«مطبخ»... مشروع إنتاجي ناجح لنسرين نوفل
يظل سلوك درب النجاح واالستقرار الذاتي هدف نساء كثيرات في الحياة، وإحداهن الفلسطينية نسرين نوفل التي لبت نداء التغيير في حياتها، وأنجحت مشروعها الخاص في الطبخ
تـــحـــتـــاج املـــــــــرأة فـــــي مـــجـــتـــمـــعـــات الـــيـــوم إلـــى تحقيق استقاللها الــذاتــي واملـالـي الــــــــذي يـــتـــطـــلـــب بـــذلـــهـــا جـــــهـــــودًا كــبــيــرة فــــي تــحــصــيــل الـــعـــلـــم، وأيــــضــــًا اكــتــســاب مـــــهـــــارات وخـــــبـــــرات ضـــــروريـــــة جـــــدًا فـي الـــعـــمـــل الـــتـــي تــســمــح بــتــعــزيــز قـــدراتـــهـــا االقــتــصــاديــة واالجــتــمــاعــيــة، وتمنحها الـــقـــدرة عــلــى اتـــخـــاذ الــــقــــرارات الـخـاصـة بـهـا وبمستقبلها بـعـيـدًا عــن محيطها االجـــتـــمـــاعـــي الـــــذي يـــؤثـــر عــلــى حـيـاتـهـا ونمط عيشها. ويمكن القول أن خيارات النساء لتحقيق هــذا االسـتـقـالل كثيرة، إذ تـلـجـأ بـعـضـهـن إلــــى تـحـصـيـل الـعـلـم مـــن أجــــل نــيــل شـــهـــادة جــامــعــيــة، تشكل وســيــلــة لــلــحــصــول عــلــى عــمــل مـنـاسـب لهن وألهــدافــهــن املـنـشـودة على صعيد تحقيق الذات، بينما تختار أخريات، لم تسمح ظروفهن بأن يحصلن على تعليم عال أو متوسط بالحد األدنى، تعلم مهن معينة تتناسب مـع قـدراتـهـن، وتتالقى مــــع رغـــبـــاتـــهـــن فــــي الـــعـــمـــل واعـــتـــمـــادهـــا ركيزة أساسية للحصول على املال. عملت نسرين نوفل، املتحدرة من بلدة الـــــزيـــــب بــفــلــســطــني وتـــقـــيـــم فـــــي مــديــنــة صــيــدا جــنــوبــي لــبــنــان، ســـنـــوات طويلة فــــي جـــمـــعـــيـــات، وتــــحــــديــــدًا فــــي مـهـنـتـي الــطــبــخ واإلدارة، كــمــا اهــتــمــت بـتـقـديـم دورات خاصة بمهارات حياتية معينة، وأنــــشــــأت جــمــعــيــة خـــاصـــة بـــهـــا تــتــولــى تـنـظـيـم أنــشــطــة لــأطــفــال والـــشـــبـــاب، ثم شعرت بعد مدة زمنية طويلة من العمل فـــي جــمــعــيــات بــأنــهــا يــجــب أن تستقل وتؤسس مشروعها الخاص الذي كانت تحلم به وتحبه، وهو مشروع للطبخ. تقول لـ «العربي الجديد»: «عملت سنوات طويلة فـي جمعيات، وكـذلـك فـي تنظيم أنــشــطــة خـــاصـــة بـــــــاألوالد والـــشـــبـــاب، ثم أوقــــفــــت هـــــذه األعــــمــــال مــــع بـــــدء سـلـسـلـة األزمـــــــــات الـــصـــعـــبـــة جـــــدًا فــــي لـــبـــنـــان إثـــر ثـورة عام ،2019 وبعدها تفشي فيروس كــــــورونــــــا الــــــــذي شــــــل الــــحــــيــــاة بـــالـــكـــامـــل فــتــرات غـيـر قـصـيـرة، وصــــوال إلـــى األزمـــة االقــتــصــاديــة الــحــالــيــة، ألنــنــي شــعــرت أن ال شــــيء يـشـجـعـنـي عــلــى االســـتـــمـــرار في الــعــمــل، خــصــوصــًا أن الـجـمـعـيـات بـاتـت تفتقر إلى تمويل داخلي أو خارجي، كما لــم أعـــد أستطيع اإلنــفــاق عـلـى جمعيتي التي حملت اسـم إنـسـان ونظمت عبرها مجموعة من املشاريع املهمة، رغـم أنني نـقـلـت مــقــرهــا مــــرات مـــن مــكــان إلـــى آخـــر، وصــــوال إلـــى مـخـيـم املــيــة ومــيــة لالجئني الــفــلــســطــيــنــيــني شــــرقــــي مـــديـــنـــة صـــيـــدا. ونظمت بـالـتـعـاون مــع منظمة الصليب األحـــــمـــــر الـــلـــبـــنـــانـــي أنــــشــــطــــة تــرفــيــهــيــة وتعليمية لأوالد، ثم نفذت مع أكاديمية تــعــلــيــمــيــة فــــي صـــيـــدا أنـــشـــطـــة تـرفـيـهـيـة شـمـلـت إعـــــداد 700 وجــبــة إفـــطـــار يوميًا خالل شهر رمضان». تــتــابــع: «قــبــل أن أطــلــق مــشــروع الطبخ الخاص بي، الذي يعبر عن شخصيتي ويجسد تطلعاتي في العمل والنجاح، عملت خالل فترة تفشي فيروس كورونا في بيع األحذية عبر وسائل التواصل االجــتــمــاعــي، ونــجــحــت فـــي هـــذا العمل الذي كان يترافق مع قدوم نساء وأمهات إلى منزلي الختيار السلع التي أبيعها. والحقيقة أنني استفدت من هذا العمل في إنشاء عالقات جيدة مع الزبائن، ثم قررت مع استمرار األزمات االقتصادية في لبنان أن أؤسس مشروعي الخاص الـذي يحمل اسـم املطبخ، وهـو مشروع إنتاجي صغير بدأت العمل به في بيتي وأستطيع مـن خـاللـه تحقيق استقالل مادي ساعدني في اإلنفاق على نفسي، ومساعدة زوجي في تأمني احتياجات املـــــنـــــزل». لــــم تـــتـــابـــع نـــســـريـــن تـعـلـيـمـهـا الــثــانــوي، وأنــهــت دراسـتـهـا فــي مرحلة املتوسط، ثم تعلمت مدة سنتني مهنة اإلدارة، وبعدها مهنة تصفيف الشعر التي عملت فيها سنوات عدة، وشكلت بالنسبة إليها فرصة مهمة جدًا إلدراك قــــدرتــــهــــا عـــلـــى الـــعـــمـــل فـــــي جـــمـــعـــيـــات، وذلك من خالل مبادرات فردية نفذتها بــــحــــمــــاس وشـــــغـــــف كـــبـــيـــريـــن مـــــــدة 18 عـامـًا. وتــقــول:» بعد كـل هــذه السنوات، فضلت العمل في مهنة أحبها، وأشعر أنني أستطيع أن أحقق ذاتــي فيها. لم
أتعلم مهنة الطبخ فـي معهد دراســـي، بـــــل أحـــبـــبـــت مـــمـــارســـتـــهـــا، وأصـــبـــحـــت أجــــيــــد صـــنـــاعـــة الـــحـــلـــويـــات والـــطـــبـــخ، كــمــا اســتــطــعــت مـــن خــــالل يـــوتـــيـــوب أن أتــعــلــم مـــهـــارات مـعـيـنـة ســاعــدتــنــي في إعـــداد أطعمة وحلويات عــدة، وعمومًا أنـــا مـــاهـــرة فـــي إعـــــداد وجـــبـــات الـطـعـام والحلويات الفلسطينية التي تعلمتها مـــن أمــــي، ويــســعــدنــي أيــضــًا أن أســاهــم فــــي نـــشـــر ثـــقـــافـــتـــنـــا الــفــلــســطــيــنــيــة مـن خالل الطبخ الـذي يعكس فرحة التلذذ بالنكهات الطيبة، واملشاركة الجماعية فـــي الـــوالئـــم ضــمــن تــقــالــيــد مــهــمــة جــدًا متوارثة مـن األجـــداد واآلبـــاء، وراسخة في أساليب عيشنا وحياتنا». تـــضـــيـــف: «أشــــعــــر مــــن خـــــالل مــشــروعــي الـــخـــاص بــالــطــبــخ أنـــنـــي ال أحـــتـــاج إلــى أي شـخـص مــاديــًا، وأسـتـطـيـع مساعدة زوجـي في مصاريف البيت، واملساهمة في تأمني احتياجات أوالدي، وهـذا أمر يجعلني أعيش في استقرار داخلي على صعيد قدرتي على التعامل مع األمـور، والتكيف أيضًا مع ظــروف الحياة التي باتت صعبة جدًا في لبنان».