Al Araby Al Jadeed

هاجس الجمال وحّق المغامرة

- بسمة النسور

أثــارت الفنانة السورية أصالة جـدال واسعًا بني مؤيد ورافــض، حني أطلت على وسائل اإلعالم، بعد إجراء عملية تجميل كبرى، كلفتها ثروة، بحسب ما تسرب من أنباء بشأن الرقم الفلكي الـذي تكبدته، في ما يمكن اعتباره عملية تحول جذرية صادمة أعــادت إلـى وجهها نضارة سن العشرينات وشبابه، وإن أتت بالكامل على مالمحها األصلية، فلم يتبق منها سوى الصوت ّوالتصريحات املتملقة املتخبطة الـحـمـقـا­ء. وقـــد وصـــل بـهـا الـطـيـش إلـــى أن تــقــرع ابـنـهـا أمــام الكاميرات، مختالة بجمالها املختلق الذي لم ٌيتجاوز السطح كما يبدو. من الطبيعي، بل واملـشـروع، أن تتمنى نساء كثيرات فرصة كهذه، وال بد أنهن أحسسن بالغيرة، وتمنني لو أتيحت لهن إمكانية استعادة شبابهن الضائع الذي التهمته األيام على مهلها. وما زالت تلك النساء يحلمن بإعادة الساعة إلى الوراء طاملا بـات ذلـك متاحًا، وهــن مستعدات لتكريس كثير من الوقت والجهد واملـال في سبيل التمسك بمقومات الجمال والشباب أطول وقت ممكن، رافضات فكرة التراجع في حربهن البائسة محسومة النتيجة سلفًا التي يخضنها مع الزمن. ورغم ذلك يواصلن املقاومة باستماتة، ويبذلن الغالي والنفيس في مالحقة آخر صرعات صناعة التجميل التي شهدت تطورًا هائال في تقنيات عمليات الشد والنفخ والحقن، وتشهد عيادات التجميل في معظم الدول إقباال منقطع النظير من مختلف األعمار ومن سائر الطبقات االجتماعية، إذ يبعن غير املقتدرات في بعض البلدان مصاغهن، وأحيانًا يبادرن للحصول على قروض، ويحملن أنفسهن أعباء فوائد عالية، كي ينفني عن أنفسهن تهمة التقدم في العمر، وتهون عليهن أي أعباء مادية في سبيل الوصول إلى ذلك الهدف املستحيل من الناحية الواقعية. وهناك من يتقن إلى االستسالم ملبضع جـراح التجميل والتخلص من مظاهر التقدم بالعمر. وأحيانًا يحول بينهن وبني تحقيق ذلك قناعات دينية، وظروف مـاديـة صعبة، ومحاذير اجتماعية غير رحيمة أو متفهمة دوافـــع توقهن إلى تحسني مظهرهن، غير أن فئة مـن النساء املــتــفـ­ـردات يمكن اعتبارها الفرقة الناجية، تتحلى بالواقعية والتصالح مع الـذات، والرضوخ كليًا، ومن دون أدنى مقاومة، لتأثير الطبيعة، يرفضن باملطلق إجراء أي تغيير على مالمحهن، مهما حـفـرت التجاعيد عميقًا فـي ّوجـوهـهـن، وغـــزا الشيب مفارقهن، غير عابئاٍت بالتعليقات ّالسلبية التي يتعرضن لها في زمـٍن تشابهت فيه الوجوه إلى حد التطابق اململ. ومن باب اإلنصاف، ال يقتصر األمر على النساء حصريًا، إذ تفيد إحصائيات مراكز التجميل بـأن ثمة إقباال كبيرًا من الرجال على زيــارة عيادات التجميل بالوتيرة نفسها، وإن كـانـوا يفعلون ذلــك خلسة. وقــد قــال طبيب تجميل إن زبائنه من الذكور يطلبون مواعيد متأخرة، بعد أن تفرغ العيادات من زائراتها، فيتسللون على استحياء للحصول على حقن البوتكس وإبر النضارة وإجراء عمليات الـشـد، مـا يـؤكـد أن هاجس الصبا والجمال ال يقتصر على النساء، وما يوضح األثر الكبير لوسائل الدعاية واإلعالن التي باتت قادرة على تغيير املفاهيم السائدة التي كانت تقول «إن الرجل ال يعيبه سوى جيبه»، وإن عبء الجمال ملقى على عاتق املـرأة حصريًا، وتدين اعتناء الرجل بمظهره فتتهمه بامليوعة والتخنث، وتخلع عنه صفة الرجولة التي يفترض بها الخشونة والهيبة والجدية والوقار. على أية حال، أيًا كان موقفنا من هذا األمر اإلشكالي، علينا أن نتخلى عــن عـــادة إصــــدار األحــكــا­م واالنــتــ­قــاد السلبي للمختلف، واحــتــرا­م خصوصية اآلخــر، وحقه في التجريب واملغامرة واتخاذ الـقـرارات الشخصية التي تناسب طريقة تفكيره، وتعبر عن قناعاته، حتى لو لم نتفق معها، وذلك من باب إتقان مهارة االختالف، ال سيما في ما يتعلق بالشأن الشخصي الذي ال يعنينا، وال يؤثر على مجرى حياتنا بأي شكل!

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar