Al Araby Al Jadeed

عن الكتابة وصمت بول فاليري

حقيقتنا الشاملة عبر صور ال عقالنية بيد أنّها حقيقية للكتابة بُعٌد داخلٌّي هو عندما يُمرّر اإلنسان حياته الباطنية عبر الكلمات، وهنا تكمن اللحظة المخيفة؛ لحظة تكشف الذات لنفسها

- خالد النجار

ملاذا هذا الخوف والوجل من الكتابة وفي اآلن الرغبة العميقة في الكتابة؟ ألن الكتابة كانت هي الحدث األكبر واألخطر في تاريخ الوعي البشري، فقد ارتبطت بالزمن وباملقدس. ارتــبــطـ­ـت بــالــزمـ­ـن ألنـــهـــ­ا هـــي الــتــي ابـتـدعـتـ­ه؛ فعندما كتب اإلنسان أول رسم على الجدران، صار له ماض، صارت له عالمات مادية يعود إلــيــهــ­ا وتــــحـــ­ـدد لـــه الـــزمـــ­ن املـــاضــ­ـي، وفــــي تلك اللحظة بدأ يعي حاضره املميز. وارتبطت باملقدس؛ فكل الديانات التوحيدية تقدس الكلمة والحرف املكتوب، بل هكذا كان األمر لدى الفينيقيني، والكتبة في مصر القديمة Script هم الرهبان، واستمر األمر في العصور الوسطى، ولليهود واملسلمني كالم طويل عن خصائص الحروف وقدراتها السحرية. كـــل هـــذا مــتــرســ­ب فـــي ال وعــيــنــ­ا الــــذي يشمل تــاريــخ الـبـشـريـ­ة الـسـحـيـق؛ وكـــل هـــذا يحضر

بشكل غامض عندما نفكر أو نهم بالكتابة. أيضًا ثمة أمر خطير آخر يتمثل في أن للكتابة بعدين: خارجي وداخلي في اآلن نفسه. الـبـعـد الـخـارجـي هــو الـتـواصـل مــع اآلخــريــ­ن، وبالتالي تنظيم عالقات الناس في اجتماعهم اإلنساني. أما الداخلي، فهو عندما يمرر اإلنسان حـيـاتـه الباطنية عـبـر الـكـلـمـا­ت، وهـنـا تكمن اللحظة املخيفة؛ لحظة تكشف الذات لنفسها. مـــن هــنــا ربـــمـــا نــشــأ ذاك الـــهـــر­وب الـــدائــ­ـم من الكتابة. لكن على النقيض مـن ذلــك، فعندما يستقر اإلنسان في روتني الكتابة يشعر بلذة ال مثيل لها. أتـذكـر عندما غطست في كتابة نـــص «اإلســكــن­ــدريــة»، كـانـت الــصــور واألفــكــ­ار والـتـأمـا­لت والـخـيـاا­لت تترى متتالية؛ كانت تنتابني، تفاجئني في لحظات غير منتظرة. وكنت إذا ما غــادرت البيت أرغــب في العودة بـــســـرع­ـــة إلــــــى غـــرفـــت­ـــي ومـــكـــت­ـــبـــي ألغـــــــ­رق فـي الـنـص الــذي تـحـول إلــى قــوة تتملكني. وهـذا ما جعلني أعـي بعمق، ومـن طريق التجربة، أفـكـار كـــارل غـوسـتـاف يـونـغ؛ الـعـالـم النفسي أبي التنمية البشرية، الذي يلح على تواصل

عندما يستقر اإلنسان في روتين الكتابة يشعر بلذة ال مثيل لها

 ?? )Getty( ?? بول فاليري في مكتبه عام 1937
)Getty( بول فاليري في مكتبه عام 1937

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar