األزمة، وهي السبب الحقيقي خلف كل االنهيارات التي نعايشها والتي يراقبها العالم تطيح مــا تـبـقـى مــن لـبـنـان الــيــوم. لـيـس األمــر مجرد علكة، ليس مجرد خطأ فردي، وال يمكن حصره بأنه مجرد قلة انتباه، بل هو تكثيف لسياسة الخفة التي تهيمن على كل ما يمكن أن تطاوله العن ضمن حدود هذه الدولة. خفة تمضغ كل شـيء في مجتمع لبنان السياسي الــــذي تهيمن أشــكــال الـعـبـث كــافــة عـلـيـه، وهـا هــي السلطة تعيد إنـتـاجـه عند كــل منعطف. العبث في مضغ العلكة في مناسبات رسمية، وفي ما يطيح كل البروتوكوا­لت املتبعة، ليس عـلـى أيــــدي مــجــرد وزيــــر، بــل عـلـى أيــــدي وزيــر الخارجية واملغتربن الــذي يفترض أن يكون واجهة لبنان الرسمية على العالم. فهل يجوز اختصار صورة لبنان برسم لوزير الخارجية على زجــاج عريض تزين خلفيته ألــوان العلم اللبناني، وهو يمضغ علكته؟ حتى في تصوير كهذا، يبقى األمـر عصيا على املخيلة، ويبقى ًً عصياعلى أن تتخذه وزارة السياحة عنوانا ممكنا لحملتها. هـذا مجرد انحطاط يهيمن عـلـى مــمــارسـ­ـة الـسـلـطـة فــي الـــدولــ­ـة اللبنانية منذ سنوات، وهذا االنحطاط بات اليوم عامليا ومعمما. لقد بـات من الـضـروري التعامل مع األمر بحزم، وإال سيبقى لبنان بؤرة لتصدير املـــشـــ­كـــات وبــــث الــقــلــ­ق فـــي املــنــطـ­ـقــة. بــــات من الضروري أال تقف حملة املحاسبة على رياض سامة، وأال تمارس الدول كل محاوالت إحياء الـنـظـام نفسه بمواجهة إرادة شعبية عارمة تجلت خــال فترة انتفاضة أكـتـوبـر/ تشرين األول ،2019 بــل بـــات مــن الـــضـــر­وري أن تتخذ الـــــــد­ول، ال سـيـمـا فــرنــســ­ا، إجـــــــر­اءات عمانية تطاول السلطة بأكملها، انطاقا من مصادرة األموال التي نهبتها الطبقة الحاكمة من لبنان واملوضوعة في مصارفها.

من الضروري أن تتخذ الدول، ال سيما فرنسا، إجراءات عمالنية تطاول السلطة اللبنانية بأكملها

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar