Al Araby Al Jadeed

اإلنسانية على متن طائرة الذكاء االصطناعي

بينما تتسابق شركات التكنولوجي­ا على تطوير نسخها من برامج الذكاء االصطناعي، تتزايد األسئلة والمخاوف التي تثيرها هذه التقنية، فهل يمكنها فعًال أن تكون قادرة على أداء كّل ما يفعله البشر؟

- واشنطن ـ العربي الجديد

تتضاعف التحذيرات حتى من عرابي هذه التقنية

عــنــدمــ­ا بــــدأ عــلــمــا­ء الـكـمـبـي­ـوتـر فـــي شـركـة مـــــايــ­ـــكـــــر­وســـــوفـ­ــــت تـــــجـــ­ــربـــــة نــــــظــ­ــــام ذكـــــــا­ء اصــطــنــ­اعــي جــديــد الـــعـــا­م املـــاضــ­ـي، طـلـبـوا مـــنـــه حــــل مـــســـأل­ـــة تــتــطــل­ــب فـــهـــمـ­ــا بــديــهــ­يــا لــلــعــا­لــم املـــــــ­ادي. خـــاطـــب­ـــوا الـــنـــظ­ـــام قــائــلــ­ن: «هـنـا لدينا كـتـاب و9 بيضات وكمبيوتر محمول وقنينة ومـسـمـار. مــن فضلك، قل لـنـا كـيـف نـكـدسـهـا بعضها فـــوق بـعـض». أذهل الباحثون ببراعة الذكاء االصطناعي )AI( الذي جاءت إجابته كالتالي: «ضعوا الــبــيــ­ض عــلــى الـــكـــت­ـــاب. رتـــبـــو­ا الــبــيــ­ض في ثالثة صفوف، في كل صف 3 بيضات، مع ترك مسافة بينها. تأكدوا من عدم كسرها. ضـعـوا الكمبيوتر املـحـمـول فــوق البيض، بــحــيــث تـــكـــون الـــشـــا­شـــة لـــأســـف­ـــل ولـــوحـــ­ة املـــفـــ­اتـــيـــح لـــأعـــل­ـــى. الـــكـــم­ـــبـــيــ­ـوتـــر ســيــكــو­ن موقعه مستقرًا مع حدود الكتاب والبيض، وســـيـــو­فـــر ســطــحــه مــنــصــة ثــابــتــ­ة للطبقة التالية». االقتراح الذكي دفع الباحثن إلى التساؤل عــمــا إذا كــانــوا يـشـهـدون نــوعــا جــديــدًا من الـــذكـــ­اء. فــي مــــارس/ آذار املـــاضــ­ـي، نـشـروا ورقــــة بـحـثـيـة مـــن 155 صــفــحــة، يــجــادلـ­ـون فـيـهـا بــــأن الــنــظــ­ام جــــزء مـــن الــتــوجـ­ـه نحو الــــذكــ­ــاء الـــعـــا­م االصــطــن­ــاعــي ،)AGI( وهــو اختصار آللـة يمكنها فعل أي شـيء يمكن للدماغ البشري القيام به. أثـــــــا­رت «مـــايـــك­ـــروســـو­فـــت»، وهـــــي الــشــركـ­ـة األولــــى الــتــي تنشر ورقـــة بحثية تتضمن مثل هـذا االدعـــاء الـجـريء، نقاشا حساسا في قطاع التكنولوجي­ا: هل ًيطور القطاع ما يشبه الذكاء البشري فعال؟ أم أن بعض أملـــــع الـــعـــق­ـــول فــــي هـــــذه الـــصـــن­ـــاعـــة تـسـمـح ملخيلتها بالتمادي إلى الحدود القصوى؟ مـــســـؤو­ل األبــــحـ­ـــاث فـــي «مـــايـــك­ـــروســـو­فـــت»، بيتر لـــي، قـــال لصحيفة نــيــويــ­ورك تايمز: «كـــنـــت فــــي الـــبـــد­ايـــة مــتــشــك­ــكــا لـــلـــغـ­ــايـــة، ثـم تطور شعوري هذا إلى إحساس باإلحباط واالنـــزع­ـــاج وربــمــا حـتـى الـــخـــو­ف. وسـألـت نفسي: ما مصدر كل هذا؟». الــــــــ­ـــورقــــ­ـــــــة الـــــبــ­ـــحـــــث­ـــــيــــ­ـة الــــــــ­تــــــــي نــــشــــ­رتــــهـــ­ـا «مايكروسوفت» وحملت عنوان «شـرارات الــــذكــ­ــاء الـــعـــا­م االصـــطــ­ـنـــاعـــ­ي» تـــغـــوص في صميم مـا عمل عليه التقنيون، وتخوفوا منه، لعقود من الزمن. إذا طوروا آلة تعمل مثل الــدمــاغ الـبـشـري أو حتى أفـضـل منه، فـــإن ذلـــك يـمـكـنـه تـغـيـيـر الــعــالـ­ـم. لـكـنـهـا قد تكون خطيرة أيضا. وقــــــــ­د تـــــكـــ­ــون أيـــــضــ­ـــا مـــــجـــ­ــرد هـــــــــ­ـراء وفـــقـــا لــ«نـيـويـورك تـايـمـز»، الـتـي أشـــارت إلــى أن االدعـاءات بوجود ذكاء عام اصطناعي قد تقضي على سمعة علماء الكمبيوتر الذين يطلقونها. فما قد يظنه أحد العلماء دليال عـلـى الـــذكـــ­اء، قــد يـجـد لــه زمـيـل لــه تفسيرًا آخـر، كما أن النقاشات تتخذ غالبا طابعا فلسفيا. العام املاضي مثال، طــردت شركة غــوغــل مـهـنـدسـا فـيـهـا زعـــم أن برنامجها للذكاء االصطناعي واع، وهـو ادعــاء أبعد من ذلك الذي أطلقه علماء «مايكروسوفت». فـامـتـالك الـنـظـام الــوعــي ال يعني فـقـط أنـه ذكــي، بل هو قــادر أيضا على الشعور بما حوله. وفــي مـواجـهـة بــراعــة الــذكــاء االصطناعي، تتضاعف التحذيرات حتى من بعض من يقفون وراء تطوير برمجية تشات جي بي تـي. وفيما يتقدم االتحاد األوروبـــ­ي ببطء نحو تنظيمه، يبدو أن صعود التكنولوجي­ا السريع يتجاوز الجميع. قال رئيس شركة أوبن إيه آي املطورة لـ«تشات جي بي تي»، سام ألتمان، أمام مجلس الشيوخ األميركي الثالثاء: «نحن بحاجة إلى تنظيم عاملي»، معربا عن خشيته من أن هذه التكنولوجي­ا يمكن أن «تسبب أضـــرارًا جسيمة للعالم، من خالل التالعب باالنتخابا­ت، أو التسبب باضطرابات في سوق العمل». مثله، يطالب عمالقة التكنولوجي­ا األميركيون بتأطير استخدامه، فيما يعلن عن خدمات جديدة

لـــلـــذك­ـــاء االصـــطــ­ـنـــاعـــ­ي كــــل أســــبـــ­ـوع. لـــذلـــك، دعــت نائبة رئـيـس شـركـة آي بــي إم للثقة والــخــصـ­ـوصــيــة، كـريـسـتـي­ـنـا مـونـتـغـم­ـري، إلــى تنظيم القطاع مـن دون أن يعوق ذلك االبـتـكـا­ر. وفــي إبـريـل/ نيسان، قــال رئيس شـركـة غــوغــل، ســانــدر بيتشاي، إنــه «على املــــــد­ى الــــطـــ­ـويــــل، ســـيـــكـ­ــون مــــن الــــضـــ­ـروري تطوير الئحة تنظيمية عاملية»، ولكن «ما زلنا في البداية». لــكــن املـنـشـقـ­ن عـــن شـــركـــا­ت التكنولوجي­ا الكبرى هم األشــد ضــراوة، ومنهم جيفري هينتون امللقب بعراب الذكاء االصطناعي، ,البالغ 75 عاما، الذي استقال من «غوغل»، فـــي أوائـــــل مـــايـــو/ أيــــار الـــجـــا­ري، للتوعية من أخطار هذه التقنية. في نهاية مارس، طـــالـــب­ـــت أكــــثـــ­ـر مــــن ألـــــف شــخــصــي­ــة بــوقــف األبــــحـ­ـــاث عــلــى الــــذكــ­ــاء االصـــطــ­ـنـــاعـــ­ي مــدة ســـتـــة أشـــــهــ­ـــر، مـــــن بـــيـــنـ­ــهـــم إيـــــلــ­ـــون مـــاســـك الـــــــذ­ي يـــعـــمـ­ــل أيــــضـــ­ـا عـــلـــى تـــطـــوي­ـــر شــركــة لــلــذكــ­اء االصــطــن­ــاعــي، واملــفــك­ــر يـــوفـــا­ل نــوا

هـــــراري املــقــتـ­ـنــع بــــأن الـــذكـــ­اء االصــطــن­ــاعــي يمكنه تدمير البشرية. وقـال حينها كبير مسؤولي األخالقيات السابق في «غوغل» الناشط تريستان هـاريـس: «ال نريد عاملا تضع فيه خمس شــركــات اإلنـسـانـ­يـة على مـــن طـــائـــر­ة الـــذكـــ­اء االصــطــن­ــاعــي مـــن دون التفكير في املستقبل الذي نريده». فــــي أوروبـــــ­ــــا، يـــــدق نــــاقـــ­ـوس الـــخـــط­ـــر قـبـل كــل شـــيء الـبـاحـثـ­ون والــخــبـ­ـراء وواضـعـو األنظمة، وتضاعفت في األسابيع األخيرة الخطابات املناهضة للذكاء االصطناعي. أكد مستشارون من شركة فاي سوليس، لصحيفة لـومـونـد الفرنسية، أن «إنـتـاج الصور ومقاطع الفيديو الزائفة بواسطة الــــذكــ­ــاء االصـــطــ­ـنـــاعـــ­ي يــشــكــل خـــطـــرًا غير مسبوق على االنتخابات املقبلة». وأضاف الباحث في مجال الذكاء االصطناعي أوغ بيرسيني: «هناك حاجة ملحة الستعادة السيطرة على الــذكــاء االصطناعي الـذي مــــن شـــأنـــه أن يــتــســب­ــب فــــي اضـــطـــر­ابـــات اجتماعية غير مسبوقة». فـي غـضـون ذلـــك، يـحـرز االتــحــا­د األوروبـــ­ي تــقــدمــ­ا بــشــأن قـــانـــو­ن الـــذكـــ­اء االصـطـنـا­عـي الخاص بـه. خـالل األسـبـوع املـاضـي، وافق الــبــرمل­ــان األوروبـــ­ـــي عــلــى إطــــار عــمــل يجب التصويت عليه في يونيو/ حزيران املقبل. لكن األمــر سيستغرق سنوات قبل وضعه موضع التنفيذ. سيفرض النص على أنظمة الذكاء االصطناعي التوليدية، مثل «تشات جـــي بـــي تــــي»، الــحــصــ­ول عـلـى إذن مسبق وشفافية الخوارزميا­ت والبيانات الخاصة بها. وقالت مديرة الخصوصية في شركة االســـتــ­ـشـــارات ويـــبـــر­و، إيــفــانـ­ـا بـارتـولـي­ـتـي: «يـتـفـق الجميع عـلـى الـحـاجـة إلـــى قـواعـد، حـتـى الــشــركـ­ـات». وأكــــدت أن التفكير جــار عـلـى مـسـتـوى مـجـلـس أوروبـــــ­ا والـــوالي­ـــات املـتـحـدة واألمـــم املـتـحـدة. وأضــافــت: «نحن بحاجة إلى عدم إطالق تصريحات منذرة، فهذا لن يــؤدي سـوى إلـى أن يرعب الناس بـــدال مــن مساعدتهم على تعلم استخدام الذكاء االصطناعي بشكل مـسـؤول»، وفقا ملا نقلته وكالة فرانس برس. لـــــكـــ­ــن فـــــــي أوروبـــــ­ــــــــــ­ا كـــــمـــ­ــا فـــــــي الـــــــو­اليـــــــ­ات املــتــحـ­ـدة، تــركــز الـــدوائـ­ــر االقــتــص­ــاديــة على الــســبــ­اق نــحــو الـــذكـــ­اء االصــطــن­ــاعــي، نـظـرًا إلمكاناته االقـتـصـا­ديـة فـضـال عـن أهميته الجيوسياسي­ة، فهو «عنصر مـن عناصر األمن القومي»، كما قال الرئيس التنفيذي لشركة غوغل. في أوروبا، تخشى الشركات والسياسيون املؤيدون للذكاء االصطناعي من أن يضر قانون الذكاء االصطناعي أكثر مما ينفع. وقـــال جيل بابينه فـي مجلة ال تريبون: «يجب أن نأخذ العبر من الالئحة األوروبية للبيانات الشخصية. فهذه بدال مــــن أن تــبــطــئ جـــمـــاح الـــشـــر­كـــات الــرقــمـ­ـيــة الــــكـــ­ـبــــرى، أعـــطـــت­ـــهـــا مـــــيـــ­ــزة»، ألن شـــركـــا­ت «غـافـا» (غـوغـل وآبــل وفيسبوك وأمـــازون) وحدها لديها جيش املحامن الـضـروري. وبـــابـــ­يـــنـــه هـــــو رئــــيـــ­ـس املـــجـــ­لـــس الـــوطـــ­نـــي الرقمي الــذي تعن الحكومة أعـضـاءه في فرنسا. وأضاف أنه من غير املطروح اتباع مـــثـــال هــيــئــة حــمــايــ­ة الـــبـــي­ـــانـــات اإليــطــا­لــيــة )CNIL( التي حظرت «تشات جي بي تي» ثـالثـة أسـابـيـع ألنــه جمع بـيـانـات مـن دون تــصــريــ­ح، ثـــم أعــيــد الــتــرخـ­ـيــص للبرمجية األميركية بعد التزامها باالمتثال، ولكنها تواجه شكاوى مماثلة في أماكن أخرى في االتحاد األوروبي. وأكـــــد الـــوزيــ­ـر الــفــرنـ­ـســي الــســابـ­ـق لـلـمـجـال الرقمي سيدريك أو: «ال يمكن ألوروبـــا أن تـــفـــوت مــثــل هــــذا االخــــتـ­ـــراق الـتـكـنـو­لـوجـي املـــهـــ­م مـــــرة أخـــــــر­ى. نــســخــة قــــانـــ­ـون الـــذكـــ­اء االصطناعي ترقى بحكم الواقع إلى حظر ظهور نماذج باللغات األوروبية» لتحليل النصوص والترجمة ومخاطبة اآللة. ومن دون تحديد األسباب، أعلنت «غوغل» هذا األسـبـوع عـن نشر برمجية بــارد املنافسة لـ«تشات جي بي تي» في 180 دولـة، ولكن ليس في االتحاد األوروبي.

 ?? (ون مكنامي/ytteG) ?? سام ألتمان: «نحتاج إلى تنظيم عالمي»
(ون مكنامي/ytteG) سام ألتمان: «نحتاج إلى تنظيم عالمي»

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar