القدس في إعالن جّدة... التطبيق الحقيقي؟
ال أعـــرف إذا كــان هـوسـي بـعـدد الكلمات والـعـبـارات في البيانات الرسمية مهما أم ال، ولكنني أميل إلى مبدأ أن للكلمات معاني. ولذلك قمت بتحليل رقمي لعدد الــكــلــمــات والـــعـــبـــارات املـــكـــررة فـــي إعـــان جدة للقمة العربية التي انتظمت أخيرا، في محاولة لفهم أعمق للمواقف العربية الرسمية. مــن يحلل هـــذا اإلعــــان الـبـيـان ويـقـارنـه، على سبيل املــثــال، مـع «إعـــان الجزائر» للقمة الـعـربـيـة الـسـابـقـة، يــاحــظ الـفـرق الــشــاســع، الــــذي قــد ينعكس عـلـى جـديـة مـخـتـلـفـة تــشــمــل مــــبــــادرات واهــتــمــامــات لــم يـذكـرهـا أي بـيـان قـمـة عـربـيـة سـابـق. وطبعا، يبقى مفتاح األمر في التطبيق. وأعتقد أن الجدية واالهتمام بالتفاصيل الــــلــــذيــــن يـــاحـــظـــهـــمـــا املــــتــــابــــع يــعــنــيــان أن الـــســـعـــوديـــة عـــــام 2023 تــخــتــلــف عـن الــســعــوديــة وعـــن مـعـظـم الـــــدول الـعـربـيـة الــتــي ســبــق أن اســتــضــافــت قــمــم جامعة الدول العربية. من الطبيعي ذكـر كلمة عـرب وعربي 28 مــــرة فـــي بــيــان لـجـامـعـة الـــــدول الـعـربـيـة، ومــــن الــجــيــد أن فــلــســطــني/ فلسطينية جــرى ذكـرهـا سبع مـــرات بـالـتـسـاوي مع الــــســــودان. حـظـيـت الـــقـــدس بــالــذكــر ست مـــــــرات. أمــــا ســــوريــــة، الـــتـــي كــــان حـضــور رئــيــســهــا خـــبـــرا مــهــمــا فــقــد ذكــــــرت ثــاث مــرات. واملختلف في إعـان جـدة كان في املـجـاالت غير السياسية، فمثا، تكررت عــــبــــارة مـــــبـــــادرة ثـــمـــانـــي مــــــرات (مــــرتــــان ألمور سياسية، املبادرة العربية للسام واملـــبـــادرة الخليجية بــشــأن الــيــمــن) في حني باقي املبادرات ذات طابع اقتصادي وثـــقـــافـــي. ووردت كــلــمــة اقـــتـــصـــاد سبع مــــرات، وعـــبـــارة التنمية املـسـتـدامـة ست مــــرات وعـــبـــارة الــثــقــافــة/ الـثـقـافـيـة أربـــع مــــرات، بما فـي ذلــك التركيز على أهمية الــلــغــة الــعــربــيــة (مــــرتــــان) وتـعـلـيـم الـلـغـة العربية لغير العرب. وقــــد كـــانـــت مــمــيــزة مــــبــــادرات الـحـكـومـة الــــســــعــــوديــــة فـــــي «إعـــــــــان جـــــــــدة»، الـــتـــي سـتـعـمـل عـلـيـهـا خـــال فــتــرة الــــــ21 شـهـرا الـــتـــي ســـتـــرأس خــالــهــا الــقــمــة الــعــربــيــة، وتـشـمـل مـواضـيـع مختلفة. عـلـى سبيل املــثــال، االهـتـمـام بالثقافة الـخـضـراء من خال دعم املمارسات الثقافية الصديقة لـلـبـيـئـة وتــوظــيــفــهــا فـــي دعــــم االقــتــصــاد اإلبــــداعــــي فـــي الـــــدول الــعــربــيــة، وضــمــان األمن الغذائي العربي واالهتمام بتحلية املياه وإنشاء حاضنات فكرية وغيرها. وقـــــد يـــكـــون االهـــتـــمـــام بــالــعــمــل الــعــربــي املشترك في معالجة التحديات املختلفة مـــن أهــــم مـــا جــــاء فـــي الـــبـــيـــان الــخــتــامــي، فمثا، جاء فيه إيمان القادة العرب «بأن الـــرؤى والـخـطـط القائمة على استثمار املـــوارد، والــفــرص، ومعالجة التحديات، قــــــادرة عــلــى تـــوطـــني الــتــنــمــيــة، وتـفـعـيـل اإلمـكـانـات املـتـوفـرة، واستثمار التقنية من أجـل تحقيق نهضة عربية صناعية وزراعـــيـــة شـامـلـة تـتـكـامـل فــي تشييدها قـــــدرات دولـــنـــا، مـــا يـتـطـلـب مــنــا تـرسـيـخ تـضـامـنـنـا وتــعــزيــز تــرابــطــنــا ووحــدتــنــا لتحقيق طـمـوحـات وتـطـلـعـات شعوبنا العربية». وعـــــــــودة إلــــــى املــــــوضــــــوع الــفــلــســطــيــنــي والــــقــــدس، الـــلـــذيـــن عـــبـــر عــنــهــمــا الـــعـــرب بتأكيد «مـركـزيـة القضية الفلسطينية لـــــدولـــــنـــــا بــــاعــــتــــبــــارهــــا أحـــــــد الــــعــــوامــــل الرئيسة لـاسـتـقـرار فـي املـنـطـقـة». وفي مـــا يـخــص الـــقـــدس، خـصــص الــبــيــان 64 كلمة، أي %6 مـن مجمل كلمات البيان الختامي املشكل من 1032 كلمة. ويأمل املـقـدسـيـون تطبيق مــا جــاء فــي «إعــان جــدة»، ومـا اتفق عليه وزراء الخارجية الـــعـــرب مـــن حــيــث الـــدعـــم الـــجـــاد لـلـقـدس وعــروبــتــهــا. وكــــان وزيــــر الـــقـــدس، فـــادي الــهــدمــي، قــد قــــدم دراســــة كـامـلـة لـوضـع الــــــقــــــدس الــــشــــرقــــيــــة واحـــــتـــــيـــــاجـــــات كــل القطاعات املختلفة لدعم صمود القدس واملقدسيني. مــــن الـــــواضـــــح أن أصــــحــــاب الـــــقـــــرار فـي الــســعــوديــة تــلــقــوا فــكــرة رئــاســة جامعة الـــــــدول الـــعـــربـــيـــة بـــجـــديـــة كـــبـــيـــرة. ومـــن املــتــوقــع أن نـسـمـع الـكـثـيـر مـــن الــريــاض عـــن الـــتـــحـــديـــات الــكــبــيــرة الـــتـــي أخــذتــهــا الــــســــعــــوديــــة عــــلــــى عــــاتــــقــــهــــا. ونـــنـــتـــظـــر بـشـغـف مــن كــل مــا ذكـــر، وهـــو التطبيق الـــصـــادق لــهــذه االلـــتـــزامـــات، لــيــس فقط من السعودية، بل من كل الدول العربية املــوقــعــة عــلــى إعــــان جــــدة، لــعــل وعـسـى نـــكـــون قـــد بـــدأنـــا رحـــلـــة األلـــــف مـــيـــل مـن النهضة العربية بخطوات ثابتة.