Al Araby Al Jadeed

الدولة البوليسية في الجامعة العربية

- أيمن الشوفي

حملت رياح السبعينيات حافظ األسد إلى أعلى هرم السلطة في سورية، كثالث نموذج بعثي يحكم الـبـاد، وقــد فعل ذلــك بغبطة العسكر ودهائهم، وبصورة عانية أيضًا، مجافيًا امتداح املواربة في الحكم واإلدارة، تلك الصنعة املكثفة التي اهتدى إليها محمد عمران حني حكم سورية بني 8 مارس/ آذار 1963 و32 فبراير/ شباط ،1966 ثم مارسها مجددًا وبإتقان صاح جديد في حكمه البلد بني 23 فبراير/ شباط 1966 و61 نوفمبر/ تشرين الثاني .1970 وبهذا يكون وصول حزب البعث إلى حكم سورية قد مثل انزياحًا فاضحًا عن صيغة الـــدولــ­ـة املـــدنــ­ـيـــة، ودولـــــة الـــقـــا­نـــون، لـصـالـح دولــــــة الــــحـــ­ـزب الــــواحـ­ـــد املـــدعــ­ـمـــة بـمـبـاهـج واســـتـــ­طـــرادات قـــانـــو­ن الـــطـــو­ارئ الــــذي ظــل قـائـمـًا قــرابــة نـصـف قـــرن، إذ أراد الضباط البعثيون الـحـاكـمـ­ون لـسـوريـة أن يحيلوا الـحـيـاة الـسـيـاسـ­يـة فــي بـلـدهـم إلـــى تقاعد مبكر، وأن يبدأوا االستياء التدريجي على منابع أي حرا ٍك محتمل داخل سورية، البل ِد الصاعد بـقـوة فـي منطقة الـشـرق األوســط قبل عام ،1963 فكانوا ثاثتهم متوجسني مـــن عــــدم إمــكــانـ­ـيــة اســتــتــ­بــاب حـكـمـهـم من دون تعويم باذخ للسلطة األمنية املوازية لـــســـلـ­ــطـــتـــ­هـــم الـــفـــع­ـــلـــيــ­ـة، وجـــعـــل­ـــهـــا تــســطــو بوحشية على مكونات الفضاء االجتماعي

والــســيـ­ـاســي، إلـــى درجــــة أن حــافــظ األســـد، وبمجرد ظفره بكرسي الرئاسة األول في الباد، أعاد ترتيب البيت الداخلي لحزبه، وأجهزته األمنية، وفـي مـــرات عـديـدة أعـاد تعريف دورهــــا، وطـــرق إبقائها متنافسة فــي مــا بينها لـنـيـل رضــــاه، خـصـوصـًا في ثـمـانـيـن­ـيـات الــقــرن املـــاضــ­ـي، بـعـدمـا وضـع معايير مــحــددة لـبـلـوغ مـنـاصـب إدارتــهــ­ا، والـــــتـ­ــــي كــــانـــ­ـت تـــعـــتـ­ــمـــد بـــــدايـ­ــــة عـــلـــى والء الضباط العلويني له، والحقًا اقتصرت على دوائــر عائلية أضيق بعد محاولة شقيقه رفعت االنقاب عليه عام .1984 الـــدولــ­ـة الـبـولـيـ­سـيـة الـــتـــي صـنـعـهـا حـافـظ األســــــ­د، ومــكــنــ­هــا مـــن طــــرد هــيــاكــ­ل الـــدولــ­ـة املدنية، يسرت له احتكار السلطة في سورية، والتحول التدريجي إلى نموذج مسخ يهذي بملكية دستورية هجينة وطارئة على حياة الــســوري­ــني، ومــن خالها عــبــر بالحكم من ديكتاتورية الحزب القائد إلى ديكتاتورية الفرد القائد، وصوال إلى ديكتاتورية األسرة الحاكمة، والتي باتت اليوم أسرة مافياوية التكوين واملنهج، تهجس بالتربح الريعي الـطـفـيـل­ـي، وتبتكر طــرقــًا فــي الـنـهـب الـعـام لتعظيم (وتدعيم) أركان ثروتها، ولعل مكتب األمن القومي هو أول جهاز أمني ارتاح له حافظ األسد، وأبقاه حيًا وساري املفاعيل خال حكمه. وجده قائمًا منذ ،1966 أي قبل وصوله إلـى السلطة بأربعة أعــوام، كـذراع أمـنـي مرئي لقيادة حــزب البعث القطرية،

وظــــل هـــذا الــجــهــ­از محتفظًا بـاسـمـه حتى تفجير مـقـره عــام 2012 فـي حـادثـة حملت اســم «تفجير خلية األزمـــة» ليصير اسمه بعدها مكتب األمـــن الـوطـنـي. لكن الثابت بمكان سطوة هذا الجهاز على منابت كثير من القرارات السياسية الداخلية، تلك التي تتصل بالتعيينات فـي املـنـاصـب العامة، واملـــحــ­ـاســـبـــ­ة أو عـــدمـــه­ـــا، وصـــنـــا­عـــة الـــقـــر­ار الداخلي، لذلك أبقى حافظ األسد على سلطة مكتب األمن القومي، وزاد عليها، مثلما فعل ابنه من بعده. أيضًا، وقبل انقاب حافظ األسد بعام على األقـــــل، كــــان قـــد تـــأســـس جــهــاز أمــــن الــدولــة بفروعه االثني عشر، والتي تحمل أرقامًا ثاثية سمع بها معظم السوريني، وأشهر تلك الفروع هو الفرع 285 أو فرع التحقيق، والفرع 255 أو فرع املعلومات. ذاك الجهاز تـمـددت سلطته في عهد األب، بحيث بات يـــراقـــ­ب كـــل مــنــاشــ­ط الــحــيــ­اة الــعــامـ­ـة داخـــل ســوريــة، ويتحكم بها ويـديـرهـا عـن كثب، وقـــبـــل أن يــتــســل­ــق حـــــزب الـــبـــع­ـــث الـسـلـطـة السياسية ويستولي عليها، ثم يحتكرها، كانت القبضة األمنية في سورية مقتصرة عـلـى مــا تـسـمـى «الـشـعـبـة الــثــانـ­ـيــة» وهــذه تــــطــــ­ور عـــمـــلـ­ــهـــا، واتـــســـ­عـــت ســلــطــا­تــهــا فـي زمــــن حـــافـــظ األســـــد لـيـصـيـر اســمــهــ­ا إدارة االســتــخ­ــبــارات الـعـسـكـر­يـة، وبـــاتـــ­ت جـهـازًا أمـــنـــي­ـــًا شـــديـــد الـــبـــط­ـــش، وصــــــار­ت تــتــبــع له فروع عديدة، ولكل منها رقم ثاثي، ولعل

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar