فوارق االجتماعية في المغرب
الجدد نارًا تحت رماد االحتجاجات الشعبية ضد البطالة وموجات الغالء المتصاعدة على مدار الفترات األخيرة، وسط تحذيرات في األوساط االقتصادية من تداعيات هشاشة النمو واهتمام المسؤولين بتقليص عجز الموازنة
لــلــزراعــة مـحـمـد الــهــاكــش، بـوضـعـيـة الـعـمـال الـــزراعـــيـــني فـــي األريــــــــاف. يـــؤكـــد الـــهـــاكـــش أن الـجـائـحـة سـاهـمـت بـشـكـل كـبـيـر فـــي مفاقمة وضعية األسـر الفقيرة في األريــاف، ما دامت التدابير االحترازية قلصت من قدرة أفرادها عــلــى الــتــنــقــل بـحـثـا عـــن تـحـسـني أوضــاعــهــم. ويـاحـظ أن أوضـــاع تلك األســـر تتأثر بشكل كبير بالظروف الصعبة التي يعيشها املغرب، على اعتبار أن العديد من أفرادهم يمارسون أعـــمـــاال غــيــر مـــــؤدى عــنــهــا أو يــشــتــغــلــون في القرى، وعندما تتوالى سنوات الجفاف كما هــو حـاصـل فــي الـعـامـني األخــيــريــن، يلجأون إلى الهجرة بحثا عن إيــرادات يساعدون بها أسرهم في البوادي. ويـــؤكـــد الـــهـــاكـــش أن الــجــائــحــة قـــيـــدت حـركـة فـــقـــراء األريـــــــاف كــمــا املــــــدن، مـــا ألـــحـــق ضـــررا كبيرا بوضعهم االقــتــصــادي، مشيرا إلــى أن الجفاف والتضخم فاقما وضعهم املعيشي، وهو ما يتجلى من بيانات املندوبية السامية لـلـتـخـطـيـط الـــتـــي أكـــــدت اتـــســـاع دائــــــرة الـفـقـر وارتفاع معدل البطالة الذي يؤشر عليه فقدان 280 ألــــف فـــرصـــة عـــمـــل، مـــن بـيـنـهـا 247 ألــف فرصة عمل في الربع األول من العام الجاري.
نمو غير مسعف
ويــأتــي الــتــخــوف مــن اتــســاع دائــــرة الـفـقـر في ظــــل تــــرقــــب تــــراجــــع الـــنـــمـــو االقــــتــــصــــادي فـي العام الحالي إلى 3.1 في املائة، بعدما كانت الـحـكـومـة تـتـوقـع بـلـوغـه 4 فــي املــائــة. وتـؤكـد املـــنـــدوبـــيـــة الـــســـامـــيـــة لــلــتــخــطــيــط أن تـــوالـــي األزمــــــات فـــي الــعــامــني األخـــيـــريـــن أفــضــي إلــى فقدان عامني ونصف من النمو وثاثة أعوام من الجهود التي بذلت من أجل محاربة الفقر وحوالي عقدين من محاربة الفوارق. وتعتبر املندوبية السامية للتخطيط أن سنة 2023 ستنتهي بعودة النمو إلى مسار تطور أقـــل اســتــدامــة مــقــارنــة بـفـتـرة مــا قـبـل األزمــــة، مؤكدة أن «الجهد االستثماري، املوجه نحو االنـخـفـاض والـــذي تـدهـور عــائــده، على مدى العقد املاضي 2019-2010 ليستقر في ،9.2 لن يمكن من استرجاع الخسائر في نقاط النمو أو الـــوظـــائـــف املــســجــلــة عــلــى مــــدى الــســنــوات الـثـاث املاضية. كما أن استعادة مستويات مــا قـبـل األزمــــة فـيـمـا يتعلق بمكافحة الفقر والتفاوتات االجتماعية ستكون أبطأ، خاصة مع استمرار سياسات عمومية أقل ماء مة».
معدل الهشاشة االقتصادية في المغرب قفز إلى 12.7 في المائة
وعــــاكــــســــت الـــــظـــــروف فـــــي األعــــــــــوام الـــثـــاثـــة األخـــيـــرة وهــشــاشــة الــنــمــو، وعــــود الحكومة التي توقعت إحداث مليون فرصة عمل على مــدى خمسة أعـــوام، بمعدل 200 ألــف فرصة عمل سنويا، غير أنها اختارت في ظل ضعف الـنـمـو الــــذي يـتـيـح إحـــــداث 120 ألـــف فـرصـة عمل فقط، خلق فرص مؤقتة عبر برنامجي «فـــــرصـــــة» و«أوراش». وتــــؤشــــر الـــبـــيـــانـــات الــصــادرة عـن املندوبية السامية للتخطيط حــــول ســــوق الــعــمــل، إلــــى أن مـــعـــدل الـبـطـالـة انــتــقــل إلـــى 12.9 فـــي املـــائـــة فـــي مــــــارس/آذار املاضي بعدما كان في حدود 12.1 في املائة في الفترة نفسها من العام املاضي، غير أن ذلك املعدل انتقل من 16.3 إلى 17.1 في املائة في املدن ومن 5.1 في املائة إلى 5.7 في املائة باألرياف. ويظهر أن البطالة شهدت ارتفاعا حــــادا بــني املــتــراوحــة أعــمــارهــم بــني 15 و42 سنة، حيث انتقل من 33.4 في املائة إلى 35.3 فــي املــائــة واألشـــخـــاص املــتــراوحــة أعـمـارهـم ما بني 25 و43 سنة، من 19.2 في املائة إلى 20.9 في املائة. ويؤكد الهاكش، أنه إذا كانت البطالة تضم حوالي 1.5 مليون شخص، فإن الـذيـن يعانون مـن الشغل الناقص يـقـدرون بمليون شخص، كما أن الشغل غير املـؤدى عنه يطاول مليون شخص آخرين، حيث إن هذه الفئة ضمن الساكنة الفقيرة.
ضغوط التضخم
يـــســـتـــحـــضـــر املـــــراقـــــبـــــون عـــنـــدمـــا يـــتـــنـــاولـــون وضعية الفقر، مستوى التضخم الذي وصل إلـــى 6.6 فـــي املـــائـــة فـــي الـــعـــام املـــاضـــي، وقـفـز إلى 8.2 في املائة في مارس املاضي، مدفوعا بــارتــفــاع أســعــار مستهلكي الـسـلـع الغذائية بنسبة 16.1 في املائة، حسب املندوبية، بينما سجلت السلع غير الغذائية زيـــادة بنسبة 3 فـي املـائـة. ولــم تخف األســر قلقها مـن ارتفاع أســعــار الـسـلـع الــغــذائــيــة، فـقـد كـشـفـت نتائج بحث أصدرته املندوبية السامية للتخطيط،
أن 98.7 فـــي املـــائـــة مـــن األســـــر أكـــــدت ارتـــفـــاع أســـعـــار الــســلــع الــغــذائــيــة فـــي األشـــهـــر االثــنــي عـــشـــر املـــاضـــيـــة. تـــؤكـــد األســـــــر، حـــســـب بـحـث املندوبية السامية للتخطيط، تراجع مستوى معيشتها، وعدم القدرة على االدخار، وتوسع دائـرة البطالة، وغاء أسعار السلع الغذائية، فـــي ســيــاق مـتـسـم بــارتــفــاع مــعــدل الـتـضـخـم. وقد شـددت اتحادات عمالية، في بداية شهر مـــايـــو/أيـــار الــــجــــاري عــلــى ضــــــرورة وقــــف ما تعتبره هجوما على القدرة الشرائية.
دعم لمواجهة الغالء
يحلل البنك الدولي في تقريره حول االقتصاد املغربي في مواجهة صدمات العرض، تأثير التضخم على مختلف الشرائح االجتماعية، حــيــث تــظــهــر اســـتـــطـــاعـــات الــــــرأي أن الـــرفـــاه الشخصي للسكان انخفض بشكل ملحوظ إلــى مــا دون املـسـتـويـات الـتـي لوحظت حتى خال أسوأ شهور أزمة الوباء. وسعى املغرب إلـــى التخفيف مــن آثـــار زيــــادة أســعــار السلع الــغــذائــيــة والــطــاقــة عــلــى األســـــر، حــيــث الحــظ الــبــنــك الـــدولـــي فـــي تــقــريــره، أن تــقــديــم الــدعــم للسلع الغذائية األساسية وعــدم الـزيـادة في أســعــار الـسـلـع املـنـظـمـة، أفـضـى إلـــى اسـتـقـرار أسعار السلع والخدمات التي تستحوذ على نحو 25 فـي املـائـة مـن متوسط إنـفـاق األســر. ويــتــصــور الـبـنـك الـــدولـــي أن ذلـــك أفــضــى إلـى تجنب حــدوث زيــادة أكبر في معدالت الفقر. وتطلب ذلــك تعبئة إنـفـاق عــام إضـافـي يصل إلــــى نــحــو 2 فـــي املـــائـــة مـــن إجـــمـــالـــي الــنــاتــج املـــحـــلـــي. غــيــر أن املـــؤســـســـة املـــالـــيـــة الـــدولـــيـــة، تــؤكــد مــع ذلـــك أن األســــر املـتـواضـعـة واألكــثــر احتياجًا ال تزال تعاني أشد املعاناة من آثار ارتفاع أسعار السلع الغذائية وغيرهاُ بسبب التضخم. والحسابات املعتمد عليها تبرز أن «التضخم قد يكون أعلى بنسبة 30 في املائة لـلـشـريـحـة األفـــقـــر مـــن تـــوزيـــع الـــدخـــل مـقـارنـة بالفئة األكـثـر ثــــراء». ويضيف البنك الـدولـي أنه «بسبب الجفاف فقدت أكثر من مائتي ألف وظيفة في املناطق الريفية». وتـرى املؤسسة املـــالـــيـــة الـــدولـــيـــة أن األســـــر الــريــفــيــة الـفـقـيـرة واملستضعفة تعاني بشكل غير متناسب من تأثير االرتفاع التضخمي.
فقر يتربص بالطبقة الوسطى
يــرجــح رئــيــس الــرابــطــة املـغـربـيـة للمواطنة وحـــقـــوق اإلنــــســــان، إدريــــــس الـــــســـــدراوي، أن تـــتـــســـع دائــــــــرة الـــفـــقـــر أكــــثــــر وأن تــســتــوعــب أشــخــاصــا جــــددا، فــي الــوقــت نـفـسـه الــــذي ال يستبعد فـيـه أن يـلـتـحـق أفـــــراد مـــن الطبقة املتوسطة بتلك الــدائــرة. ويـوضـح أن زحف الفقر سيحفزه عدم اتخاذ الحكومة تدابير مـــن شــأنــهــا مــحــاصــرتــه، خــاصــة فـــي سـيـاق مــتــســم بـــارتـــفـــاع مـــعـــدل الـــبـــطـــالـــة، وهـــــو مـا يؤشر عليه فقدان 280 ألف فرصة عمل في الربع األول من العام الجاري، حسب بيانات املـنـدوبـيـة الـسـامـيـة للتخطيط. ويعتبر أن ذلــك يـأتـي فــي وقــت لــم تــبــادر فيه الحكومة إلـــــى اتــــخــــاذ تـــدابـــيـــر مــلــمــوســة تـــســـاهـــم فـي تــوســيــع الــتــعــويــض عـــن فـــقـــدان الــشــغــل أو تــقــديــم مـــســـاعـــدات لــلــعــاطــلــني، مــاحــظــا في الوقت نفسه أن مبادرات الحكومة في مجال الـتـشـغـيـل ال تـفـضـي إلــــى اســتــيــعــاب الــذيــن يعانون فعليا من البطالة. وتــســجــل الـــرابـــطـــة الــحــاصــلــة عــلــى الـصـفـة االســتــشــاريــة لـــدى األمــــم املــتــحــدة، أن الـذيـن يـــعـــيـــشـــون فــــي وضـــعـــيـــة فـــقـــر يـــعـــانـــون مـن عــدة أشـكـال مـن الـحـرمـان، وهــو مـا يتجلى، بــحــســبــهــا، فــــي ظـــــــروف الـــعـــمـــل الـــخـــطـــيـــرة، وغـــيـــاب اإلســـكـــان املـــأمـــون، ووجـــــود تــفــاوت في الوصول إلى العدالة. ويؤكد السدراوي، الــــذي يــشــدد عـلـى أهـمـيـة ســن ضـريـبـة على الــــثــــروة والــــرأســــمــــال، أن الــحــكــومــة لـــم تبد انشغاال كبيرا بمعالجة مسألة الفقر الذي تتسع دائرته. في الوقت نفسه، يشدد على أن الحكومة تبدي حرصا كبيرا لتقليص عجز املــوازنــة بتخفيض نفقات الـدعـم الـــذي يهم السكر والـدقـيـق وغـــاز الطهو عبر صندوق املــــقــــاصــــة. ويــــاحــــظ أن فــــئــــات مــــن الــطــبــقــة املتوسطة مرشحة في سياق تراجع قدرتها الـــشـــرائـــيـــة إلــــى االنـــــــزالق إلــــى دائــــــرة الــفــقــر، خـاصـة مــع عـــدم اتــخــاذ تـدابـيـر لــلــزيــادة في األجور أو فتح املجال أمام الترقي الوظيفي.