Al Araby Al Jadeed

األردن: سنة أولى تحديث سياسي

- مهند مبيضين

انــتــهــ­ت عــمــلــي­ــة تــطــبــي­ــق الـــقـــا­نـــون الــجــديـ­ـد لــــأحـــ­ـزاب فــــي األردن رقـــــم 7 لـــعـــام ،2022 بـــعـــد إقـــــــر­ار قـــانـــو­نـــي األحــــــ­ــزاب الــســيــ­اســيــة واالنتخاب، إلى تقلص عدد األحــزاب التي أجـــــرت تــســويــ­ة ألحـــوالـ­ــهـــا، وفــــق الـــقـــا­نـــون، ليصل إلى 27 حزبا، وهناك أحزاب جديدة بــصــفــة تــحــت الــتــأسـ­ـيــس، بــصــيــغ وبـــرامــ­ـج ومرجعيات فكرية جديدة، وقد يصل العدد الحـقـا إلــى 32 حـزبـا مـرخـصـا، بعد أن كان العدد سابقا يزيد عن 56 حزبا، بعضها حل نفسه وبعضها اندمج من أجل التأقلم مع مخرجات التحديث السياسي الــذي سعى األردن إليه منذ عامن. إذن، في السنة األولـى للتحديث السياسي تـــقـــلـ­ــص عــــــدد األحــــــ­ـــزاب فــــي األردن، وفـــي املـــســـ­تـــقـــبـ­ــل ســــــوف يــــتــــ­راجــــع الـــــعــ­ـــدد حــتــى الوصول إلى البرملان املقبل عام 2024 والذي حــــدد قـــانـــو­ن االنــتــخ­ــاب الــجــديـ­ـد لــأحــزاب فيه 41 مقعدًا بنسبة %30 مـن املقاعد في املجلس النيابي املقبل (الـعـشـريـ­ن) مــرورًا بـ ،%50 للمجلس الــذي يليه ووصـــوال إلى نسبة %65 خال السنوات العشر املقبلة. هنا لعل األزمة املنتظرة تتمحور في قدرة األحــــــ­ـزاب الـــجـــد­يـــدة عــلــى إقـــنـــا­ع الـجـمـهـو­ر والـــــتـ­ــــصـــــ­ويـــــت لــــبــــ­رامــــجــ­ــهــــا، وهــــــــ­ي حــتــمــا ستعاني من بلوغ نسبة العتبة التي قررها الــقــانـ­ـون عـلـى الــقــوائ­ــم، وتــوجــب الحصول عليها لـلـتـنـاف­ـس عـلـى املــقــاع­ــد املخصصة لكل دائرة انتخابية، وهي %7 من مجموع املقترعن فـي الــدائــر­ة املحلية، 2.5و % من عدد املقترعن في الدائرة العامة الحزبية. وفــــــي املـــشـــ­هـــد الــــــرا­هــــــن، تـــســـعـ­ــى األحــــــ­ــزاب الــجــديـ­ـدة إلـــى تـغـيـيـر قـــواعـــ­د الـلـعـبــ­ة، ومــع الـــقـــن­ـــاعـــة املـــتـــ­رســـخـــة لــــــدى الـــنـــخ­ـــب وأهــــل السياسة بأن التوجيه امللكي نحو التحديث حسم مستقبا شكل مجالس النواب، يراد لــهــا أن تــكــون مــجــالــ­س مـنـتـخـبـ­ة بنصفها عــلــى أســــاس حـــزبـــي، فــهــو تــوجــيــ­ه لصالح تغيير شكل األغلبية البرملانية، بدال من أن تكون تقليدية خدمية قبلية، لتتحول نحو السياسة واللغة البرامجية التي تعن على تغيير جذري في تمثيل الناس برملانيا. ولـــعـــل هــــذا الــتــغــ­يــيــر فـــي هــنــدســ­ة مجلس الـــــنــ­ـــواب وشـــكـــل­ـــه، لــــن يـــكـــون ســــهــــ­ا، لـكـنـه مــطــلــو­ب فـــي ظـــل تـــراجـــ­ع خـــيـــار­ات الـنـاخـب في املجالس النيابية أخـيـرًا، ولعل تجربة االنتخابات النيابية التي جـرت للمجلس الـــحـــا­لـــي الـــتـــا­ســـع عــشــر ومــــا قـــذفـــت بـــه من وصـــــول نــحــو مـــائـــة نـــائـــب جـــديـــد بـخـبـرات ســـيـــاس­ـــيـــة وتـــشـــر­يـــعـــيـ­ــة قـــلـــيـ­ــلـــة، قـــــد عـــجـــل فـــي ضــــــرور­ة إنـــقـــا­ذ بــنــيــة مــجــلــس الـــنـــو­اب مـــن الــتــراج­ــع الــــذي أصــابــهـ­ـا فـــي الــســنــ­وات األخيرة، وهو أمر انعكس على العاقة بن السلطتن التنفيذية والتشريعية وتراجع الثقة بهما شعبيا بنسبة كبيرة، كما تشير استطاعات الرأي. والـسـؤال كيف سيكون وجــود وأداء شكل األحــــــ­ـزاب، فـــي ظـــل ضــعــف اإلقـــبــ­ـال عـلـيـهـا؟ لعل مسألة الكوتا الحزبية ستوفر فرصة تــاريــخـ­ـيــة لـــأحـــز­اب فـــي دولـــــة مــثــل األردن لتقديم األفضل، وهي أحزاب ببرامج أردنية وليست بدعوات وأفكار خارجية أو عابرة لــــأوطــ­ــان، ومــعــنــ­ى هــــذا أن شــكــل الــقــاعـ­ـدة الــنــيــ­ابــيــة الـــحـــز­بـــيـــة الـــقـــا­دمـــة فــــي املـجـلـس الـنـيـابـ­ي املـقـبـل بـــات مـحـسـومـا بـمـعـزل عن الـشـعـارا­تـيـة الـسـيـاسـ­يـة والـــوعــ­ـود الـكـبـرى وصراع الغلبات مع الحكومات. صــحــيــح أن الـــحـــي­ـــاة الــحــزبـ­ـيــة فـــي األردن بدأت مبكرًا، وتطورت في ظروف مختلفة في كل فترة عبر قـرن، فكانت والدتـهـا في حـقـبـة اإلمــــــ­ارة مــتــزامـ­ـنــة مـــع نــمــو الـحـركـة الوطنية وتشكل الهوية األردنية وتبلورت مطالبها باالستقال ومـواجـهـة االنـتـداب البريطاني، ثم عادت فيما بعد االستقال وتــــطـــ­ـورت اســتــجــ­ابــة لـــتـــأث­ـــيـــرات إقـلـيـمـي­ـة وعـــــامل­ـــــيــــ­ـة، مـــــع اتـــــســ­ـــاع حــــضــــ­ور األحــــــ­ـزاب الوطنية والقومية واألممية، ونتج عن هذه الـحـقـبـة تشكيل حـكـومـة حـزبـيـة ائتافية يتيمة في األردن عام ،1956 ولكن التجربة انـتـهـت بـحـظـر األحـــــز­اب، وبــعــد عـــام 1989 جـــاءت نـشـأة األحــــزا­ب فــي صـــورة مغايرة لأشكال التي بدأت في أزمنة اإلمـارة وما بعد االستقال، وجاءت متماثلة التشكيل وفـــرديــ­ـة، واســـتـــ­فـــادت مـــن قـــانـــو­ن األحــــزا­ب الـــــذي صــــدر عــــام ،1992 ونـــمـــت بـعـضـهـا، واختفى الحقا عدد منها، وخاض بعضها تجارب مهمة وما زال يقاوم ألجل البقاء، لكن هذه األحزاب لم تبلغ القوة واالنتشار املــجــتـ­ـمــعــي ولــــم تــســتــط­ــع أن تــتــغــل­ــغــل فـي املجتمع. تزامن ذلك مع انعطافات حادة في الحياة الديمقراطي­ة، على رأسـهـا قـانـون الصوت الـواحـد، وانعكاساته السلبية على التقدم الــديــمـ­ـقــراطــي، وظـــهـــو­ر طـبـقـة مـــن األثـــريـ­ــاء الجدد الذين مارسوا لعبة املصالح والغنائم مع الحكومات، كما حدث في مشروع سكن كــريــم عـــام ،2008 وانــتــهـ­ـى بـــصـــور­ة قضية فساد مللمت على عجل، وهناك العديد من شـواهـد املصالح والغنائم السياسية بن النواب والحكومات. الحـــقـــ­ا، تـــعـــرض­ـــت الـــحـــي­ـــاة الــســيــ­اســيــة قبل عامن من الربيع العربي لصراع بن قطبي الرحى في إدارة السياسة األردنـيـة، بشكل تيارين انتهى رأساهما إلى السجن: رئيس الـــديـــ­وان املـلـكـي الـسـابـق بــاســم عـــوض الله ومدير املخابرات محمد الذهبي، ثم جاءت حــكــومــ­ة ســمــيــر الـــرفـــ­اعـــي الـــتـــي رحـــلـــت مع بـدايـة الربيع الـعـربـي، ولحقتها حكومات ضـــــــرو­رة ومـــــــد­د بــــن عـــامـــي 2010 2020و تــعــاقــ­ب عـلـيـهـا كـــل مـــن مـــعـــرو­ف الـبـخـيـت، وفـايـز الـطـراونـ­ة، وعــون الخصاونة، وعبد الـلـه الـنـسـور، وهـانـي امللقي، وعـمـر الـــرزاز، وصوال إلى حكومة بشر الخصاونة. لـم تستطع هــذه الحكومات تعزيز التقدم الــديــمـ­ـقــراطــي وال الــتــنــ­مــيــة، بـــل زاد الــديــن العام، وتراجع االستثمار، وزادت البطالة، وفـــي مــقــابــ­ل ذلـــك اإلخـــفــ­ـاق تـــراجـــ­ع الــحــراك الـــشـــع­ـــبـــي وانــــخــ­ــفــــض الــــغـــ­ـضــــب، وظـــهـــر­ت أصــــــوا­ت مــعــارضـ­ـة خـــارجـــ­يـــة، ودخـــــل املـلـك على خط التدخل في فك الجمود في مسار اإلصــــــ­ـاح عــــن طـــريـــق األوراق الــنــقــ­اشــيــة، والـــتـــ­وجـــيـــه املــــبــ­ــاشــــر لـــلـــنـ­ــخـــب، والـــحـــ­فـــاظ على أداء املـؤسـسـا­ت وتماسكها، وخاصة املـــؤســ­ـســـة األمـــنــ­ـيـــة، وصـــــــو­ال إلـــــى قـنـاعـتـه بضرورة تغيير شكل مجلس النواب نحو األفـــــض­ـــــل، وبـــمـــم­ـــارســـة حـــزبـــي­ـــة مــضــمــو­نــة مقاعدها بالقانون، لتكون تلك أفضل فرصة لتوفير فرص حقيقية للتقدم الديمقراطي، ومــســاءل­ــة الــحــكــ­ومــات، ومــحــارب­ــة الـفـسـاد، وتعزيز الثقة بمؤسسة الـبـرملـا­ن، وضمان اســــتـــ­ـقــــرار الـــتـــش­ـــريـــعـ­ــات وعــــــدم تــغــيــي­ــرهــا، وخــاصــة قــانــون االنـتـخـا­ب الـــذي كــان لعبة سخيفة فــي الـعـقـد املــنــصـ­ـرم، أدى تغييره بــأكــثــ­ر مـــن شــكــل واالنـــتـ­ــخـــاب عــلــى أشــكــال عدة إلى تخلف األردن ديمقراطيا، وانعدام تشكل أغلبية برملانية مسيسة. صحيح أن األغلبية األردنية في األردن كان الراحل امللك الحسن يصفها بـ«الصامتة»، مقابل الــتــيــ­ارات الـتـي كـانـت تغطى لغتها الــشــعــ­اراتــيــة عــلــى أطــــروحـ­ـــات الــحــكــ­ومــات وبرامجها، وصحيح أن الراحل الحسن كان يستحث تلك األغلبية للتعبير عـن آرائها والــتــقـ­ـدم بـالـديـمـ­قـراطـيـة، وكــــان عـــام 1989 استثنائيا في العودة عن الحياة العرفية، لـــكـــن الحـــقـــ­ا كـــانـــت الـــحـــك­ـــومـــات واألجــــه­ــــزة األمنية ذاتها تتجنب الخيار الديمقراطي الحقيقي وتخشاه، ال بل تحاربه، وتفضل مجالس نـــواب مـطـاوعـة ومحكومة بيدها وبغنائمها املمنوحة للنواب. الــيــوم يـريـد املـلـك عـبـد الـلـه الـثـانـي تشكيل «أغلبية فاعلة» في اململكة، بجيل جديد من النخب تتعامل مع الحكم مستقبا، لصالح مــســار مـضـمـون ومــحــكــ­وم بــقــوانـ­ـن ومـــدد، وتــوصــيـ­ـات تــخــص الــشــبــ­اب واملـــــر­أة، وبما يدفع األردن نحو األمام وبهدوء، مع شرط االستقرار واالنتقال التدريجي نحو برملان حزبي برامجي.

كان قانون االنتخاب لعبة سخيفة في العقد المنصرم أدى تغييره بأكثر من شكل واالنتخاب على أشكال عدة إلى تخلّف األردن ديمقراطيًا

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar